بغداد- قالت مصادر سياسية عراقية إن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي اختار الغياب عن المشهد السياسي العراقي، ولو ظرفيا، يجد نفسه في وضع صعب بعد استقالة المرجع آية الله كاظم الحائري الذي كان بمثابة الأب الروحي للصدر والوصيّ على ميراث الصدريْن محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر والد مقتدى، وهذا الوضع سيجعل الصدر وأنصاره يدخلون دائرة وصاية إيران ومرشدها الأعلى علي خامنئي ومن يأتي بعده مقابل انتهاء دور مرجعية النجف.
وأضافت هذه المصادر أن الصدريين يتعاملون اليوم مع إيران كعدوّ وأن الغطاء الذي كان يوفّره الحائري قد انتهى وأن عليهم أن يعتمدوا خيارات بديلة خاصة في ظل الصمت التام للمرجع علي السيستاني، وهو صمت يظهر تسليمه بالأمر الواقع بحكم التقدم في العمر، أي القبول بنقل مرجعية النجف بميراثها الواسع الذي كان ينافس مرجعية قُم ويتفوق عليها، إلى إيران كمنطقة جغرافية وتحويل التشيع إلى ورقة سياسية بيدها.
وترى المصادر أن السيستاني يعرف أن مرجعية النجف إلى اضمحلال مع تقدمه في السن ووفاة كبار رجال الدين الشيعة من النجفيين أو من المقيمين بالنجف، وسكوته في هذا الوقت بالذات هو اعتراف بأن مرجعيته لم تتمكن من احتواء الاقتتال الشيعي – الشيعي، وأن مصيرها لا يختلف عن مصير مرجعية الحائري، مشددة على أن كل المرجعيات لم تتمكن من إزاحة دور المرشد الأعلى الذي يبدو اليوم أقوى من أيّ وقت مضى.
ومن الواضح أن الأزمة الصامتة منذ التسعينات بين مرجعية عربية وأخرى فارسية عادت لتفرض نفسها مجددا بعد استقالة الحائري، وأن اتساع دائرة الخلاف مرهون بمدى قدرة الصدريين على التمسك باستقلالية مرجعيّتهم ومقاومة محاولة الإلحاق الإيرانية، وهو أمر مرتبط بمسار التحولات السياسية والأمنية في العراق وما إذا كانت إيران قادرة على التحكم في هذه التحولات السياسية والأمنية والمرجعية وتجييرها لفائدتها.
وتضغط إيران على الصدر من أجل القبول باستمرار “الوحدة الشيعية” في حكم العراق، وحذّرتهم من أن أحلامه وخططه في الحكم لن تكون خارج الدائرة التي ضبطتها، وهو ما يعني إجباره على التحالف مع الإطار التنسيقي.
ولم تتدخل إيران لقلب المعادلة الشيعية لفائدتها وقطع الطريق على أيّ تشيع مختلف معها، إلا بعد أن وفّرت لنفسها “حرسها الثوري” بنسخته العراقية، أي الحشد الشعبي، والكتلة السياسية الضاغطة المتمثلة بالأحزاب والجماعات الولائية المنضوية تحت راية الإطار التنسيقي.
وقال مراقبون إن استقالة الحائري، الذي يعيش في إيران منذ عقود، لم تكن عملا اختياريا، وإنها جاءت بضغوط من المرشد الأعلى من أجل سحب غطاء المرجعية على تحركات الصدر وأنصاره خاصة بعد أن انتقلوا إلى مرحلة تشبه العصيان المدني لإجبار البرلمان على الاستقالة والدفع نحو انتخابات جديدة، لافتين إلى أن اعتزال الحائري كان الهدف منه إثارة بلبلة داخلية داخل التيار الصدري وتوسيع دائرة الخلافات خاصة أن الصدر لا يقدر على لعب دور المرجعية.
وفي إعلانه عن اعتزال الحياة العامة، ندد الحائري بالصدر لتسببه في انقسامات بين الشيعة، ودعا أتباعه إلى إطاعة أمر الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي. كما قطع على الصدر الطريق لتولي الاجتهاد ووصفه بشكل غير مباشر بأنه فاقد لأهلية القيادة.
وقال الحائري في رسالة أقرب إلى تحريض الصدريين على زعيمهم “على أبناء الشهيدين الصدرين (قدّس الله سرّهما) أن يعرفوا أنّ حبّ الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقيّ لأهدافهما التي ضحّيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرّد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين (رضوان الله تعالى عنهما)، أو يتصدّى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعيّة”.
ورد الصدر سريعا على هذا الهجوم بأن ألقى باللوم في تدخل الحائري على أطراف خارجية، في إشارة ضمنية إلى طهران. وقال على تويتر “…اعتزال المرجع لم يك من محض إرادته”.
وقال عضو بارز في حركة الصدر مقره بغداد إن الصدر غاضب. وقال “الحائري كان المرشد الروحي للصدر. اعتبر الصدر ذلك خيانة تهدف إلى سلب شرعيته الدينية كزعيم شيعي، في وقت يصارع فيه الجماعات المدعومة من إيران على السلطة”.
وقال مسؤولون في التيار الصدري في النجف إن هذه الخطوة تعني أنه كان على الصدر الاختيار بين طاعة مرشده الروحي، الحائري، واتّباع خامنئي، أو رفضه وربما إغضاب شخصيات أكبر سنا في حركته كانت مقربة من والد الصدر.
ويقول خبراء في الشأن الشيعي إن تحرك الحائري لإغلاق مكتبه وتوجيه أتباعه لإطاعة الزعيم الإيراني كان سيبدو مريبا على أيّ حال في السياق العراقي، حيث التلميحات إلى التدخل الإيراني شديدة الوضوح.
وقالت مارسين الشمري الباحثة في كلية كنيدي بجامعة هارفارد “هناك سبب قوي للاعتقاد بأن هذا نتيجة للضغط الإيراني، لكن ينبغي ألا ننسى أن الحائري كانت لديه أيضا خلافات مع الصدر في الماضي”.
◙ الأزمة الصامتة منذ التسعينات بين مرجعية عربية وأخرى فارسية عادت لتفرض نفسها مجددا بعد استقالة الحائري
وأضافت “أنه يوجه أتباعه إلى اتّباع خامنئي في وقت لا توجد فيه ضرورة (دينية) للقيام بذلك. كما يبدو من المستبعد أن يغلق شخص في مكانته مكاتبه التي ربما تكون مربحة للغاية”.
ويصر الصدر على إجراء انتخابات جديدة، بينما تريد بعض الجماعات المدعومة من إيران المضي قدما لتشكيل حكومة. واندلعت اشتباكات في أواخر الأسبوع في جنوب العراق الغني بالنفط.
والتزمت الحكومة الصمت إلى حد بعيد. وقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يوم الثلاثاء إنه سيتنحى إذا استمر العنف، وذلك في بيان صدر بعد ساعات من توقف القتال بالفعل.
وقال ريناد منصور الباحث لدى مؤسسة تشاتام هاوس ومقرها لندن “أين رئيس الوزراء، القائد العام (للقوات المسلحة)، من كل هذا؟”. وأضاف أنه كان من الممكن وقوع المزيد من العنف.
وقال “ينصبّ التركيز الأساسي للصدر على أن يصبح الشخصية الشيعية الرئيسية في العراق، ولذا فهو يريد أن يلاحق خصومه الشيعة. العنف أحد الأدوات التي تستخدم في المنافسة بالعراق”.
العرب