نشرت صحيفة “إندبندنت” تقريراً أعدّه بورزو دارغاهي، قال فيه إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد قد يحتاجان لبعضهما البعض في قابل الأيام. وقال فيه إن معظم العالم ركز على الحرب في أوكرانيا، لكن عندما سافر الرئيس التركي الشهر الماضي إلى منتجع سوتشي على البحر الأسود للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، وكان في ذهنه موضوع واحد وهو إقناع بوتين للموافقة على عمليته العسكرية التي يخطط لها ضد الأكراد في شمال- شرق سوريا. ولم تعرف إلا قلة ما دار من حديث بينهما في اجتماع مغلق استمر أربع ساعات في قصر بوخاروف روشي، المقر الصيفي الذي بني في الخمسينات لقادة الاتحاد السوفييتي. وخرج أردوغان من اللقاء وقد غير رأيه.
وبعد 11 عاماً من التحريض والدعم ضد نظام الأسدودعم المعارضين له، بدأ بإرسال الرسائل عن المصالحة والحوار مع القيادة في دمشق. وأخبر أردوغان الصحافيين بعد أيام وأثناء رحلة خارجية منفصلة: “تحتاج المعارضة والنظام في سوريا للتصالح”، وأضاف: “هدف تركيا في سوريا ليس هزيمة الأسد، ولكن التوصل لحل سياسي والدعوة للحوار السياسي أو الدبلوماسي” مع النظام في دمشق.
بالنسبة للكثيرين عبر النهج الجديد عن صدمة. فتركيا ظلت داعما مهما لجماعات المعارضة واصطدمت عسكريا أكثر من مرة مع قوات الأسد. وعارض أردوغان الرئيس السوري عندما وجه قواته وأمنه ضد المتظاهرين السلميين في عام 2011، إلا أن الأمور تغيرت حاليا، وقبل عقد قمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان سرت شائعات عن لقاء بين أردوغان والأسد على هامش القمة.
يرى الكاتب أن تخفيف تركيا نبرتها من دمشق قد تكون خديعة للحصول على دعم الكرملين في الحملة العسكرية التي تريد من خلالها مهاجمة الأكراد الذين سيطروا على مناطق شمال- شرق سوريا.
ويرى الكاتب أن تركيا أعادت، في السنوات الماضية، ضبط سياستها الخارجية، وتصالحت مع أعدائها في المنطقة. لكن سوريا تظل مختلفة، وتعقد الحقائق على الأرض التقارب التركي- السوري. ويقول عمر أوزكيزيلتشك من المؤسسة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية للأبحاث المرتبطة بالحكومة إن المصالحة ليست قريبة: “صورة بين أردوغان والأسد مستحيلة، وهذا لا يمنع تركيا من الدعوة للتطبيع في العلاقات، لكنني لا أتوقع علاقات دبلوماسية وستكون متعجلة كثيرا”.
وانخفض مستوى الغليان في الحرب في البلاد، مع أن الأمم المتحدة حذرت، يوم الأربعاء، من أن جبهات عدة اشتعلت من جديد وحذرت من مخاطر التصعيد. وقال رئيس اللجنة المستقلة للتحقيق في سوريا بالأمم المتحدة باولو سيرجيو بينيرو: “لا تحتمل سوريا العودة إلى قتال واسع، ولكن هذا هو الطريق الذي ربما تتجه إليه”. وقال إن هناك زيادة “انتهاكات حقوق الإنسان” في الأشهر الستة الأخيرة، بما في ذلك القتال في شمال- غرب سوريا، والذي ترك أعداداً من المدنيين القتلى وقيّد حركة دخول الطعام والماء. وحذرت وكالات الأمم المتحدة من الكوليرا التي قد تنتشر في سوريا ودعت للتحرك العاجل. وسجلت الأمم المتحدة مزيدا من الغارات الجوية ضد مواقع المعارضة السورية. وقال بنيرو: “كانت لدينا فكرة عند نقطة ما أن الحرب قد انتهت بالكامل”، لكن الانتهاكات أثبتت أنها ليست هي الحال. وتحمل المصالحة بين أنقرة ودمشق الكثير من التداعيات على الغرب والشرق الأوسط، ولربما قربت تركيا عضو الناتو للفلك الروسي أكثر. وربما عقدت من الوجود العسكري الأمريكي في شمال- شرق سوريا ، وربما زادت من معاناة ملايين السوريين الذين عارضوا الأسد وأجبروا على المنفى.
وأدى التحول التركي لغضب بين حلفائها السوريين الذين يسيطرون على معظم مناطق شمال- غرب البلاد. وحرق المتظاهرون العلم التركي بعد اعتراف وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو بلقائه مع نظيره السوري فيصل مقداد على هامش مؤتمر عقد في بلغراد عام 2021. وحمل المتظاهرون لافتات “لا للمصالحة” و “لا يمكن محو الثوريين”.
وتظل سيطرة تركيا على مساحات من شمال سوريا ولعب دور الحماية في مناطق المعارضة وتأثيرها على محافظة إدلب، التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، عقبة لأي تصالح. وقال آون ستين، من مبادرة أبحاث السياسة الخارجية: “تقوم أنقرة على ما يبدو برمي بالونات اختبار حول تقارب محتمل مع دمشق”. وأضاف: “تملك تركيا بشكل أساسي شمال سوريا، ويمكننا قول ما نريد، لكن الآليات الفعلية لإعادة الأراضي التي تسيطر عليها وتدعمها تركيا إلى دمشق ستظل صعبة”. ويرى الكاتب أن تخفيف تركيا نبرتها من دمشق قد تكون خديعة للحصول على دعم الكرملين في الحملة العسكرية التي تريد من خلالها مهاجمة الأكراد الذين سيطروا على مناطق شمال- شرق سوريا. وتتعامل أنقرة مع تجربة الأكراد بقيادة “حزب العمال الكردستاني” كخطر أكبر عليها من خطورة نظام دمشق. وقال أوزكيزيلتشك إن روسيا تواصل حث تركيا على حل مشكلتها مع الأكراد من خلال نظام دمشق، و”حاولت تركيا التواصل، وكان الرد الأول من دمشق هو التأكيد على أن تركيا راعية للإرهاب ويجب الانسحاب أولا” من المناطق التي تسيطر عليها.
تظل سيطرة تركيا على مساحات من شمال سوريا ولعب دور الحماية في مناطق المعارضة وتأثيرها على محافظة إدلب، التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، عقبة لأي تصالح.
ويعتبر تحول أردوغان تجاه سوريا متجذراً بالانتخابات المقبلة في 2023، حيث تحاول المعارضة توحيد صفوفها لهزيمة حزب العدالة والتنمية. وسط مشاعر حنق من ملايين اللاجئين السوريين وغيرهم الذي يحملون أردوغان مسؤولية السماح لهم بالبقاء. ويحاول أردوغان مواجهة المعارضة من خلال تبني مقترحاتهم والتصالح مع الأسد. وعلق المحلل السياسي المستقل والمختص بالشؤون التركية والشرق الأوسط: “ينظر للحكومة على أنها مؤيدة لبقائهم في البلد” و”هذا تحضير للانتخابات في العام المقبل، وتبني شعارات مثل المعارضة”.
وساعدت المشاعر المعادية للغرب وأمريكا أردوغان في بلد يشعر بالخيانة من تعاون ودعم واشنطن للأكراد ورفض أوروبا طلب أنقرة العضوية في الاتحاد الأوروبي. وكتب حقي أوجال في الصحيفة الموالية للحكومة “ميليت” في 12 أيلول/سبتمبر: “ستعاني الولايات المتحدة العواقب لدفعها تركيا حيث ستترك بـ ناتو مشلول”. وقال: “ليست اليونان ولا أوكرانيا أو أرهابيي بي كي كي/واي بي جي الذين تدربهم في سوريا من منحَ الناتو وضعه الحالي كمنظمة قوية بل تركيا المسلحة جيدا”. وأدهشت تركيا في السنوات الأخيرة حلفاءها المهمّين عندما عززت علاقاتها مع إسرائيل، إيران وروسيا ونفرت أعضاء في الناتو مثل أمريكا وفرنسا. وفي الفترة الأخيرة شددت تركيا الضغط على اليونان، المنافس القديم، وأصلحت العلاقة بشكل نسبي مع أرمينيا التي شهدت العلاقات معها تعقيدات. ودهش الكثيرون من هذه التحركات، واعتقدوا أنها محاولات في السياسة الخارجية يرغب من خلالها أردوغان تحقيق انتصار قبل انتخابات 2023. ويقول سنان جيدي، الأستاذ المتخصص في جامعة مشاة البحرية الأمريكية بفرجينيا: “إنه أردوغان ورجاله”، و”هم يحسنون الأداء مع تقدمهم”. ولم يعرف حتى المحيطين بالرئيس في القصر الرئاسي ما جرى بينه وبين بوتين، أو ما يفكر به أردوغان. وكان أحد الحاضرين رمضان قديروف، زعيم الشيشان، والمنفذ المحتمل لاغتيال زعيم شيشاني معارض في تركيا عام 2021. وربما كانت القمة محاولة لحل المشاكل العالقة بين البلدين وتعزيز الشراكة. وتعهد الطرفان بالتبادل التجاري بالعملات المحلية، مما سيعقد من مهمة الغرب في تشديد العقوبات على موسكو. وسرت شائعات أن روسيا حولت 10 مليار دولار للبنك المركزي التركي قبل قمة سوتشي. وهناك مجالات للتعاون، مثل حصول تركيا على الطاقة الرخيصة وزادت الصادرات التركية لروسيا إلى حوالي 738 مليون دولار. وقال السناتور أندريه كيلموف لسبوتنيك أثناء زيارته لتركيا: ” نمت العلاقات التركية- الروسية في الكثير من المجالات، من الطاقة النووية إلى السياحة”. ونظمت القنصلية الروسية في اسطنبول قبل فترة مؤتمراً اقتصاديا لمدة ثلاثة أيام. وأشار الكاتب لتصريحات أردوغان التي انتقد فيها الغرب ومحاولاته إضعاف روسيا. وفي الوقت الذي يحاول فيه أردوغان الحصول على ضوء أخضر من موسكو لعمليته العسكرية ربما كانت الأخيرة تحاول جلبه لفلكها.
القدس العربي