تابع العالم باهتمام المبادرة الأوربية النهائية التي اعطيت للإدارة الأمريكية والنظام الإيراني بعد انتهاء الجولة التاسعة من مفاوضات البرنامج النووي الإيراني والتي اعتبرت الصيغة الأخيرة التي لا تقبل اي تعديل من الطرفين سوى الموافقة من أصحاب القرار السياسي في كلا البلدين ، ومضت الأيام ولم يظهر للعيان أي بوادر حقيقية لمواقف مبدئية أو نهائية للمسودة الأوربية وإنما تجاذبت كل من واشنطن وطهران الأحاديث والتصريحات التي لم تنفي القبول أو الرفض النهائي وإنما جاءت بشكل تلميحات سياسية واقاويل وشروط ميدانية، وبادرت طهران للقول انها في مراجعة وقراءة هادفة للنص النهائي المقدم من الأوربيين وستقدم آراء إضافية بشأنه وان المراجعة تاتي لضمان تلبية مطاليبها ، وهي بذلك تؤكد على الضمانات المكتوبة من قبل الأمريكان بعدم الانسحاب من أي اتفاق قادم والرفع الكامل للعقوبات الاقتصادية وإيقاف التحقيقات الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية ضدها بخصوص المواقع الثلاث التي تم كشفها لتخصيب اليورانيوم، وهذا ما اعتبره الجانب الأمريكي بعيد عن الواقع وان الولايات المتحدة الأمريكية لا تمارس أي ضغط على طلبات واعمال الوكالة الدولية لإكمال التحقيقات وجاء التأكيد من قبل (روبرت مالي ) المبعوث الأمريكي الخاص لإيران انه يأمل في التوصل إلى اتفاق مع المجموعة الأوربية وإيران لإنهاء الملف النووي في اقرب فرصة وان طهران لديها القابلية لصنع قنبلة نووية بعد امتلاكها لمواد كافية تساهم في تحقيق أغراضها وأي اتفاق سيعمل على تحقيق الهدف الأساسي في منع أيران من امتلاك المواد الانشطارية التي تعتبر الأساس في صنع القنبلة النووية.
هذه التجاذبات والآراء بين الطرفين أصبح ماثلة للجميع وصورة واقعية لعدم اكتمال فكرة توقيع الاتفاق بصيغته النهائية التي طالب بها الأوربيين خاصة وأن الجانب الأمريكي قد أفصح عن مخطط ايراني لاغتيال جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي السابق من قبل أحد عناصر الحرس الثوري الإيراني وفق بيان صادر من وزارة العدل الأمريكية وان الموضوع متابع بشأن كبير من قبل الأمن الفيدرالي ، وقد تأتي العملية انتقاما لقيام الولايات المتحدة الأمريكية باغتيال قاسم سليماني في الثالث من كانون الثاني 2020 ، والمعروف عن بولتون انه من الصقور المعادين لإيران والداعي لتغير النظام الإيراني والمعارض لاتفاقية 2015 ويرى انها لا تتناسب والمصالح الإستراتيجية لأمريكا، وحذر مستشار الأمن القومي الأميركي(جيك سلوفيان) إيران من عواقب وخيمة حال الإعتداء على أي مواطن لبلاده .
رفضت إيران هذه الاتهامات الأمريكية ورأت انها تشكل عائقا أمام الجهود المبذولة لإنهاء الملف النووي ويشكل اتهام واضح لإيران لزعزعة الأمن والاستقرار في العالم ولهذا فقد تم استعادة ما قاله (كمال خرازي) كبير مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي، والجنرال رحيم صفوي المستشار العسكري للمرشد، ومحمد سلامي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بأن( إيران تستطيع صنع القنبلة النووية متى تريد وان أرادت فلا يمكن لأحد أن يمنعها ولكن هذا ليس على جدول الأعمال الآن!!! ) .
تعتبر هذه التحديات استمرار لسياسة التعنت وإظهار القوة والتمسك بالشروط الإيرانية والدفع باتجاه تصعيد الموقف مع واشنطن وهذا يؤثر على طبيعة وإكمال البنود المقترحة في المبادرة الأوربية.
يبقى الجديد في الخطاب الإيراني أنه تراجع عن إخراج الحرس الثوري الإيراني من لائحة العقوبات الخاصة بالمنظمات الإرهابية ولكنه استعاض عنها بطلب إغلاق ملف التحقيقات التي تقدمت بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإصدار مجلس حكام الوكالة قرار يؤيد سلمية البرنامج النووي وعدم وجود أنشطه عسكرية فيه.
والموقف الأمريكي لا يزال متمسكا بعدم تقديم أي ضمانات خطية لإيران بعدم الانسحاب من أي اتفاق جديد وانه ليس هناك رفع تام للعقوبات لانه سيجعلها تتحرك بحرية لممارسة أنشطتها الاقتصادية والتجارية والحصول على عوائدها المالية من تصدير النفط والغاز وإبقاء أنشطة تخصيب اليورانيوم وعدم تفكيكها وتعليقها فقط لتكون وحسب الطلب الإيراني أساس رادع لحماية أمنها القومي وأنها تشكل منجز ميداني للشعوب الإيرانية، وعملية الرفع التام للعقوبات يتم حال التزام إيران بالشروط الخاصة بتفعيل رقابة الوكالة الدولية ونشر كاميرات المراقبة والتفتيش في جميع المواقع التي يراها المفتشين الدوليين وان يكون لهم الحق في الزيارات الميدانية والمفاجأة والمراقبة المستمرة، مع ملاحظة التطور الحاصل ببرنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة وسياسية التمدد والنفوذ الإقليمي الإيراني..
ان النظام الإيراني يعلم جيدا حاجته لرفع العقوبات الكاملة بعد فشل السياسات الاقتصادية التي قام بها الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي وعدم تمكنه من معالجة الأخطار الاقتصادية التي تواجه النظام وتصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية حول الحالة المعاشية وارتفاع الأسعار وزيادة التضخم ونسب الفقر والبطالة في المجتمع الإيراني وعدم وجود مفاعيل حقيقة لمواجهة الآثار السلبية للعقوبات الأمريكية.
تستمر المواجهة العلنية بين طهران وواشنطن حتى وان اتضحت موافقتهما الشكلية على أي مبادرة أو مقترحات وسياسة الشد والجذب قائمة لتحقيق الغايات الأمريكية والأهداف الإيرانية.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية