بايدن استخدم سلاح النفط وسيستخدمه مرة أخرى

بايدن استخدم سلاح النفط وسيستخدمه مرة أخرى

أعلنت وزارة الطاقة الأميركية نهاية الأسبوع الماضي أنها ستبدأ ملء المخزون النفطي الاستراتيجي من طريق شراء 3 ملايين برميل كخطوة أولى، إذ سيجري تسلّمها خلال فبراير (شباط) المقبل، وقد فسر بعضهم هذه الخطة بأنها داعمة لأسعار النفط، إلا أن الأسعار انخفضت بأكثر من اثنين في المئة في ذلك اليوم، وكما سنرى لاحقاً فإن أثر هذه العملية في أسواق النفط بسيط إن وجد.

تاريخياً أوضحت كل الدراسات أن أثر السحب من المخزون الاستراتيجي في أسعار النفط والبنزين والديزل محدود، ولا يتعدى بضع سنتات أميركية، غير أن هذه النتائج مبنية على كميات السحب تاريخياً والتي كانت صغيرة وبحدود 30 مليون برميل فقط في معظم الأحيان، كما أن طريقة الإعلان عن السحب لم تتم بالطريقة الصحيحة للتأثير في السوق.

وكان واضحاً منذ نحو 20 عاماً عندما كنت أبحث في هذا الموضوع أنه حتى يكون السحب من المخزون الاستراتيجي فعالاً فيجب أن تكون الكميات كبيرة، ويصاحبها خطاب من الرئيس يقول فيه جملاً معينة توحي بكبر الكمية من جهة، كما تؤكد رغبة الإدارة في الاستمرار بالسحب حتى تنخفض الأسعار.

إدارة بايدن نفذت كل المطلوب، إذ قررت خلال مارس (آذار) الماضي سحب 180 مليون برميل، وصاحب ذلك تصريح تلفزيوني من بايدن قال فيه أمرين مهمين، الإيحاء بكبر حجم الكمية، إذ أكد أنه سيسحب مليون برميل يومياً على مدى ستة أشهر، بدلاً من أن يقول 180 مليون برميل، والثاني تأكيده أنه سيسحب المزيد حتى تعود الأمور لمجاريها.

وتشير البيانات إلى نجاح إدارة بايدن في ذلك نجاحاً باهراً، إذ إن السحب بهذه الطريقة منع أسعار النفط من الارتفاع فوق 140 دولاراً للبرميل، ثم بدأ خفضها تدريجياً في ما بعد حتى وصلنا إلى أسعار اليوم التي تماثل الأسعار قبل الاجتياح الروسي لأوكرانيا، على رغم توقف الإغلاقات عالمياً وانتعاش الاقتصاد العالمي.

موضوع السحب من المخزون أزعج أوبك و”أوبك+” لأنهما تريدان إدارة السوق بطريقة تحقق أهدافاً معينة، ومنها استمرار أسعار النفط بالارتفاع فوق حد معين، ليس لتمويل موازنات هذه الدول فقط، وإنما أيضاً لتشجيع الاستثمار في الصناعة لتفادي أزمة نفطية مقبلة، والسحب من المخزون وخفض الأسعار ضرب هذين الهدفين، إلا أن الواقع يقول إن بايدن استخدم النفط كسلاح، ليس في وجه “أوبك” فقط وإنما في وجه بوتين، ونجح باستخدام هذا السلاح بشكل كبير، وساعده في ذلك إعلام ضخم هو الأكبر والأكثر حرفية في العالم.

وبنهاية هذا العام ستكون الإدارة قد باعت أكثر من 210 ملايين برميل بإيرادات تقدر بنحو 20 مليار دولار، والآن تفكر بإعادة ملء المخزون مع انخفاض الأسعار، فأعلنت شراء 3 ملايين برميل، وهذا يعني أن هناك قدرة مادية ضخمة للشراء.

لكن حقيقة الأمر، وهذا يعود بنا إلى ما قيل منذ 20 عاماً، أنه ليس هناك حاجة إلى الولايات المتحدة لملء المخزون كما كان إلى 620 مليون برميل تقريباً، وذلك بسبب ثورة النفط الصخري التي أضافت 8 ملايين برميل يومياً للإنتاج الأميركي، والمتوقع هو شراء كميات قد تصل إلى 90 مليون برميل، وغالباً ستكون من النفط المتوسط الحامض لأن النفط الصخري المنتج محلياً خفيف حلو، بينما كل واردات الولايات المتحدة النفطية من النوع المتوسط والثقيل الحامضين.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو هل سيؤدي ملء بايدن للمخزون الاستراتيجي إلى رفع أسعار النفط بالطريقة نفسها التي أدى فيها إلى خفض أسعار النفط؟

الجواب “لا” لأسباب عدة أهمها أن الكمية ستكون في أحسن الأحوال نصف الكمية التي سحبت، وستكون من نوعيات معينة من النفط وفي بيئة أسعار منخفضة، ومن ثم فإنها قد تؤدي إلى وقف هبوط الأسعار أو سيكون الهبوط أقل مما كان عليه في حال عدم ملء المخزون.

وملء المخزون يعني أن بايدن أو أي إدارة مستقبلية سيقوم باستخدامه لخفض الأسعار تماماً كما حصل عام 2022، ومن ثم فإنه ليس من مصلحة “أوبك+” أن تقوم الولايات المتحدة بملء المخزون الاستراتيجي، بخاصة أن “أوبك” تريد إدارة السوق كما ذكر سابقاً، وتستطيع “أوبك+” منع بايدن من ملء المخزون ببساطة من طريق تغيير الإنتاج، بحيث تبقى أسعار النفط في الأسواق الأميركية فوق 80 دولاراً للبرميل.

شراء 3 ملايين برميل لن يؤثر في السوق

ما أعلنت وزارة الطاقة الأميركية عن شرائه لن يؤثر في أسواق النفط لعدد من الأسباب، أهمها أن الكمية صغيرة ولا تتجاوز 100 ألف برميل يومياً، وهي لن تنفع منتجي النفط الصخري لأن المطلوب نفط حامض والنفط الصخري حلو، كما تشترط الحكومة أن يكون النفط منتجاً محلياً من قبل شركات أميركية وينقل عبر أنابيب أو سفن أميركية، وتشترط أن يتحمل البائع كل الكلف والرسوم والضرائب، ولهذا فإن هناك شكاً في أن الحكومة لن تشتري إلا جزءاً قليلاً، وأدنى حد هو 300 ألف برميل يومياً، وربما لن تشتري على الإطلاق.

وهناك ثلاثة أمور تجعل عملية الشراء لا أثر لها في أسواق النفط، فالأول أن الطلب العالمي ينخفض عادة خلال الربع الأول، ومعه تنخفض أسعار النفط، وربما هذا هو السبب الذي شجع الإدارة على الشراء في هذا الوقت، والثاني هو ارتفاع إنتاج خليج المكسيك الذي سيكون غالباً مصدر هذه الكميات بأكثر من 100 ألف برميل يومياً، والثالث هو أن إدارة بايدن ستقوم بسحب كميات من النفط الحامض من المحزون الاستراتيجي لتقدمها كقروض لشركات النفط التي تعاني نقصاً في الإمدادات بسبب توقف أنبوب “كي ستون”، إذ أعلنت أنها ستسحب 1.8 مليون برميل طلبتها شركتا “إكسون موبيل” و “كونوكو فيليبس”، وبناء على المعلومات الحالية فإن الأنبوب لن يعود إلى الضخ حالياً، وعندما يعود فسيكون الضخ قليلاً ويرتفع تدريجياً، ولذلك يتوقع سحب مزيد من المخزون الاستراتيجي.

وخلاصة الأمر أن إدارة بايدن استخدمت النفط سلاحاً عندما سحبت 180 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي، ونجحت في استخدامه وهي الآن تحاول ملء هذا السلاح بالذخيرة لاستخدامه مرة أخرى، إلا أن “أوبك” تستطيع منع حدوث ذلك إذا استطاعت رفع أسعار النفط عن مستوياتها الحالية، أما بالنسبة إلى الكمية التي تنوي إدارة بايدن شراءها فإنه لا أثر لها في السوق للأسباب التي ذكرت أعلاه.

اندبندت عربي