أنقرة- من شأن قرار واشنطن الرفع الكامل لحظر الأسلحة المفروض منذ عقود على الجزيرة المقسمة، بشرط أن تواصل نيقوسيا منع السفن الحربية الروسية من دخول موانئها، أن يهز معطيات الأمن في شرق المتوسط أكثر منه تهديدا لوضع الشطر التركي من قبرص.
وقال مراقبون إن رفع الحظر سيحول المنطقة، التي أصبحت مركز الاهتمام العالمي بسبب اكتشافات الغاز، إلى ملعب جديد للمواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي مواجهة ذات أبعاد إستراتيجية أكثر منها مواجهة عسكرية مباشرة، مشيرين إلى أن روسيا التي كانت معزولة عن المتوسط باتت طرفا مباشرا فيه بعد الاتفاقيات التي كسبتها بفعل تدخلها العسكري المباشر لدعم نظام بشار الأسد في سوريا، وهو ما مكنها من بناء قواعد عسكرية على المتوسط كما أصبحت شريكا مباشرا في ثروة الغاز المكتشفة حديثا.
وفي أبريل من العام الماضي، انضمت روسيا إلى دائرة التنافس على غاز شرق المتوسط مستفيدة من اتفاقيات سابقة مع النظام السوري تتيح لشركاتها التنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية كمقابل للدعم العسكري.
◙ رفع الحظر سيحول المنطقة، التي أصبحت مركز الاهتمام بسبب الغاز، إلى ملعب جديد للمواجهة بين واشنطن وموسكو
وقالت وسائل إعلام موالية للنظام في سوريا إن دمشق وقعت اتفاقا جديدا يسمح لشركتين روسيتين (كابيتال ليميتيد، وإيست ميد عمريت) ببدء التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي قبالة السواحل السورية في البحر المتوسط.
ويرى المراقبون أن واشنطن بدأت تغير مقاربتها للخطر الروسي بعد الحرب في أوكرانيا بعد أن كان خطرا ثانويا قياسا بالخطر الصيني، لكن المعادلة تغيرت وأصبحت تقايض علاقاتها الخارجية تحت شعار “امنعوا الروس، وخذوا سلاحا”، لافتين إلى أن التضييق على الوجود الروسي العسكري في المتوسط، بفعل اتفاقية سابقة لموسكو مع قبرص، وكذلك لمنع استثمار روسيا للغاز السوري في مد نفوذها بشكل أكبر نحو أوروبا سيدفع إلى تمتين التحالف التركي – الروسي كون أنقرة وموسكو ستكونان المتضررتين من رفع السلاح عن قبرص.
وفرضت واشنطن حظراً على توريد الأسلحة إلى قبرص بأكملها في عام 1987، أملًا في تشجيع إعادة توحيد الجزيرة التي قسمت منذ الغزو التركي في عام 1974 واحتلال قسمها الشمالي، رداً على انقلاب نفذه قوميون قبارصة يونانيون أرادوا إلحاق الجزيرة باليونان.
وكانت الولايات المتحدة تأمل من خلال ذلك في منع حدوث سباق تسلح وتشجيع التسوية السلمية بين الأغلبية اليونانية والأقلية التركية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رفع الجمعة القيود التجارية على المعدات الدفاعية عن قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي.
وأضاف برايس أنه مع الرفع الكامل للحظر، يتوقع أن تواصل قبرص تعاونها مع واشنطن، لاسيما من خلال “مواصلة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع السفن العسكرية الروسية من الوصول إلى الموانئ للصيانة والتزود بالوقود”.
نيد برايس: مع الرفع الكامل للحظر، يتوقع أن تواصل قبرص تعاونها مع واشنطن
ويعتقد محللون أن منطقة شرق المتوسط ستتحول إلى ملعب لمواجهات متعددة بعد اكتشاف الغاز، وأن أمنها صار أشبه بأمن الخليج، وأن التهديد التركي للمنطقة هو المكافئ للتهديد الإيراني في الخليج، لافتين إلى أن تركيا تمتلك عناصر قوة وتأثير تمكنها من عرقلة استثمارات الغاز وتحويل شرق المتوسط إلى بديل مستقبلي عن الغاز الروسي خاصة في ظل ارتباك واشنطن التي رفضت في السابق خطا للغاز يستثني تركيا بزعم أنه مكلف وبدت أميل إلى الخط الذي يقوي دور أنقرة كمركز لعبور الغاز من روسيا وآسيا الوسطى ومن الشرق الأوسط، وهو الهدف الذي يبحث عن تحقيقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ويعتبر المحللون أن القرار الأميركي برفع الحظر عن قبرص سيدفع تركيا إلى التصرف بعدوانية أكبر تجاه جيرانها خاصة قبرص واليونان من أجل فرض أمر واقع عسكري وإستراتيجي يضعها محورا للتحولات، وهو ما يفسره إصرارها على نشر سفن عسكرية مصحوبة بسفن لاستكشاف الغاز والنفط في مناطق بحرية مثار خلاف.
وقالت بورجو أوزتشيليك، الباحثة في جمعية هنري جاكسون والمحاضرة في جامعة كامبريدج البريطانية، إن التوترات تتصاعد بين اليونان وتركيا منذ عدة عقود، إلا أنها تفاقمت بسبب اكتشاف حقول واسعة من الغاز في شرق البحر المتوسط، وهو ما أدى إلى تفاقم مشكلة المناطق البحرية المتداخلة.
ورأت أوزتشيليك أن هناك صراعا يلوح في الأفق ويخيم على نزاعات السيادة البحرية بين الجانبين، وهو الصراع على جزيرة قبرص، المقسمة بين جمهورية قبرص الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، وجمهورية شمال قبرص التركية التي لا تعترف بها سوى تركيا.
وقالت وزارة الخارجية التركية السبت إنها تندد بشدة بقرار الولايات المتحدة رفع حظر الأسلحة المفروض على قبرص.
وقالت وزارة الخارجية التركية إن هذا القرار “سيزيد من تعنت الجانب اليوناني من قبرص ويؤثر سلبا على جهود إعادة تسوية القضية القبرصية”.
وذكر البيان “سيؤدي إلى سباق تسلح في الجزيرة، ويضر بالسلام والاستقرار في شرق البحر المتوسط”، داعيا الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في قرارها واتباع سياسة متوازنة تجاه الجانبين في قبرص.
ورحب الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس السبت بقرار الولايات المتحدة الرفع الكامل لحظر الأسلحة المفروض منذ عقود على الجزيرة المقسمة، بشرط أن تواصل نيقوسيا منع السفن الحربية الروسية من دخول موانئها.
وكتب الرئيس القبرصي على حسابه على تويتر “هذا قرار تاريخي يعكس العلاقات الإستراتيجية المتنامية بين البلدين، بما في ذلك في مجال الأمن”.
العرب