نيروبي – يواجه الصوماليون الجوع في صمت وسط تردد الحكومة في الإعلان عن حالة المجاعة في البلاد، خشية حدوث توترات تنتهي بخسارتها للسلطة.
وفي حين يؤكد عمال الإغاثة دخول البلد فعليا في حالة المجاعة، حذرت الأمم المتحدة من أن أجزاء من البلاد ستتعرض للمجاعة في الأسابيع المقبلة، وتفيد التوقعات بأنها ستكون أكثر حدة مما كانت عليه في عام 2011، عندما قتلت المجاعة في البلاد أكثر من ربع مليون شخص كان حوالي نصفهم من الأطفال.
وتشتد الحاجة إلى أكثر من 2.2 مليار دولار لتوفير الغذاء والماء والمأوى والصحة والصرف الصحي وغير ذلك من أشكال الدعم للمجتمعات المتضررة من الجفاف، لكن الصومال لم يتلق سوى نصف هذا المبلغ من المانحين الأجانب.
وقالت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان ناتاليا كانيم بعد زيارة الصومال هذا الشهر إن “المجتمع الدولي يجب ألا ينتظر الإعلان عن حالة المجاعة حتى يتحرك. فنحن بحاجة إلى التوجه باستجابة منقذة للحياة الآن”.
وقال عمال الإغاثة إن انتشار المجاعة قد حدث بالفعل في بعض المناطق، ودعوا إلى إصدار إعلان رسمي فوري من شأنه أن يجذب الانتباه العالمي إلى الكارثة وحشد المساعدات الخارجية التي تشتد الحاجة إليها وإنقاذ الأرواح.
وقال عادل الماحي، رئيس منظمة أوكسفام الخيرية في الصومال، “ظللنا ندق ناقوس الخطر بشأن المجاعة منذ أشهر، لكن المساعدات كانت بطيئة. ونواجه الآن وضعا كارثيا، فالناس يموتون. ومن المؤكد أن الإعلان عن حالة المجاعة سيجلب المزيد من الدعم”.
ويعد الإعلان عن حالة المجاعة عملية معقدة سياسيا ولا يتم إلا في منطقة ينتشر فيها الجوع الشديد وعندما يموت الناس من شدة الجوع لأنهم لا يملكون ما يكفي من الغذاء.
كما يجب أن تستوفي المنطقة المتضررة ثلاثة شروط وفقا للأمم المتحدة: أن يواجه فيها ما لا يقل عن 20 في المئة من السكان نقصا حادا في الغذاء وأن يعاني ما لا يقل عن 30 في المئة من الأطفال سوءَ التغذية الحاد.
أما الشرط الثالث فيتمثل في أن يموت شخصان على الأقل من كل 10 آلاف نسمة كل يوم بسبب الجوع، أو بسبب مزيج من الجوع الشديد والمرض.
ويقول عمال الإغاثة إن تغير المناخ هو السبب الرئيسي. ويواجه الصومال (وأجزاء من إثيوبيا وكينيا المجاورة) غياب الأمطار للموسم الخامس على التوالي، مما دفع إلى حافة الهاوية السكان الذين تضرروا بالفعل على مدى سنوات من تمرد حركة الشباب الصومالية وفقدان الدخل بسبب جائحة كوفيد – 19.
واحتدّ الجوع بسبب ارتفاع أسعار الحبوب والوقود والأسمدة إثر غزو روسيا لأوكرانيا، نتيجة اعتماد الصومال على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا بنسبة 90 في المئة، وبسبب ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية بنسبة تصل إلى 160 في المئة.
ويواجه حوالي 6.7 مليون شخص (ما يقارب نصف سكان البلاد) جوعا شديدا؛ فقد أدى نقص الأمطار على مدى أكثر من عامين إلى تدمير محاصيلهم ونفوق الماشية.
ونزح أكثر من مليون شخص من ديارهم وأجبروا على السفر لعدة أيام بحثا عن الطعام والماء والعلاج الطبي.
مليون شخص يواجهون جوعا شديدا؛ فقد أدى نقص الأمطار على مدى أكثر من عامين إلى تدمير محاصيلهم ونفوق الماشية
وتوفي المئات من الأطفال المصابين بسوء التغذية والأمراض، ويواجه أكثرُ من 300 ألف شخص المجاعة.
وبشكل عام يتم اتخاذ قرار الإعلان عن حالة المجاعة بالاشتراك بين الحكومة والأمم المتحدة.
ويمكن أن يكون هذا الإعلان مثيرا للجدل سياسيا لأن الحكومات قد ترى فيه خطرا على حكمها باعتبار أنه يوفر للمعارضين فرصة للإشارة إلى فشل الحكم وعدم القدرة على توفير الحماية الأساسية.
وقال عمال الإغاثة في الصومال إن جزءا من حكومة الرئيس حسن شيخ محمود المنتخبة حديثا يبقى مترددا في الإعلان عن حالة المجاعة لأنها ستضر بالدعم العام وستستغل حركة الشباب مخلفات ذلك.
كما تخشى الحكومة أن يؤدي هذا الإعلان إلى ثني المستثمرين وتحويل المساعدات الخارجية من مشاريع التنمية طويلة الأجل إلى الاستجابة لحالة المجاعة.
واعترف شيخ محمود في سبتمبر بأن احتمال حدوث مجاعة في أجزاء من الصومال أمر خطير.
وقال خلال حدث في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة فكرية مقرها واشنطن، “إن الإعلان عن حالة المجاعة لا يؤثر على ضحايا المجاعة فقط بل يوقف التنمية ويغير الرؤى”.
ولا يتضمن الإعلان عن حالة المجاعة أي التزامات للأمم المتحدة أو الحكومة أو الدول الأعضاء، ولكنه يؤدي إلى تركيز الاهتمام العالمي على الوضع وحشد الموارد لتقديم مساعدات الطوارئ. فعندما أصاب الشلل الصومال بسبب الجفاف في عام 2017 ساعدت الإجراءات السريعة على تجنب حدوث مجاعة.
وتبدو التوقعات قاتمة، مما يشير إلى أنه سيكون هناك نقص في هطول الأمطار خلال موسم الأمطار الحالي، ومن المرجح أن يمتد هذا إلى الموسم القادم في مارس ومايو، وفقا لشبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة.
وقال بيان صادر عن الشبكة “بغض النظر عن مدى هطول الأمطار في العام المقبل، فإن التعافي من جفاف بهذا الحجم سيستغرق سنوات مع استمرار الاحتياجات الإنسانية المرتفعة للغاية بل وحتى زيادتها في 2023”.
وأضاف “خسر الكثيرون سبل عيشهم وقدرتهم على التكيف ويعتمدون على المساعدة بشكل كبير لتلبية احتياجاتهم الأساسية”.
العرب