يعارض محللون اختزال مسؤولي العالم لتربية المواشي في غاز الميثان، حيث تعتبر تربية الأبقار والماعز والخنازير والدواجن ضرورية لسبل عيش الناس، في وقت يتزايد فيه انعدام الأمن الغذائي العالمي.
لندن – ناقش المجتمعون في قمة المناخ التي انعقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية الفترة الماضية عدة قضايا تتعلق بتغير المناخ من بينها انبعاثات غاز الميثان من المواشي، لكنهم أهملوا فوائدها.
وينظر محللون إلى اختزال الدول الصناعية لتربية الماشية في انبعاثات غاز الميثان والدعوة إلى خفض استهلاك المواد الحيوانية على أنه تقدير غير دقيق بالنظر إلى أن استهلاك هذه الدول للحوم والألبان يفوق استهلاك الدول الفقيرة.
وتشير إحصائيات إلى أن المواطن الأميركي العادي يستهلك حوالي 128 كيلوغراما من اللحوم سنويا، بينما يأكل النيجيري العادي 7 كيلوغرامات فقط.
ويقول جيمي سميث المدير العام السابق للمعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية في نيروبي إن التعميمات المتعلقة بتربية الحيوانات تخفي اختلافات إقليمية كبيرة غالبا ما تؤدي إلى إرشادات في النظام الغذائي تعزز التحول بعيدا عن المنتجات الحيوانية. وهي بهذا غير نافعة لفقراء العالم الذين لا يتناولون اللحوم بنسب كبيرة منذ البداية.
الثروة الحيوانية توفر للأسر الغذاء والدخل والشعور بالهوية الثقافية في البلدان التي تواجه مستويات عالية من سوء التغذية والفقر
وأضاف على سبيل المثال، أوصى تقرير “إيت لانسيت” لسنة 2019 الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة باتباع نظام غذائي نباتي إلى حد كبير.
وأوضح في مقال نشر في مجلة فوريين بوليسي “لا ينبغي التضحية بالغذاء والاحتياجات الاقتصادية العاجلة لمئات الملايين من الناس في أفريقيا وآسيا لدفع ثمن الميثان الذي ينبعث جله من أماكن أخرى”.
ويرى الكاتب أنه من الضروري التفكير في أكثر من مليار شخص حول العالم يعتمدون على حيوانات المزرعة بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتابع “أتذكر معلمة المدرسة التي التقيت بها في ضواحي عبدان بنيجيريا، حيث اعتمدت أرباحها من حلب بقرتيها بعد الظهر لدفع ثمن الزي المدرسي الذي يجب على أطفالها ارتداؤه. كما أتذكر مزارع ألبان ناجح في أروشا بتنزانيا كان يفتتح مصنعا صغيرا للزبادي بفضل قطيعه المكون من 20 رأسا من الماشية، مما خلق فرصا أفضل له ولأسرته”.
في جميع أنحاء أفريقيا، وفي الكثير من بلدان العالم النامي بصفة عامة، تتجاوز حيوانات المزرعة مجرد لحوم مغلفة بالسيلوفان أو حليبا معبأ في زجاجات. حيث تعتبر تربية الأبقار والماعز والخنازير والدواجن ضرورية لسبل عيش الناس وبالتالي القوة الشرائية التي تحدد أمن الأسر الغذائي في وقت يتزايد فيه انعدام الأمن العالمي.
وتوفر الثروة الحيوانية للأسر الغذاء والوظائف والدخل والشعور بالهوية الثقافية في البلدان التي تواجه مستويات عالية من سوء التغذية والفقر.
وغالبا ما يتم التغاضي عن هذه الفوائد، وشهدنا خلال العقد الماضي تهميشها من خلال وجهات النظر الضيقة التي تشكلت في الغرب.
وبحسب سميث فإن هذا هو السبب في أنه من المهم للغاية أن يستمع صانعو القرار في “كوب 27” إلى أصوات من البلدان النامية التي بُنيت وجهات نظرها بشأن الثروة الحيوانية على تجاربها الحية.
يجب أن يقر قادة العالم الذين حضروا في مؤتمر المناخ بأن أفريقيا على وجه الخصوص تحتاج إلى الثروة الحيوانية لمعالجة انعدام الأمن الغذائي والتكيف مع المناخ، وأن الاستثمار في النمو المستدام للقطاع سيحقق فوائد لا تقوضها آثاره البيئية. فليست التنمية المستدامة لعبة محصلتها صفر.
وقد حدد المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية وباحثون آخرون في العقود الأخيرة طرقا لتعظيم فوائد الثروة الحيوانية في أفريقيا مع تقليل الآثار البيئية السلبية، من تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة إلى تحسين إدارة المواشي.
وبرز عمل كورونيفيا المشترك بشأن الزراعة من التطورات الملحوظة في هذا القطاع العالمي حيث اعترف قرار تاريخي للأمم المتحدة في 2017 بالإمكانيات الفريدة التي تضطلع بها الفلاحة في معالجة تغير المناخ.
وكانت مناقشات كورونيفيا جارية على مدى السنوات الخمس الماضية، وتحتاج أفريقيا إلى البدء في رؤية نتائج هذه المحادثات في شكل تمويل مؤسسي أكثر تخصصا في الزراعة، بما في ذلك الثروة الحيوانية، وزيادة إدراج القطاع في مفاوضات مؤتمر المناخ وجداول أعماله.
وجرت الموافقة على نهج دقيق للثروة الحيوانية في تقرير صدر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة في أبريل.
وبينما أقر التقرير بالفوائد المحتملة للتحول إلى المزيد من النظم الغذائية القائمة على النباتات في البلدان الغنية، فقد دعا أيضا إلى المزيد من الاستثمار في قطاع الثروة الحيوانية في العالم النامي.
وذكر أنه “يتمتع بأعلى إمكانات لخفض الانبعاثات”. وكان أحد أسباب هذه الإمكانية هو أن هناك مجالا كبيرا لتحسين كفاءة أنظمة الإنتاج الحيواني عبر البلدان النامية.
وسلّطت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الضوء على ثلاثة مجالات حيث من شأن زيادة الاستثمار الدولي والبحوث والابتكار أن تقلل من الانبعاثات المرتبطة بالإنتاج الحيواني بشكل كبير.
ويجب أن تدعم هذه الأدلة العلمية المناقشات حول تمويل المناخ والعمل في أفريقيا وبدء استثمارات جديدة من الحكومات والمؤسسات والمجتمع الدولي.
ومن مجالات التحسين الرئيسية، كما ورد في التقرير، جودة علف الماشية وتوافره.وتعيش الماشية في أفريقيا بالكامل تقريبا على الحشائش ومخلفات المحاصيل بدلا من فول الصويا أو الحبوب التجارية الأخرى، مما يعني أن المنتجات الحيوانية لا تأتي بكلفة إضافية للأرض يمكن استخدامها لإنتاج الغذاء البشري.
كما يعني هذا أن الحيوانات أكثر عرضة للظروف القاسية بسبب تغير المناخ الذي يقلل من كمية العلف المتاح.
وأظهرت الأبحاث التي أجراها المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية أن من طرق تقليل غازات الاحتباس الحراري المنبعثة لكل منتج حيواني ضمان قدرة المزارعين والرعاة على الوصول إلى علف عالي الجودة لحيواناتهم.
وتبرز فرصة أخرى مهمة لدعم الزراعة المستدامة من خلال منتجات وخدمات الصحة الحيوانية.
وتعاني البلدان الأفريقية من عبء غير متناسب من أمراض الماشية، مما يؤدي إلى نفوق حوالي 1 من كل 5 حيوانات.
وعندما يخسر المزارع حيوانا منتجا للغذاء بسبب المرض، فإن الفوائد المرتبطة بتربيته لا تتحول إلى غذاء أو سماد أو ألياف أو دخل.
وتُخلق حاجة إلى المزيد من الحيوانات (وبالتالي المزيد من الغذاء والأرض والمياه) لتحقيق نفس الناتج.
أخيرا، تقدم التطورات في علم الوراثة وعدا بسلالات قادرة على التكيف مع المناخ يمكن أن تظل منتجة في ظل ظروف تزداد قسوة كل عام.
ويبحث العلماء في الخصائص الوراثية للأغنام والماعز التي تكيفت مع المناطق الحارة والجافة في إثيوبيا والتي يمكن أن تزدهر في درجات الحرارة القصوى، مما يقلل من الانبعاثات مع تمكين المزارعين من التكيف مع تغير المناخ.
وإذا استثمر المجتمع الدولي في تمويل المزيد من الأبحاث، فمن المحتمل أن تحتاج أفريقيا إلى عدد أقل من الحيوانات لتلبية طلباتها المتزايدة على اللحوم ومنتجات الألبان والبيض.
يجب أن تسعى أفريقيا (مثل كل قارة) لتحقيق صافي انبعاثات صفري. لكن يجب على بلدان القارة أيضا الحد من سوء التغذية وخلق سبل عيش محترم لشعوبها وتعزيز الإشراف البيئي. والثروة الحيوانية هي التي توفر لها الفرصة لتحقيق كل هذا.
ويسير تحسين إنتاجية الثروة الحيوانية في أفريقيا جنبا إلى جنب مع الحد من الانبعاثات الزراعية وحماية الأمن الغذائي من آثار تغير المناخ. يجب أن يتذكر المندوبون والناشطون عندما يجتمعون أن كلا الأمرين حيويان لرفاهية البشرية على المدى الطويل.
العرب