زيادات في أجور ومعاشات الملايين.. هل يستفيد منها الجزائريون؟

زيادات في أجور ومعاشات الملايين.. هل يستفيد منها الجزائريون؟

الجزائر- أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في آخر لقاء مع وسائل الإعلام المحلية بتاريخ 22 ديسمبر/كانون الأول 2022 أن الجزائر في المرحلة الرابعة من عملية رفع الأجور، وأن الزيادات ستتواصل من أجل ضمان العيش الكريم للمواطن الجزائري.

وتنفيذا للقرار كشف مؤخرا وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي يوسف شرفة أمام البرلمان أن الزيادات ستمس مليونين و800 ألف موظف عمومي، ومليونين و980 ألف متقاعد بالنسبة لرفع المعاشات.

كما أكد المسؤول الحكومي استفادة مليون و900 ألف شاب من الجنسين من القيمة الجديدة لمنحة البطالة المقدرة بـ15 ألف دينار (110 دولارات شهريا وفق سعر الصرف البنكي)، فيما توقع صندوق النقد الدولي في آخر تقرير له انخفاض البطالة بالجزائر إلى 9.8% سنة 2023.

وصرح وزير العمل لاحقا للإذاعة الجزائرية بأن الغلاف المالي لتغطية زيادات الرواتب يبلغ حوالي 900 مليار دينار (6.5 مليارات دولار)، وهو مبلغ إجمالي يشمل 3 سنوات وفق نظام المالية الجديد، إلى جانب 147 مليار دينار (1.05 مليار دولار) خصصت لرفع معاشات التقاعد.

من جهته، أعلن المدير العام للميزانية في وزارة المالية عبد العزيز فايد أنه تم رصد 350 مليار دينار (2.5 مليار دولار) في إطار مالية 2023 للتكفل بزيادة أجور العمال، والمبلغ نفسه مرصود للسنة المقبلة، لتغطية زيادة خامسة تعهد بها الرئيس تبون في 2024.

وأعلنت الحكومة عن دفع الرواتب الجديدة في مارس/آذار القادم بأثر رجعي يحتسب ابتداء من يناير/كانون الثاني الجاري.

عملية واسعة للإدماج المهني
وفي سياق متصل، عينت الحكومة في مناصب دائمة أكثر من 600 ألف موظف مؤقت ممن كانوا ضمن “جهاز الدعم الاجتماعي” بتكلفة إجمالية قدرها 100 مليار دينار (700 مليون دولار).

وبحسب قانون المالية، فإن كتلة الأجور المتوقعة العام الجاري ستصل إلى 4629 مليار دينار (34 مليار دولار)، وهو ما يمثل 47.36% من ميزانية التسيير، وتساهم في رفع عجز الخزينة إلى متوسط قيمته 6586 مليار دينار (48 مليار دولار) خلال الفترة 2023-2025 (23.7% من الناتج الداخلي الخام)، وفق تصريح وزير القطاع.

يشار إلى أن 7 ملايين عامل لدى القطاع الخاص (63% من إجمالي العمالة في البلاد) غير مشمولين بالزيادات الجديدة، إضافة إلى 1.4 مليون عامل لدى القطاع العام الصناعي والتجاري (أي خارج نظام الوظيفة العمومية وفق تشريعات العمل الجزائرية)، بحسب أرقام الديوان الوطني للإحصائيات في البلاد.

استراتيجية دعم القدرة الشرائية
وعن خلفيات القرار الرئاسي برفع الأجور والمعاشات ومنح البطالة في السياق الحالي فقد أدرجه الخبير الاقتصادي والمالي عمر هارون ضمن “الإستراتيجية المتبعة لدعم القدرة الشرائية للمواطن الجزائري”.

وأوضح هارون في تصريح للجزيرة نت أنها ترتكز على 3 محاور أساسية، وهي دعم السلع واسعة الاستهلاك ودعم الدينار الجزائري لتفادي التضخم المستورد، خاصة أن الجزائر لا تزال تستورد 30 مليار دولار من السلع والمواد الأولية سنويا، وثالثا دعم القدرة الشرائية للمواطن.

وأكد أن الزيادات ستبلغ في حدود 47% بين 2022 و2024 وفق خطة مدروسة هدفها العمل على مساعدة المواطن الجزائري في تجاوز تبعات “كوفيد-19” والأزمة الروسية الأوكرانية.

وأرجع المتحدث قرار الحكومة كذلك إلى استفادة الجزائر من فوائض مالية مهمة تراوحت بين 55 مليار دولار كعوائد محروقات، وارتفاع احتياطي النقد الأجنبي لما فوق 60 مليار دولار، ورفع الصادرات خارج المحروقات لما فوق 6 مليارات دولار، وهي مؤشرات دعمت ميزانية 2023 لتكون الأكبر في تاريخ الجزائر بحجم 98 مليار دولار.

ضمان الحد الأدنى للعيش
من جهته، قال مسعود بوديبة الناطق الرسمي للمجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار للتربية إن تدني القدرة الشرائية وغلاء الأسعار وعدم قدرة المواطن على تلبية الحاجيات المطلوبة واقع يستوجب إعادة النظر عاجلا في سياسة الأجور ورفعها إلى مستوى يسمح بالتقليل من الفارق الكبير بين الحد الأدنى للعيش والحد الأدنى للأجور الذي لا يتجاوز حاليا 20 ألف دينار (150 دولار شهريا).

وكشف بوديبة في تصريح للجزيرة أن منظمته العمالية وبالتنسيق مع كونفدرالية النقابات الجزائرية أجرت دراسة اقتصادية وفق معطيات السوق الجزائري أكدت أن الحد الأدنى للعيش لعائلة من 5 أفراد يجب ألا يقل عن 80 ألف دينار (600 دولار).

وأضاف أن متوسط الأجور اليوم في الوظيفة العمومية لا يتجاوز 40 ألف دينار جزائري (300 دولار)، مما يعني أن “الفارق كبير ويؤكد إزاحة الطبقة المتوسطة إلى دائرة الفقر”.

وطالب ممثل العمال بزيادات تقرب زملاءه للحد الأدنى للعيش، و”بناء سياسة الأجور على معايير علمية مدروسة تجعل الرواتب تتوافق والواقع المعيشي ومتطلبات الحياة لأجل توفير الاستقرار الاجتماعي”.

كما أبدى تخوف الموظفين من “تبخر الزيادات المقررة في مهب التضخم، وهو ما يستوجب على الحكومة كبحه بالآليات الإنتاجية”، على حد تعبيره.

تكهنات التضخم غير دقيقة
بدوره، يرى الخبير عمر هارون أن الحديث عن تأثير التضخم مستقبلا مجرد “تكهنات غير دقيقة ولا واقعية”، مبررا تحليله بكون الجزائر قسمت إستراتيجية دعم القدرة الشرائية على 3 محاور سبق ذكرها.

كما أن الدخول المالية المباشرة تم توزيعها أيضا على 3 سنوات، لتفادي حصول ضغوط تضخمية ناتجة عن ارتفاع الطلب، بل “تم الاعتماد على دعم الطلب بشكل تدريجي، وهي آلية تتوافق مع الإستراتيجية العامة للاقتصاد الوطني، والتي تعمل على تطوير الفروع الإنتاجية”، يضيف المتحدث.

وتتوقع الحكومة نسبة تضخم عند 5.1% في العام الجديد، مقابل 9.4% على أساس سنوي في يوليو/تموز 2022، وفق مؤشرات الديوان الوطني للإحصائيات، فيما تعهد الرئيس تبون باتخاذ عدة إجراءات في هذا الصدد من أجل “التحكم في التضخم وفي الأسعار مع رفع الإنتاج”.

من جانبه، يستبعد تماما رئيس الجمعية الوطنية للمستشارين الجبائيين بوبكر سلامي “ذهاب الزيادات الجديدة في مهب رياح التضخم والتهامها بلهيب الأسعار”.

انتعاش الخزينة العمومية
وقال سلامي في تصريح للجزيرة نت إن أهداف الزيادات ليست فقط اجتماعية، بل اقتصادية كذلك من “خلال تحريك عملية الاستهلاك وتفعيل الطلب على الإنتاج الذي ينتظر منه التحرك بقوة مع تطبيق قانون الاستثمار ابتداء من السنة الجارية، لخلق الثروة وموارد جبائية ومناصب شغل وعملة صعبة عن طريق التصدير خارج المحروقات”.

لكن ذلك لن يتحقق -يضيف سلامي- إلا بتكريس مناخ ملائم للاستثمار الحقيقي في بيئة نظيفة من ممارسات السوق الموازية والضبابية والممارسات البيروقراطية والفساد، وهو “ما تعمل عليه السلطات الجزائرية من خلال مراجعة النصوص القانونية لاستعادة ثقة المواطن والمستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء”.

وإذا كانت الإجراءات المتخذة في إطار تحسين المداخيل عامة قد كلفت الخزينة أموالا طائلة فإن عزاء الحكومة في الجزائر يكمن في نتائج الإصلاحات التي ستمس جل المجالات، مما سيؤدي إلى انتعاش الخزينة العمومية، يقول سلامي.

المصدر : الجزيرة