بوابة الجزائر” مجلة جديدة تنضم إلى الترسانة الإعلامية التي تخدم أجندة السلطة السياسية في الجزائر وتروج لإنجازاتها، ويشكك الكثير من الجزائريين في الفائدة المرجو منها، طالما أنها لا تقطع مع السائد.
الجزائر – انضافت مجلة شهرية جديدة تحمل عنوان “بوابة الجزائر”، وتهتم أساسا بالشأنين السياسي والاقتصادي، إلى المشهد الإعلامي في الجزائر، وسط تساؤلات حول الإضافة التي من الممكن أن تقدمها المجلة في ظل هيمنة الصوت الواحد، وما ولده ذلك من نفور لدى الشارع الجزائري عن متابعة وسائل الإعلام الحكومية والخاصة على السواء.
ويعاني الإعلام الجزائري في السنوات الأخيرة من سيطرة حكومية مطلقة، فلم يعد المتابع يميز بين العشرات من الصحف والمواقع والفضائيات التي باتت رهينة خط تحريري واحد، يروج لخطاب السلطة.
ويأتي الإعلان عن “بوابة الجزائر” قبل أشهر قليلة من انتخابات رئاسية يطمح فيها الرئيس عبدالمجيد تبون لولاية ثانية، مراهنا في ذلك على ماكينة إعلامية تم تجنيدها بالكامل خدمة لحملته الانتخابية.
وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، فإن العدد التجريبي للمجلة الشهرية تضمن قراءات وتحاليل ومواكبة لمختلف الأحداث الوطنية والإقليمية والدولية بعيون كتاب جزائريين وعرب تناولت الديناميكية والتحولات الاقتصادية غير المسبوقة التي تشهدها البلاد على جميع الأصعدة.
وتوقفت المجلة مطولا، عند ما قالت عنه وكالة الأنباء الرسمية، حضور جزائري دبلوماسي لافت في كبرى المحافل الدولية على مدار خمسة أعوام صنعت فيها الجزائر الفارق بمواقفها الثابتة و”اللافتة”، في معركة الاستقطاب التي تدور رحاها على أكثر من جبهة في عالم متعدد الأزمات ووضع إقليمي “ساخن”.
ومن أبرز الملفات التي تصدرت الصفحة الأولى للمجلة الجديدة، “دبلوماسية الأسياد في عهد عبدالمجيد تبون”، كما تناولت خمس سنوات من حكم رئيس الجمهورية تحت عنوان “تصحيح مسار وخارطة طريق مستقبل أمة”.
كما ركزت المجلة على “جاهزية” الجيش الجزائري لكل السيناريوهات تحت عنوان “الدفاع الإستراتيجي جاهزية لكل السيناريوهات”، خاصة في ظل التحولات الإقليمية، وذلك من خلال تفعيل عناصر الأمن القومي و تعزيز قوة الجيش.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن الإضافة الوحيدة التي قد يحققها المولود الإعلامي الجديد، هو استيعاب المزيد من الصحافيين العاطلين عن العمل، خلاف ذلك فلن تكون للمجلة أي إضافة للقارئ الجزائري، الذي أصابه الملل من استعراض إنجازات للسلطة لم يلمسها على أرض الواقع.
ومن بين ملفات العدد التجريبي للمولود الإعلامي الجديد “معركة الأمن الغذائي والمائي .. الجزائر في قلب المعادلة”، والذي تناول بإسهاب “الثورة التي تخوضها الجزائر الجديدة في هذا الميدان الذي جعلته أحد أولوياتها الرئيسية، باعتبارها أحد محاور التزامات رئيس الجمهورية”.
وفي الشق الاقتصادي، توقفت بوابة الجزائر عند ما حققه الاقتصاد الجزائري خلال السنوات الأخيرة، حيث يحتل حاليا المرتبة الثالثة أفريقيا، وفق ما أكده تصنيف صندوق النقد الدولي برسم عام 2024.
كما تناولت مستجدات قضية الصحراء المغربية تحت عنوان “القضية الصحراوية.. المنعرج”. وفي الشق الافريقي، تناولت المجلة موضوعا تحت عنوان “الوكالة الجزائرية للتنمية في أفريقيا.. القوة الناعمة للجزائر”.
وتصب جميع القراءات والتحليلات للمجلة الجديدة في سياق تضخيم إنجازات عهدة تبون، في سياق حملة دعائية تشارك فيها قبيل الانتخابات الرئاسية.
ويشير المتابعون إلى أن الإعلام الجزائري بشقيه الخاص والحكومي أصابته حالة من الخمول نتيجة الضربات التي تعرض إليها منذ وصول الرئيس تبون إلى قصر المرادية، ليكتفي بترديد ما يدغدغ مشاعر السلطة.
ويعيب إعلاميون فضلوا الابتعاد عن المهنة عدم محافظة المنظومة الإعلامية، خاصة في السنوات الأخيرة، على مسافة الأمان اللازمة بينها وبين السلطة لتبقي أقل ما يمكن من خاصية السلطة الرابعة المضادة للسلط الأخرى، وحملوا المسؤولية بشكل مباشر للسياسات الإعلامية المنتهجة، فبدل تشجعيها على التنوع والمهنية والنقد لكشف العيوب، جرى تدجينها بشكل غير مسبوق عبر سيف الإعلانات الحكومية، والملاحقات القضائية لكل من يحيد عن الخط المرسوم.
وقال صحافي جزائري فضل عدم الكشف عن هويته إن “الصحافيين في البلاد باتوا مثل موظفي الإدارات الحكومية، ملزمين باحترام وقت الخروج والدخول إلى مبنى الوسيلة الإعلامية، فلا مجال للمغامرة أو المجازفة بشيء يعصف برزق العائلات، والسقف لا يمكن أن يتعدى حدود ما تبثه وكالة الأنباء الرسمية، لأنها المصدر الوحيد الذي يطمئن له الجميع من مخاوف المساءلة والمتابعة”.
إنشاء منابر إعلامية تدور في نفس الحلقة وتعتمد على نفس النهج الذي لا يخدم في واقع الأمر السلطة السياسية
وخلال السنوات الأخيرة تعرض العديد من الصحافيين إلى الإيقاف والسجن في الجزائر، لأسباب غير معزولة عن ممارسة النشاط الإعلامي، وكان آخر الضحايا مدير موقع “الجزائر سكوب” عمر فرحات ورئيس تحريره سفيان غيروس اللذين تم إيداعهما الحبس الاحتياطي الشهر الماضي، فيما وضع صحافي ثالث تحت المراقبة القضائية.
وأوقف الصحافيان بعد أن بث الموقع تسجيلا يظهر امرأتين من جنوب البلاد، على رأس شركتين ناشئتين، تحتجان على “التهميش” خلال حفل مخصص للإبداع نظم في الجزائر العاصمة وترأسه وزير التكوين والتعليم المهنيين ياسين مرابي.
وبحسب اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين، فإن التهم الموجهة إلى الصحافيين هي “التحريض على خطاب الكراهية ونشر خطاب الكراهية”. ويرى إعلاميون جزائريون أن إنشاء منابر إعلامية جديدة تدور في نفس الحلقة وتعتمد على نفس النهج والمضمون لا يخدم في واقع الأمر السلطة السياسية، بل ويضرب مصداقيتها.
وتتباهى السلطة الجزائرية عندما تسأل عن الحريات الصحفية في البلاد بترسانة إعلامية قوامها نحو 200 صحيفة ورقية والعشرات من المواقع الإخبارية والتلفزيونات الفضائية، لكن صوتها لا يتعدى حدود الجدران التي تحرر فيها مادتها الإعلامية، ومعظمها يستهلك ملايين الدولارات، بينما مفعوله لا يقارن مع صفحات ناشطة في شبكات التواصل الاجتماعي.
وتلك الدعائم التي تلتهم سنويا ربع مليار دولار في شكل ريع يوزع وفق الولاءات والانتقائية، لا هي سوقت صورة وخطاب السلطة للشارع الجزائري، ولا هي حافظت على مهنيتها، فتحولت إلى عبء يثقل كاهل المجتمع، ويفتقدها لما يستدعي الأمر حضورها في الاستحقاقات الكبرى.
وفقا لأحدث تصنيف صادر عن منظمة مراسلون بلا حدود غير الحكومية، تراجعت الجزائر ثلاثة مراكز في العام 2024 في مقياس حرية الصحافة، لتحتل المرتبة 139 من أصل 180 دولة.
العرب