طهران- يحاول المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي تطويق أزمة أحداث العنف التي شهدتها منطقة بلوشستان على الحدود مع باكستان وأفغانستان، والتي تعاني من تمييز طائفي وعرقي، بطلبه فتح تحقيق، وهو ما ينسف نظرية المؤامرة التي روج لها خامنئي وبقية المسؤولين الإيرانيين.
وطالب خامنئي بفتح “تحقيق مسهب” وبأن “يكون مبنيا على معايير العدل والشريعة”، في أحداث سيستان بلوشستان بجنوب شرق البلاد، وفق ما أفاد به رئيس وفد بعث به إلى المحافظة التي شهدت أعمال عنف في الأسابيع الماضية.
وقال مراقبون محليون إن طلب إجراء تحقيق مسهب ويلتزم معايير العدل والشريعة يتضمن إشارة إلى أن التحقيق الأولي الذي بنت عليه الحكومة حملتها على المنطقة الفقيرة كان مسقطا وقاد إلى توتير الأوضاع وربما تكون له نتائج على المدى البعيد في غير صالح النظام.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن المنطقة قد تضطر، في ظل التمييز الذي يستهدفها وخاصة الاستهداف الأمني المستمر ضد أبنائها، إلى توسيع أنشطة الانفصال عن إيران مستفيدة من البعد العرقي وخاصة الوجود المكثف للبلوش في دول الجوار.
وعرفت المحافظة، وخصوصا مركزها مدينة زاهدان، توترات في الأسابيع الماضية، بسبب حملة حكومية على تهريب الوقود، لكن تزامنها مع الاحتجاجات التي شهدتها البلاد على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني بعد أيام من توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران، جعل السلطات تقابل المتظاهرين البلوش بعنف شديد ما أدى إلى مقتل 16 عشر شخصا.
◘ طلبُ تحقيق مسهب وعادل يتضمن إشارة إلى أن التحقيق الأولي الذي بنت عليه الحكومة حملتها كان غير نزيه
ومنذ ذلك التاريخ تسجّل مسيرات وتوترات أسبوعية بعد صلاة الجمعة في المحافظة الحدودية التي تقطنها نسبة كبيرة من السّنّة.
وأفادت وسائل إعلام محلية الأحد بأن وفدا مرسلا من مكتب المرشد الأعلى يتقدمه حجة الإسلام محمد جواد حاج علي أكبري، رئيس مجلس أئمة الجمعة في إيران، التقى شخصيات في زاهدان الأحد.
ومن أبرز من التقى بهم الوفد إمام الجمعة للسّنّة في زاهدان مولوي عبدالحميد الذي سبق أن حمّل “كل المسؤولين ومن يديرون شؤون البلاد” مسؤولية ما حصل في المدينة، والذي اتهمه الإعلام الإيراني بالحضّ على الاحتجاج.
وأفادت وكالة “إرنا” الرسمية بأن حاج علي أكبري أبلغ مولوي عبدالحميد بأن خامنئي، صاحب الكلمة الفصل في السياسات العليا للجمهورية الإسلامية، “أمر بفتح تحقيق مسهب في الأحداث الأخيرة التي وقعت في هذه المحافظة والعمل على أساس الحقائق”.
وأضاف “لن يتم التسامح مع الذين أساءوا إلى الأمن القومي وارتكبوا جرائم وتجب معاقبتهم ومحاكمتهم لأن أمن المجتمع هو الخط الأحمر لجميع الأنظمة، وتحت أي ظرف من الظروف لن يسمح قائد الثورة بتضييع حق أحد”.
ومساء الاثنين أعلنت وكالة “تسنيم” عن الإفراج عن 38 شخصا ممن تم توقيفهم في “أعمال الشغب الأخيرة”، بعد ساعات من تأكيد حاج علي أكبري أن من ارتكبوا “أخطاء محدودة (…) سيتم الإفراج عنهم بعفو من القائد الأعلى”.
وكان حاج علي أكبري ذكر الأحد أن الوفد يزور المحافظة الواقعة في أقصى جنوب شرق الجمهورية الإسلامية من أجل “إبلاغ (أهلها وشخصياتها) تحيات قائد الثورة الإسلامية”، ونقل “حزن سماحته وانزعاجه من الأحداث التي حدثت، ونوضح التدابير الممتازة التي اتخذها لحل المشاكل والإجراءات التكميلية”.
ونقلت “إرنا” عن حاج علي أكبري قوله إن “الأشخاص الأبرياء الذين تم التعرض لهم سيتم اعتبارهم بمثابة شهداء”.
وكان مسؤولون إيرانيون أفادوا بُعيد حصول أحداث زاهدان بأنها كانت نتيجة هجوم مسلّحين على مراكز تابعة لقوات الأمن.
من جهتها أشارت شخصيات محلية إلى حدوث توتر سببه أنباء تفيد بتعرض فتاة “للاغتصاب” من قبل مسؤول في شرطة المحافظة، وأن قوات الأمن “أطلقت” النار على متجمّعين قرب مسجد في زاهدان.
وفي أواخر أكتوبر الماضي أقال مجلس الأمن في المحافظة مسؤولين في الشرطة، من بينهم قائدها في زاهدان، على خلفية “إهمال” من قبل ضباط أدى إلى “جرح ووفاة عدد من المواطنين الذين كانوا يؤدون الصلاة، ومشاة أبرياء لم يكن لهم أي ضلوع” في الأحداث.
ومنذ ذلك الحين، غالبا ما تشهد المحافظة مسيرات احتجاجية وتوترات أسبوعية في أعقاب صلاة الجمعة.
وفي التاسع من نوفمبر الجاري أفاد الإعلام الرسمي الإيراني بتعيين العميد محمد قنبري قائدا لشرطة المحافظة خلفا للعميد أحمد طاهري الذي كان يتولى المنصب منذ أكتوبر 2020، دون تقديم تفاصيل بشأن دوافع هذا التغيير.
وبلوشستان منطقة سنية فقيرة على الحدود مع باكستان وأفغانستان وتعاني من تمييز طائفي وتراجع في المشاريع الخدمية والتنموية في حين تصر السلطات على أن مشاكلها في الإقليم مرتبطة بعصابات تهريب. وتشهد المنطقة هجمات أو اشتباكات متكررة بين قوات الأمن ومجموعات مسلحة.
العرب