في حوار تلفزيوني طرح سؤال على غورسل تكين، من قيادات الصف الثاني في حزب الشعب الجمهوري، حول مدى استعداد الائتلاف لمنح مقعد وزاري لحزب الشعوب الديمقراطي في حال فوزه في الانتخابات المقبلة. فأجاب تكين بأن هذا ممكن.
وقامت القيامة على الرجل. ففي حين أكدت صحف الموالاة وكُتّابها على أن كلام تكين دليل على ما دأبت السلطة على تكراره بصدد وجود تحالف خفي بين الائتلاف السداسي وحزب الشعوب الديمقراطي، هاجم أركان الحزب الخيّر تكين قائلين إن حزبهم لا يمكن أن يلتقي مع «الشعوب الديمقراطي» في أي إطار تنسيقي، طالبين من حزب الشعب الجمهوري إصدار موقف صريح في رفض تصريحات تكين. وهو ما لن يتأخر زعيم الحزب كمال كلجدار أوغلو في الاستجابة له، فقال إن غورسل تكين غير مخوّل بإطلاق تصريح من هذا النوع، وقال عن اتهامات السلطة للائتلاف بأنه يتألف من «ستة أحزاب فوق الطاولة وحزب الشعوب الديمقراطي تحت الطاولة» إنها مجرد «سفسطات لا أساس لها من الصحة».
الحق أن مضمون تصريح تكين لا ينطوي على أي «هرطقة» سياسية. فحزب الشعوب الديمقراطي هو حزب شرعي اختط لنفسه نهج العمل السياسي في الإطار البرلماني، ويصوت له نحو ستة ملايين ناخب، بل إنه يتوجه باطراد ليكون حزباً لتركيا وليس لكردها فقط، وإن كانت القضية الكردية في مركز اهتماماته، ويصوت له كثير من الناخبين من غير الكرد أيضاً. لكن السلطة، والرئيس أردوغان بالذات، يعاملانه على أنه حزب إرهابي ومجرد واجهة لحزب العمال الكردستاني، وتم التضييق على نشاطه من خلال اعتقال بعض كوارده، وفي مقدمتهم زعيمه السابق صلاح الدين دمرتاش المسجون منذ سبع سنوات، وعزل رؤساء بلديات من الحزب فازوا في الانتخابات المحلية. ويعود عداء أردوغان لحزب الشعوب ودمرتاش بالذات إلى أنه طرح شعار «لن نسمح لك أن تصبح رئيساً» أثناء الحملة الانتخابية في 2015، إضافة إلى المنافسة التقليدية على أصوات الناخبين الكرد بين «الشعوب» و«العدالة والتنمية». ويمكن إضافة سبب آخر لتصعيد السلطة ضد حزب الشعوب هو تحالف العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية بقيادة دولت بهجلي. فالأخير يدعم الحكومة من خارجها مقابل مزيد من التشدد في الموضوع الكردي.
الحزب الأخيّر بقيادة مرال آكشنر هو حزب منشق من حزب الحركة القومية، ومعظم كادراته القيادية وقاعدته الانتخابية تنتمي إلى التيار القومي المتشدد نفسه، وموقفه من الموضوع الكردي والتمثيلات السياسية الكردية هو نفسه موقف الحزب الأم الذي انشق عنه. وعلى رغم رغبة آكشنر في احتلال حزبها لموقع يمين الوسط، بالنظر إلى تحدرها منه، لم يُجرِ الحزب أي مراجعة نقدية لأسسه الفكرية، فظل نسخة طبق الأصل عن حزب بهجلي، باستثناء رفضه تحالف بهجلي مع السلطة الذي بسببه حدث الانشقاق وليس لأسباب فكرية. مع ذلك تمكن الحزب، في السنوات القليلة الماضية منذ تأسيسه، من استقطاب مؤيدين من بيئات اليمين التقليدي كما من التيار الوطني في حزب الشعب الجمهوري، فبلغت نسبة شعبيته المتصاعدة، في استطلاعات الرأي، نحو 12٪.
في بنية حزب الشعب الجمهوري تيارات متعددة، وكتلة من المثقفين وصناع الرأي ذوي أصوات متنوعة. أما زعيم الحزب كلجدار أوغلو فقد اختط لنفسه خطاً متصالحاً مع مختلف البيئات الاجتماعية
وكسب الحزب الأصوات التي تنفض من حول حزب بهجلي الذي تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبيته إلى ما دون 7٪.
بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري الموضوع أكثر تعقيداً، ففي بنيته تيارات متعددة، وكتلة من المثقفين وصناع الرأي ذوي أصوات متنوعة. أما زعيم الحزب كلجدار أوغلو فقد اختط لنفسه خطاً متصالحاً مع مختلف البيئات الاجتماعية، ويقود حملة بعنوان «طلب التسامح» من الفئات التي تعرضت لمظالم في تاريخ تركيا الجمهورية حين كانت السلطة في يد حزبه، وتشمل بصورة رئيسية الكرد والعلويين والمحافظين المتدينين. لكنه يواجه معارضة قوية داخل حزبه رافضة لمبدأ طلب التسامح، وبالأخص من التيار الوطني العلماني المتشدد. لكن السلطة المطلقة الممنوحة لزعماء الأحزاب في تركيا تمنح كلجدار أوغلو هامشاً كبيراً للتمسك بتوجهاته المنفتحة. هذه التوجهات هي ما جعلته يتمكن من جمع ستة أحزاب متنافرة سياسياً وإيديولوجياً تحت مظلة «الطاولة السداسية» لكنه يدرك هشاشة هذا الائتلاف بالنظر إلى اقتصار المشتركات بينها على الرغبة في الفوز في الانتخابات على الائتلاف الحاكم واستعادة النظام البرلماني.
في موضوع العلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطي، يدرك كلجدار أوغلو، كما يدرك حلفاءه الخمسة في الائتلاف السداسي، أن فوزهم بالسلطة في الانتخابات القادمة غير ممكن بلا دعم من ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي. وعملياً حدث هذا التحالف في الانتخابات المحلية في 2019، وبفضله فازت أحزاب المعارضة بأهم البلديات في إسطنبول وأنقرة وأضنة وغيرها. في الانتخابات الرئاسية بالذات يحتاج الائتلاف السداسي المعارضة إلى موافقة «الشعوب» على مرشحه الذي لم يتفق عليه إلى اليوم، وإلا قدم «الشعوب» مرشحه الخاص، على غرار ما فعل في الانتخابات الرئاسية في عام 2014 حين ترشح دمرتاش للمنصب في مواجهة أردوغان ومرشحين آخرين.
بهذا المعنى فإن اتهام السلطة للائتلاف المعارض بأن «الشعوب» هو الحزب السابع في الائتلاف هو نوع من الترهيب كي لا يحدث أي تنسيق مع الحزب وهو ما يضمن خسارة الائتلاف المعارض في الانتخابات القادمة. لكن المشكلة الأساس ليست في هذا الترهيب، بل في استجابة أهم أركان المعارضة له، الشعب الجمهوري والخيّر، والاستسلام لمنطقه، ليس خوفاً من اتهامها بالتحالف مع «إرهابيين» بل خشية من تفكك الائتلاف الذي تنخره تيارات متشددة ضد المطالب الكردية في كلا الحزبين الرئيسيين. وهكذا يجد مهندس الائتلاف السداسي كلجدار أوغلو نفسه مشدوداً بين حزب آكشنر القومي من جهة وحزب الشعوب الديمقراطي من جهة ثانية، إضافة إلى نفور قواعد الحزب العلماني الانتخابية من تحالفه مع ثلاثة أحزاب إسلامية أو ذات أصول إسلامية، حزب السعادة وحزب المستقبل وحزب دواء.
ترى هل يتمكن كلجدار أوغلو من حفظ التوازنات داخل الائتلاف، وداخل حزبه، إلى موعد الانتخابات؟ هذا ما سنتابعه في الأشهر الثمانية المتبقية على هذا الموعد.
القدس العربي