ماذا يمكن أن يأتي على إيران بعد الجمهورية الإسلامية؟ تجيب شيرفين مالك زادة، الأستاذة الزائرة في جامعة كولغيت، ومؤلفة كتاب سيصدر حديثا بعنوان: “نار تحت الرماد: الثورة الخضراء والكفاح من أجل الديمقراطية في إيران ما بين 2009 2019″، بأن الغضب الذي اندلع بعد مقتل مهسا أميني، الفتاة الشابة التي احتحزتها شرطة الأخلاق، وانتشر بشكل واسع وجريء بشكل يدفعنا للتساؤل: إلى أن سيقود هذا؟
وجاء في مقالها بصحيفة “لوس أنجليس تايمز” أن “الحقيقة الرهيبة هي أن إيران عالقة ومتعثرة في طريق مسدود هو الأسوأ في كل الأحوال”.
وواجهت قوى الأمن غير المستعدة لتلبية مطالب مواطنيها، شارعا مصمما للحفاظ على الكرامة والحرية بأي وسيلة. ولا توجد “عقدة” واحدة أو رأس للإطاحة بالنظام، ورغم الحديث المتكرر عن نهاية المرشد الأعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، فلن يحصل الإيرانيون على لحظة تشبه نهاية معمر القذافي في ليبيا، أو صدام حسين مشنوقا في بغداد.
ذلك أن إيران تُحكم عبر الإجماع من نخبة ومؤسسات راسخة مستعدة لمواجهة الأزمة والعبور للمرحلة القادمة، أو حتى ينفذ لديها السلاح، أو لم يعد لديها الرجال الذين يقاتلون من أجلها.
وعليه، فالمرحلة الأساسية في حرف توسع العنف الإيراني هي بداية الانشقاق من داخل النخبة، وكسر الصفوف داخل المؤسسة الأمنية. ولا توجد أدلة على حدوث هذا، على الأقل في الصفوف العليا من القيادة المدنية والعسكرية (بعيدا عن استمرار القوى التي تواجه على الخطوط الأمامية في الانصياع للأوامر، فهذا شأن آخر). وفي الحقيقة، فإن سرعة انتشار العنف إلى أماكن أخرى كانت مثيرة للدهشة.
وللمقارنة، ففي أثناء الاضطرابات التي اندلعت عام 2009 وعُرفت بالحركة الخضراء، فقد اقتضى الأمر من قوات الأمن غير المستعدة، عدة أسابيع كي تستخدم العنف وتطلق النار وتهاجم المتظاهرين، وستة أشهر أخرى لكي يتم قمع الحركة بشكل كامل بعد مقتل 72 إيرانيا.
وفي الانتفاضة الحالية، قتل عناصر الأمن منذ أيلول/ستمبر 326 شخصا على الأقل، من بينهم 43 طفلا، حسب منظمات حقوق الإنسان. وتطالب السلطات الإيرانية بإعدام 21 محتجا فيما تصفها منظمة “أمنستي إنترناشونال” بـ”محاكم هزلية”. والهدف من هذه الأحكام هو منع المشاركة في الاحتجاجات.
وفي الوقت نفسه، أظهرت الاحتجاجات شجاعة غير مسبوقة ضد قوات الامن، من نساء خلعن الحجاب أو “روساري”، ونساء جلسن في تحد إلى جانب الرجال يتناولن الطعام. وقوبلت هذه الأفعال بعنف الدولة الذي لا حد له، والمترافق مع الاتهامات المعروفة عن اليد الأجنبية الخفية وراء هذه التظاهرات، من المتهمين المعروفين، الأمريكيين والإسرائيليين والبريطانيين والألمان. وبات الهتاف اليوم هو: “لا نريدها، لا نريدها.. لا نريد الجمهورية الإسلامية”.
ولو ذهبت الجمهورية الإسلامية أو تم استبدال ثورة عام 1979 بأخرى، فماذا سيحدث لأنصارها المصممين؟ فهناك واقع يجب على الداعين للتغيير السريع التعامل معه، وهو أن التيار المتشدد لديه قاعدة قوية. وعليهم الإجابة على حقيقة أن 18 مليون شخص من بينهم نساء، منحوا أصواتهم للرئيس الحالي إبراهيم رئيسي. ولن يغادر هؤلاء المسرح بهدوء أو بدون عنف.
وربما انحرفت إيران نحو الانهيار، وهو سيناريو رهيب في التغيير السياسي كما حدث مع العراق وليبيا. ومن أجل تجنب الكارثة في إيران، فعلينا أن نعيد تخيلها كما في وصف المنظّر السياسي، بيرنارد كريك: “الوسيلة السياسية للحكم”، حيث يقوم المجتمع بتشكيل تحالف أو ائتلاف مكرس للتوفيق بين الخلافات بطريقة سلمية. ولن يضم هذا التحالف فقط جيل الألفية، بل الثوريين السابقين، والإيرانيين الكبار الذين قاموا بجهود هادئة لتنظيم المعارضة على مستوى القاعدة، في المساجد والمدارس الدينية والمواقع الثقافية، وساعدوا على اندلاع الانتفاضة الحالية.
ومهما حدث بعد في إيران، فإنه يحتاج بدون شك لمشاركة الرجال والنساء الذين يشعرون بالسخط والخجل من العنف الذي مورس عليهم باسم الدين، وقاوموا حكومة تزعم أنها تتصرف نيابة عن الإسلام.
وتظل قصة مشاركة المؤسسة الدينية وأعضائها ودورها الذي لا يُستغنى عنه في إنتاج الخيار الديمقراطي، واحدةً من القصص التي لم يلتفت إليها أحد. وقام عدد من الباحثين من بينهم كاتبة المقال، ونرجس باجولي، بتوثيق الدور الذي لعبه الناشطون والمواطنون العاديون في مواجهة النظام وانتقاده منذ عام 2009، وكان معظم هؤلاء من المتدينين.
وقدّموا هذا الشهر صورة مهمة عن التغير في الجمهورية الإسلامية، فعادة ما يتم الاحتفال في 4 تشرين الثاني/نوفمبر، بيوم الطلبة، إحياء بذكرى سيطرة المناصرين لآية الله الخميني على السفارة الأمريكية عام 1979، وهو حدث مهم لإنشاء الجمهورية. أما اليوم، فقد انضم الكثير من الثوريين إلى الشباب الإيرانيين، خاصة النساء اللواتي يقدن الاحتجاجات ضد نظام يواصل ارتكاب أخطاء وشرور نظام الشاه الذي أطاح به قبل أربعة عقود.
القدس العربي