تشهد الساحة الليبية تصاعد التحركات القطرية والتركية بشكل مواز للعب دور في الوساطة بين الفرقاء الليبيين، وسط تساؤلات حول إمكانية حدوث منافسة بين البلدين بعد فترة من التحالف لدعم جماعات الإسلام السياسي التي هيمنت على المشهد.
طرابلس – كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو “أن وفدا من البرلمان التركي سيزور المنطقة الشرقية ويلتقي مجلس النواب، ويزور بعدها طرابلس خلال الفترة القادمة”، وذلك في خضم تصاعد التحركات القطرية بالتوازي مع لعب دور هام في الملف الليبي، وهو ما يثير التساؤل: هل ستؤسس التحركات بين الدوحة وأنقرة على الساحة الليبية للتنافس أم للتكامل خدمة لمصالحهما؟
وأوضح أوغلو خلال لقائه المراسلين الدبلوماسيين في مقر وزارة الخارجية بالعاصمة أنقرة الأربعاء أن تركيا تحاول إنشاء علاقات جيدة مع كافة الأطراف الليبية، وذلك بعد ما أشيع حول دعم السلطات التركية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة على حساب حكومة فتحي باشاغا المدعوم من البرلمان.
وكانت مصادر قد ذكرت لصحيفة “المونتور” الأسبوع الماضي أن فتحي باشاغا غادر اجتماعا مع وزير الخارجية التركي ووزير الدفاع خلوصي أكار ورئيس المخابرات هكان فيدان في العاصمة أنقرة وهو غاضب، بعد أن تم تحذيره من مغبة دخول العاصمة طرابلس عنوة وهو ما رفضه باشاغا واعتبره دعما لا مشروطا من قبل أنقرة للدبيبة.
جهود قطر في الانفتاح على كل القوى المتصارعة في ليبيا ستواجَه بالنفوذ التركي حيث تمتلك أنقرة العديد من الأوراق
وأكدت مصادر الصحيفة أن الوفد التركي اجتمع بشكل منفصل مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية.
ورغم ما يظهر من دعم السلطات التركية للدبيبة فإن أنقرة لا تريد أن تخسر علاقاتها مع حكومة باشاغا المدعوم من البرلمان كذلك، لذلك قررت إرسال الوفد البرلماني إلى المنطقة الشرقية قبل التوجه إلى العاصمة الليبية، في محاولة على ما يبدو للوساطة بين الجانبين.
وكان رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح قام بزيارة بداية الشهر الماضي إلى أنقرة التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تغير واضح لمواقف صالح من التدخل التركي؛ إذ انتقد في السابق مرارا دعم أنقرة للمرتزقة والميليشيات خلال فترة الحرب بين حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج وقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، لكن موقفه تغير إثر التطورات السياسية الحاصلة في ليبيا خلال السنتين الماضيتين.
وسعى عقيلة صالح، من وراء زيارة أنقرة، إلى كسب دعم السلطات التركية لحكومة فتحي باشاغا، لكن يبدو أنه فشل في ذلك حيث استمر دعم أنقرة للدبيبة، وهو ما لوحظ من ردود الفعل التركية على الاشتباكات الدموية التي شهدتها طرابلس قبل فترة والتي أوقعت العشرات من القتلى والجرحى.
ويظهر أن عقيلة صالح غيّر وجهته إلى قطر حيث أدى زيارة إلى الدوحة في بداية الأسبوع الجاري التقى خلالها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وشكر الجهود القطرية المبذولة لدعم الاستقرار في ليبيا بل وبالغ في الإثناء على جهود الشيخ تميم.
وجاءت الزيارة بعد لقاء جمع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة وأمير قطر وهو ما فُهم منه أنه محاولة قطرية للوساطة، في تنافس مع الجانب التركي.
ويرى مراقبون أن رئيس مجلس النواب الليبي سعى إلى استمالة الجانب القطري لاحتضان حوار ليبي – ليبي بموافقة ودعم عربي، وبالتالي قطع الطريق على التسوية التي تسعى إليها تركيا ولعب دور رئيسي في عملية المصالحة بين حكومة الوحدة الوطنية وحكومة باشاغا.
ويظهر وفق متابعين للشأن الليبي أن الدور القطري في الانفتاح على كل القوى المتصارعة في ليبيا سيواجه بنفوذ تركيا التي تسعى من وراء وساطتها في الملف الليبي إلى دعم نفوذها المتزايد في شمال أفريقيا وفي المنطقة ككل.
ويبدو أن تركيا تريد، بحكم علاقاتها مع جماعات الإسلام السياسي والميليشيات وكذلك وجود مرتزقة وقوات تابعة لها في ليبيا، دعم حكومة موحدة تستطيع من خلالها توقيع اتفاقيات اقتصادية تدعم هيمنتها وأطماعها، على غرار ما حصل في فترة حكم السراج.
ويُعتقد أن دخول قطر على خط الوساطة بين الفرقاء في ليبيا قد يعرقل خطط تركيا لتحقيق منافع اقتصادية وتعزيز النفوذ، لكن ذلك لا ينفي إمكانية أن يحصل نوع من التكامل بين الجانبين خاصة وأن الدوحة وأنقرة تجمعهما علاقات قوية وتشتركان في دعم جماعات الإسلام السياسي ليس في ليبيا فقط وإنما في المنطقة ككل.
ويرى مراقبون أن جماعة الشرق تثق في الجانب القطري بالمقارنة مع تركيا التي بعثت رسائل متناقضة تجاه الفاعلين في الشرق كما أظهرت نوايا لدعم خصومهم.
وتأتي هذه التطورات في ظل عودة الجهود التي تقودها بعض القوى الغربية والأوروبية لدفع القوى الليبية المتصارعة إلى التوافق وإيجاد حل سياسي للأزمة وإجراء الانتخابات بالتزامن مع تعيين السنغالي عبدالله بيتالي مبعوثا أمميا إلى ليبيا.
العرب