تترقب القوى السياسية العراقية انتهاء التهدئة غير المعلنة التي فرضتها مراسم الزيارة الدينية المتواصلة منذ عدة أيام في مدينتي كربلاء والنجف، حيث يحتشد أكثر من 3 ملايين زائر من داخل العراق وخارجه، والمقرر أن تنتهي الأحد المقبل.
وتؤكد مصادر سياسية ونواب في البرلمان، في أحاديث متفرقة مع “العربي الجديد”، وجود توجه جدي لإلغاء تعليق عمل البرلمان واستئناف جلساته مجدداً الأسبوع المقبل، بعد جمع قوى “الإطار التنسيقي” نحو 140 توقيعاً نيابياً موجهاً إلى رئاسة مجلس النواب بهذا الخصوص.
بوادر الانفراج الحاصل في المشهد السياسي العراقي تأتي بعد أكثر من 330 يوماً من أعقد أزمات البلاد منذ الغزو الأميركي عام 2003، عقب انتخابات غير تقليدية أجريت بقانون جديد قسم البلاد إلى دوائر متعددة. ونجح التيار الصدري فيها بالفوز بفارق كبير عن القوى المصنفة حليفة أو مدعومة من طهران، إلى جانب بروز القوى المدنية والمستقلين لأول مرة كأرقام مهمة لا يمكن تجاهلها في البرلمان.
أسبوع حاسم في المشهد السياسي
في المقابل، فإن فرص تحرك التيار الصدري مجدداً ضد أي حراك يستهدف تشكيل الحكومة الجديدة، من خلال قوى “الإطار التنسيقي”، ما زال قائماً وبقوة. لذا يعتبر مراقبون أن الأسبوع المقبل قد يكون حاسماً في المشهد السياسي العراقي، بعد انتهاء مراسم زيارة أربعينية الإمام الحسين في كربلاء، وعودة زعيم التيار مقتدى الصدر للتفاعل سياسياً مع المشهد العام في العراق.
يتم تسريب أسماء مرشحين كبدلاء عن محمد شياع السوداني لحكومة السنة الواحدة
وفي هذا السياق، كشف قيادي بارز في تحالف “الفتح”، الجناح السياسي لـ”الحشد الشعبي”، لـ”العربي الجديد”، عن “جمع أكثر من 140 توقيعاً لأعضاء في البرلمان بعريضة موجهة إلى رئاسة مجلس النواب تطالب بإلغاء تعليق عمل المجلس واستئناف جلساته مجدداً”.
وكان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي قد أعلن في 30 يوليو/ تموز الماضي، تعليق عمل البرلمان حتى إشعار آخر بعد اقتحام أنصار الصدر المنطقة الخضراء، وسيطرتهم على المبنى الواقع وسط المنطقة الدولية المحصنة ببغداد.
ووفقاً للقيادي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن موظفي اللجنة القانونية والإداريين في البرلمان عاودوا عملهم في مكاتبهم بمبنى مجلس النواب، وتمت تهيئة الجوانب الفنية والإدارية لاستئناف عمله مجدداً.
واعتبر أن تعليق عمل البرلمان انتفت الحاجة إليه، والتواقيع ستلزم الحلبوسي باستئناف عمله مجدداً، مشيراً إلى أنه من المقرر أن يتم تسليمه الطلب يوم الإثنين المقبل، بعد اعتبار الأحد عطلة رسمية بمناسبة زيارة الأربعين.
وأشار إلى أن تفعيل عمل البرلمان يعني تقدماً إيجابياً في المشهد السياسي، وعودة عمل السلطة التشريعية مرة أخرى، بعد توقف دام لنحو شهر ونصف الشهر.
محاولة لتمرير اتفاق وسط
وتعول القوى السياسية على عدة نقاط، في محاولة لتمرير اتفاق وسط تدعمه بعثة الأمم المتحدة في العراق، قائم على حكومة العام الواحد، عبر تشكيلة وزارية مهمتها تنظيم انتخابات جديدة في موعد لا يتخطى ديسمبر/ كانون الأول العام 2023، إلى جانب اختيار رئيس وزراء غير محسوب على أي من خصوم الصدر الرئيسيين، وهم نوري المالكي، وقيس الخزعلي، وعمار الحكيم. وخلال هذه الفترة يتولى البرلمان مهمة إعادة النظر ببنود الدستور التي تسببت بالأزمة، وفقاً لنائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل.
وكشف النائب، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ”العربي الجديد”، عن التخطيط لزيارة الصدر في النجف بغية حثه على القبول بهذه التسوية. وأوضح أن الوفد سيضم شخصيات سنية وكردية وشيعية وازنة للقاء الصدر في النجف، مستدركاً بالقول إن “فرص لقاءه ما زالت غير مضمونة بشكل مؤكد، لكن من المهم قبول الصدر بأي توجه سياسي وإلا لن تنتهي الأزمة الحالية”.
وفي هذا السياق، كشفت آيات المظفر، المتحدثة باسم تحالف “النصر” الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، عن وجود لجنة داخل تحالف “الإطار التنسيقي” لبحث ملف المرشح لرئاسة الوزراء.
وأضافت المظفر، في تصريحات لتلفزيون محلي عراقي، أن “اللجنة قد تطرح اسم مرشح رئاسة الوزراء. المرحلة الحالية لا تتحمل وجود شخصية جدلية”. واعتبرت المظفر أن “الأزمة السياسية لا تنتهي بتشكيل الحكومة فقط، وأنه من ضرورات المرحلة أنها تحتاج لرجل سلطة سياسي وليس إدارياً”.
وفي بغداد، تتسرب عدة أسماء مرشحة لأن تكون بديلاً عن محمد شياع السوداني لحكومة السنة الواحدة. وجميعها يلاحظ أنها من غير المتقاطعة مع الصدر، مثل محافظ النجف السابق عدنان الزرفي، ومحافظ البصرة الحالي أسعد العيداني، الذي تقارب في عدة مواقف سياسية مع التيار الصدري في الأزمة الحالية واختار الحياد بين المعسكرين الشيعيين المتخاصمين. كما تم تسريب أسماء حيدر العبادي، وكذلك مستشار الأمن القومي العراقي الحالي قاسم الأعرجي، والمستشار الأول في رئاسة الجمهورية علي شكري.
وفي هذا الصدد، قال عضو ائتلاف “دولة القانون” أحمد السوداني إن “قرار تسمية مرشح رئاسة الحكومة المقبلة يبقى محصوراً بيد الإطار التنسيقي”.
ولفت السوداني، في تصريحات صحافية، إلى أن “الأسماء المرشحة البديلة (عن السوداني) كثيرة، لكن الأسماء لا تُذكر، بل مواصفات رئيس الوزراء”.
الخلافات الكردية تتواصل بشأن المرشح للرئاسة
وإلى جانب الخلافات بين الأطراف العراقية، لم تتوصل الأطراف الكردية، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، إلى مرشح مشترك لمنصب رئيس الجمهورية، الذي جرى العرف السياسي في البلاد على أن يكون من حصة القوى السياسية الكردية. ويتمسك الحزب الديمقراطي الكردستاني بمرشحه ريبر أحمد، فيما يتمسك الاتحاد الوطني الكردستاني بمرشحه برهم صالح، ويطالب بولاية ثانية له.
اعتبر أحمد النعيمي أن أي اتفاق أو تسوية سياسية للأزمة ستتطلب قبول التيار الصدري بها
وأكد المتحدث باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني محمود محمد في مؤتمر صحافي، مساء أول من أمس الثلاثاء، ضرورة أن تتوصل الأطراف المشاركة في العملية السياسية إلى “اتفاق واقعي” حول الخطوات المقبلة، وقال إن “الحوارات مستمرة لغاية الآن، لكن لا يوجد لدينا مرشح مشترك”.
لكن القيادية في الاتحاد الوطني الكردستاني رابحة حمد عادت للتأكيد، بعد ساعات، أن الحزبين “قريبان من الاتفاق على مرشح لمنصب رئيس الجمهورية”.
وشهدت الأشهر العشرة الماضية تمسك حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بمرشحه برهم صالح، في مقابل تمسك الحزب الديمقراطي بمرشحه ريبر أحمد. وتحدث سياسيون من إقليم كردستان عن أن “غياب الثقة” هو العامل الأبرز في المفاوضات بين الأحزاب الكردية، ما أدى إلى تعسر التوصل إلى اتفاق.
ويتطلب عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد حضور ثلثي عدد نواب البرلمان (220 من أصل 329)، وفقاً لما كانت قد قررته المحكمة الاتحادية العليا، وسط مخاوف من عدم تحقيق النصاب في حال فشلت القوى الكردية في التوصل إلى اتفاق على مرشح واحد يمثلها.
وتكمن أهمية اختيار رئيس جديد للبلاد في كون الدستور ألزم الرئيس المنتخب داخل البرلمان، في الجلسة نفسها، بتكليف مرشح “الكتلة الكبرى” بتشكيل الحكومة.
ولا يتمتع منصب رئاسة الجمهورية في العراق بأي صلاحيات تنفيذية، بحسب الدستور الذي أقر سنة 2005 باستفتاء شعبي عقب نحو عامين من الغزو الأميركي. وحصر الدستور الصلاحيات التنفيذية بشكل كامل في يد رئيس الحكومة، بينما منح رئيس الجمهورية مهام تشريفية، مثل توقيع المراسيم الجمهورية، وتقليد الأوسمة والأنواط، وتقديم مقترحات للقوانين والتشريعات، وتمثيل العراق في المحافل الدولية، فضلاً عن تكليف مرشح الكتلة الكبرى في البرلمان بتشكيل الحكومة.
أي تسوية ستتطلب قبول التيار الصدري بها
واعتبر الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد النعيمي أن أي اتفاق أو تسوية سياسية للأزمة ستتطلب قبول التيار الصدري بها، وأن حديث الصدر عن اعتزال العمل السياسي يبقى غير واقعي، ولا يمكن لأي طرف سياسي التعويل عليه.
وأضاف النعيمي، متحدثاً لـ”العربي الجديد”، أن “زيارة النجف المرتقبة للقيادات السياسية للقاء الصدر تبقى معياراً للحكم على وجود بوادر حل للأزمة. وقد يصار إلى إقناعه بقبول التسوية من خلال سحب ترشيح السوداني وعدم منح المالكي أي دور بالحكومة الجديدة المؤقتة، والتعهد بعدم استهداف المحسوبين على الصدر في مفاصل الحكومة، بدءاً من مجلس الوزراء وانتهاء بالوزارات والهيئات”.
لكن وفقاً للنعيمي، فإنه “حتى وإن تم التوصل إلى تفكيك الأزمة الحالية والمضي بتشكيل الحكومة، فإنها ستبقى نقطة تحول في العمل السياسي العراقي، وقد تتكرر وبشكل أكبر مستقبلاً، خاصة مع تسجيل مواجهات مسلحة أدت إلى سقوط ضحايا من الطرفين”.