واشنطن – حذرت الولايات المتحدة إيران مساء الثلاثاء من استهدافها ردا على هجوم على مجمع سفارة طهران في سوريا، وأبلغت مجلس الأمن الدولي بعدم علمها المسبق بالهجوم الذي ألقت طهران بالمسؤولية عنه على إسرائيل، حليفة واشنطن وتوعدت بمعاقبة الدولة العبرية.
وتمثل الضربة التي وقعت الاثنين، والتي قالت إيران إنها قتلت اثنين من جنرالاتها وخمسة من مستشاريها العسكريين، واحدة من أكبر الهجمات حتى الآن على المصالح الإيرانية في سوريا.
وقال روبرت وود نائب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة “لن نتردد في الدفاع عن عسكريينا ونكرر تحذيراتنا السابقة لإيران ووكلائها بعدم استغلال الوضع-مرة أخرى، هجوم لم يكن لنا أي دور فيه أو معرفة متقدمة به- لاستئناف هجماتهم على العسكريين الأميركيين”.
وتوقفت الهجمات التي شنها وكلاء مدعومون من إيران على القوات الأميركية المتمركزة في العراق وسوريا في فبراير بعد أن ردت واشنطن على مقتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن بعشرات الغارات الجوية على أهداف في سوريا والعراق مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني والفصائل المسلحة التي يدعمها.
وأبلغت إيران مجلس الأمن المكون من 15 عضوا بأنها تحتفظ بالحق في “اتخاذ رد حاسم” على الهجوم، متهمة إسرائيل بانتهاك الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة والقانون الدولي وحرمة المباني الدبلوماسية والقنصلية.
وقالت نائبة السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة زهرة إرشادي “الولايات المتحدة مسؤولة عن جميع الجرائم التي يرتكبها النظام الإسرائيلي”، متهمة واشنطن بمحاولة زعزعة استقرار سوريا والمنطقة ومنتقدة دعمها إسرائيل في حربها على حركة حماس الفلسطينية.
ودعت إرشادي مجلس الأمن إلى استنكار الهجوم على المقر الدبلوماسي الإيراني في دمشق.
وقال وود إن واشنطن ليس لديها حتى الآن تأكيد لوضع المبنى الذي تعرض للقصف في دمشق.
وأضاف “أي هجوم مؤكد على مبان هي في الواقع منشأة دبلوماسية سيكون مصدر قلق للولايات المتحدة. يجب حماية البعثات الدبلوماسية ومبانيها، وكذلك مقار الإقامة الدبلوماسية الرسمية، وخاصة في أوقات النزاع المسلح”.
وكان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي قد أكد في بيان أنه “سيعاقب رجالنا الشجعان الكيان الصهيوني، سنجعله يندم على هذه الجريمة وغيرها”.
وكذلك، تعهّد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالردّ على هذا الهجوم، مؤكداً أنّ “هذه الجريمة البشعة لن تمرّ من دون ردّ”.
ولم يقدّم رئيسي أيّ تفاصيل بشأن طبيعة هذا الرد، لكنّ بياناً صادراً عن المجلس الأعلى للأمن القومي أفاد بعد اجتماع طارئ عُقد مساء الإثنين بحضوره بأنّه تمّ اتخاذ “القرارات اللازمة”.
وحمّلت إيران “النظام الصهيوني” المسؤولية عن الهجوم، غير أنّ إسرائيل لم تتطرّق إلى هذه التطورات على المستوى الرسمي، كما أنّها لم تعلن أي مسؤولية عنها.
وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة في وقت سابق الثلاثاء إن غوتيريش ندد بالهجوم في دمشق ودعا “جميع الأطراف المعنية إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب مزيد من التصعيد”.
وأضاف في بيان “يحذر (الأمين العام) من أن أي إساءة تقدير قد تؤدي إلى اتساع الصراع في منطقة مضطربة بالفعل، مع وجود تبعات مُدمِرة على المدنيين الذين يواجهون في واقع الأمر معاناة غير مسبوقة في سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع نطاقا”.
ومساء الثلاثاء، اتهمت روسيا إسرائيل بالسعي الى “تأجيج” النزاع في الشرق الأوسط، محملة إياها مسؤولية الضربة “غير المقبولة” التي استهدفت القنصلية الايرانية.
وندّد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبنزيا خلال جلسة لمجلس الأمن بـ”انتهاك صارخ” لسيادة سوريا، مؤكدا أن موسكو “ترى أن هذه الأفعال العدوانية من جانب اسرائيل تهدف الى تأجيج النزاع”، مضيفا “أنها غير مقبولة على الإطلاق ويجب أن تتوقف”.
ودانت الصين الهجوم على القنصلية الإيرانية، مشدّدة على أنّه “لا يمكن انتهاك أمن المؤسسات الدبلوماسية”.
ودعا الاتحاد الأوروبي إلى “ضبط النفس”. وقال بيتر ستانو المتحدث باسم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل “في هذا الوضع الإقليمي المتوتر للغاية، من المهم جداً ممارسة ضبط النفس لأنّ المزيد من التصعيد في المنطقة ليس في مصلحة أحد”.
وفي سياق التحرّك الدبلوماسي الروسي، دعت إيران مجلس الأمن الدولي إلى “إدانة هذا الهجوم الإرهابي الذي ارتكبه النظام الإسرائيلي، بأشدّ العبارات الممكنة”. وأعلن وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان أنّه أرسل “رسالة مهمّة” إلى الولايات المتحدة عبر القائم بأعمال السفارة السويسرية في إيران التي تمثّل المصالح الأميركية في ظل غياب العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وقال عبداللهيان إنّ هذه الرسالة التي لم يتمّ الكشف عن مضمونها، أُرسلت إلى واشنطن “باعتبارها شريكاً للنظام الصهيوني”، مضيفاً أنّها “يجب أن تتحمّل المسؤولية”.
من جهته، قدّم الرئيس السوري بشار الأسد تعازيه إلى نظيره الإيراني، واعتبر أن “ما قام به الكيان الصهيوني من استهداف لمقر بعثة دبلوماسية في منطقة تعج بالمدنيين ليس بالأمر المستغرب، فهذا الكيان بُني على القتل وسفك الدماء والتهجير والسلب”، وفق بيان للرئاسة السورية.
والقصف الذي تمّ بواسطة “ستة صواريخ أطلقتها مقاتلات اف-35” وفق طهران، هو الأول الذي يستهدف مبنى دبلوماسياً إيرانياً في سوريا، حيث تدعم إيران وحلفاؤها نظام الأسد.
وفي ظلّ تزايد المخاوف من أن تأخذ الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) في غزة منحى إقليمياً، أكد العراق الثلاثاء أنّ هذا الهجوم سيؤدي إلى “المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار” في الشرق الأوسط.
ومنذ بدء الحرب في غزة في أعقاب هجوم نفّذته حركة حماس على الأراضي الإسرائيلية، ضاعفت إيران تصريحاتها بشأن دعم حماس متهمة إسرائيل بتنفيذ “إبادة جماعية”، لكنّها نفت أيّ تدخّل مباشر في القتال.
في دمشق، لم يبقَ من مبنى القنصلية الإيرانية غير بوابة كتب عليها “القسم القنصلي في السفارة الإيرانية”.
وتناثرت شظايا النوافذ المحطّمة على مسافة وصلت إلى 500 متر، بينما تضرّرت العديد من السيارات التي كانت متوقفة في المكان.
وقالت وزارة الدفاع السورية “أدّى العدوان إلى تدمير البناء بكامله واستشهاد وإصابة كلّ من بداخله”.
والثلاثاء، أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني ارتفاع عدد القتلى إلى 13 قتيلاً بينهم سبعة أعضاء في الحرس الثوري الإيراني، وذلك بعدما أفادت حصيلة سابقة عن مقتل 11 شخصاً.
وقال التلفزيون الإيراني “في الهجوم الذي نفّذه النظام الصهيوني على قنصلية السفارة الإيرانية في العاصمة السورية، قُتل سبعة إيرانيين وستة سوريين”.
وكان الحرس الثوري الإيراني أفاد بُعيد الهجوم الإثنين، بأنّ سبعة من عناصره بينهم ضابطان كبيران قتلوا، موضحاً أنّ بين القتلى العميد محمد رضا زاهدي والعميد محمد هادي حاجي رحيمي.
من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى سقوط 11 قتيلاً “هم ثمانية إيرانيين وسوريان ولبناني واحد، جميعهم مقاتلون وليس بينهم أيّ مدني”.
ويُستهدف مسؤولون إيرانيون في سوريا منذ بدء الحرب في هذا البلد في العام 2011، ومن هؤلاء الجنرال رضي موسوي القيادي البارز في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي قُتل في يناير في ضربة قرب دمشق.
ومنذ العام 2011، نفّذت إسرائيل مئات الضربات في سوريا المجاورة، مستهدفة مواقع للحكومة السورية والجماعات الموالية لإيران وأهداف عسكرية إيرانية.
وتكثّفت الضربات في خضمّ الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر بين إسرائيل وحركة حماس، بينما يعدّ القصف الذي طال القنصلية الإيرانية الإثنين، الخامس الذي يستهدف سوريا خلال ثمانية أيام.
العرب