تشهد العلاقات الإيرانية _الأوربية فتورا واسعا وبدايات لتازم في العلاقات السياسية والاقتصادية وابتعاد عن التعامل الدبلوماسي مع القيادة الإيرانية بسبب التوجهات الإيرانية الأخيرة في طبيعة العلاقة بين طهران وموسكو وقيام النظام الإيراني بالتعاون مع الرئيس بوتين في مواجهته العسكرية مع أوكرانيا بوصول طائرات مسيرة وصواريخ موجهة ايرانية إلى ساحة القتال ، والأكثر تأثيرا هو التطورات الميدانية التي رافقت الانتفاضة الجماهيرية للشعوب الإيرانية في عموم المدن والقضية والقرى والساحات والميادين العامة والجامعات والمؤسسات الاقتصادية واخذت أبعاد كبيرة نتيجة الأساليب القمعية والتعسفية التي استخدمت من قبل الأجهزة الأمنية الاستخبارية الإيرانية في مواجهة المد الشعبي وعدم تمكنها من معالجتها بأدوات وطرق أكثر حضارة واحتراما لحقوق الإنسان مما أثار الرأي العام الأوربي ولم تتمكن المواقف الرسمية من تبرير عمليات القتل والترويع والاعدامات في صفوف الشباب المنتفضة وحملة الاعتقالات المستمرة والرفض التام من قبل النظام الإيراني في الاستماع إلى مطالب المتظاهرين والتعامل معها بشكل إيجابي بل استمر في عمليات المداهمة والمطاردة الأمنية التي أدت إلى اعتقال (19401) متظاهر ايراني منذ التاسع عشر من أيلول عام 2022 تاريخ بدأ الاحتجاجات إثر وفاة الشابة مهسا اميني بعد ثلاثة أيام من توقيفها من قبل شرطة الاخلاق بسبب عدم التزامها باللباس الشرعي في إيران، كما أدت هذه الأساليب إلى مقتل(542) متظاهر بينهم (71) طفلا حسب تقارير منظمة نشطاء حقوق الإنسان في إيران وجرح (5000) من المتظاهرين حسب تصريحات نائب قائد الحرس الثوري الإيراني مع اتساع نطاق التظاهرات في 164 مدينة و144 جامعة .
ادت هذه الأحداث إلى اتخاذ عدة مواقف من قبل البرلمان الأوربي في 17 كانون الثاني 2023 تمثلت بعقد الجلسة التشريعية الخاصة بمواقف النظام الإيراني ودور الحرس الثوري في الأحداث التي تمر بها ايران وصوت 598 من أصل 638 نائباً في البرلمان الأوروبي بالموافقة على مطالبة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بإدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب الأوروبي.
وهذه الدول ستجتمع في 27 من الشهر المقبل للنظر في العديد من سياسات الاتحاد الأوربي والنظرة المستقبلية لكيفية مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي إضافة إلى طبيعة العلاقات بين الدول وإيجاد الصيغ المناسبة لإعداد الدراسات والمقترحات لتلافي العديد من الأزمات التي خلفها النزاع الروسي _الأوكراني، ويدرك صناع السياسة الخارجية في أوروبا انه لم يعد باستطاعتهم التغاضي عن انتهاكات الأجهزة الأمنية الاستخبارية الإيرانية وقيادات الحرس الثوري ضد المواطنين الإيرانيين المحتجين في الداخل، ولا يمكن لهم التغاضي عن الموقف من علاقة النظام الإيراني بروسيا والتعاون العسكري بين الجانبين في موضوع أوكرانيا ، ولهذا تأتي توصية البرلمان الأوروبي للقادة الأوروبيين بضرورة الأخذ بعين الاعتبار موقف الرأي العام في أوربا من الأساليب المنافية لحقوق الإنسان التي يتبعها النظام الإيراني في الداخل.
وصرحت رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون ديرلاين انها (تؤيد إدراج الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية للرد على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وان رد فعل النظام فظيع ومروع ) في كلمتها أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري بتاريخ 17 كانون الثاني 2023 .
وتزامنت هذه المواقف مع تظاهر ( 12) ألف شخص من مختلف الدول الأوربية في مدينة ستراسبورغ يتقدمهم النائب الوسطي في البرلمان السويدي علي رضا اخوندي مطالبين الاتحاد الأوروبي بإدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية والاستماع إلى أصوات النساء والرجال الإيرانيين في أوروبا وان يبقى البرلمان الأوربي على الجانب الصحيح للتاريخ .
وكان الموقف الأكثر عمقا هو مطالبة أعضاء البرلمان الأوربي بوضع المرشد علي خامنئي والرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي مع نواب البرلمان الإيراني على قائمة العقوبات ، مما أثار حفيظة وغضب وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان الذي تحدث إلى جوزيف بوريل قائلا ( أن أيران تحذر من أن الاتحاد سيطلق النار على قدميه بإدراج الحرس الثوري منظمة إرهابية ) وهي رسالة واضحة حول إيقاف جميع الاستثمارات والتبادلات التجارية والاتفاقيات الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي ، وهي تعبير عن مدى الخشية من إنفاذ هذا القرار الذي يعني إيقاف دور الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني كونه يمتلك عشرات الشركات التجارية ويسيطر على التعاملات المالية والمصرفية في داخل أروقة النظام .
تنذر الآفاق السياسية المستقبلية لعلاقة إيران مع أوربا بالكثير من الأحداث بعد التدهور الذي حصل في المسار العام لطبيعة العلاقة بين الطرفين وبسبب السلوك الإيراني والسياسة الخارجية المتبعة من قبل أركان النظام في علاقتهم مع روسيا والتطور الحاصل في الأبعاد التي حصلت بعد استلام إيران لاسلحة ومعدات وأنظمة دفاع جوي متطور من روسيا وإمكانية التأثير على طبيعة الحوار بخصوص البرنامج النووي والدور الإقليمي والتمدد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية