الجزائر- يستعد البرلمان الجزائري للمصادقة على مشروع القانون النقدي والمصرفي الثلاثاء المقبل، والذي يعول عليه في تشجيع الاستثمار الأجنبي وتسهيل حركة تحويل رؤوس الأموال.
ويندرج مشروع القانون ضمن الالتزامات الـ54 للرئيس عبد المجيد تبون في ما يتعلق بالإصلاحات الكبرى للحوكمة المالية في الجزائر.
وقد تزامنت مناقشة مشروع القانون مع إصدار الرئيس تبون أوامر للحكومة بداية الأسبوع بتسريع فتح رأس مال البنوك العمومية وفتح فروع لها خارج البلاد.
وتأتي هذه الخطوة بعد أن أفرجت الجزائر عن قانون جديد للاستثمار، ينتظر أن يحدث قطيعة مع عراقيل الاستثمار الأجنبي.
وقال وزير المالية لعزيز فايد لدى عرض مشروع القانون النقدي والمصرفي على البرلمان إنه “سيسمح بالسير قدما نحو عصرنة النظام المصرفي لمواكبة التطورات الراهنة والمستقبلية، لاسيما في شقها التكنولوجي، قصد توفير المناخ الملائم للمتعاملين الاقتصاديين لاستخدام كل الأدوات المصرفية الحديثة”.
واعتبر فايد أنه”رغم كل ما عرفه النظام المصرفي الجزائري من إصلاحات، فإنه لايزال يواجه تحديات كبيرة ويعاني من سلبيات تفرض مواصلة الإصلاحات لجعله يتماشى مع التحولات والتغيرات التي تعرفها البيئة المصرفية المحلية والدولية”.
وتصب هذه الإصلاحات المالية ضمن مساعي الجزائر للتخلص من التبعية المفرطة للغاز والنفط، حيث تنشد تنويع اقتصادها من خلال خطة إنعاش أعلن عنها الرئيس تبون في 2020.
وتضمنت الخطة ثلاثة محاور كبرى -يتصدرها الإصلاح المالي- و20 بندا لإصلاح وإنعاش الاقتصاد، الذي يعتمد في ميزانيته على 93% من مداخيل النفط، والذي تضرر من تبعات فيروس كورونا وهبوط أسعار النفط.
ولأول مرة منذ صدوره في 14 أبريل/نيسان 1990، يخضع قانون النقد والقرض إلى تعديل شامل، بينما عرف عدة تعديلات محدودة بأوامر رئاسية، في سنوات 2001 و2003 و2010 وآخرها في 2017، لإقرار إجراءات لتغطية العجز في الموازنة وإنعاش الاقتصاد المتأثر وقتها بتراجع إيرادات المحروقات.
تفشي البيروقراطية
شكلت الإجراءات البيروقر اطية المتفشية في المعاملات البنكية إحدى عوامل عزوف المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في السوق الجزائرية طيلة السنوات الماضية.
ووجه البنك الدولي انتقادات للجزائر فيما يخص ممارسة أنشطة الأعمال، ولاحظ تأخر وثقل الإجراءات البنكية، وسيطرة البيروقراطية عليها، وصعوبات تحويل الأرباح للخارج للشركات الأجنبية.
ويرى الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي أن البنوك العمومية التي تمثل 85% من حجم السوق المصرفية في الجزائر ورثت تنظيما إداريا أكثر منه تجاريا.
واعتبر كاوبي في تصريح للجزيرة نت أن المنظومة المصرفية “منغلقة على نفسها وبيروقراطية وبعيدة عن كل القواعد الحديثة في التنافس”.
وأشار إلى أن القطاع المصرفي بقي رهين علاقته بالقطاع العمومي الذي لا يخضع في غالب الأحيان للقواعد التجارية والاقتصادية، بل لمتطلبات الحفاظ على السلم الاجتماعي.
من جانبه اعتبر الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي في تصريح للجزيرة نت أن المعاملات البنكية لم تتطور ولا تتماشى مع التسيير العصري للبنوك، وهي تعيق الاستثمار المحلي والأجنبي.
تدفق الاستثمارات
تراجع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الجزائر في النصف الأول من عام 2021، حسب ما أشار إليه بنك الجزائر في تقريره الاقتصادي عن “الاتجاهات النقدية والمالية” في النصف الأوّل من عام 2021، إذ بلغ 403 ملايين دولار، مقابل 504 ملايين دولار في الفترة نفسها من العام السابق.
ونهاية العام الماضي، كشف رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في الجزائر “لا يتعدى 1.3 مليار دولار في العام”، أغلبها في قطاع النفط.
وأشار سلامي في تصريحه للجزيرة نت إلى أن الإجراءات المتضمنة في القانون النقدي والمصرفي من شأنها أن تقضي على السلبيات التي كانت تعيق الاستثمار وتساهم في تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات إلى الجزائر.
في المقابل اعتبر كاوبي أن القانون جاء بعدة حلول، لكنها تصب في خانة الإشراف ومراقبة النظام المصرفي وتنويع المنتجات البنكية واعتماد وسائل دفع إلكترونية حديثة، إلى جانب اعتماد الصيرفة الإسلامية
والدينار الإلكتروني، لكن مشاكل القطاع المصرفي برأيه “أعمق بكثير وفي مقدمتها فتح رأس مال البنوك والانعتاق من الإملاءات السياسية”.
وقلل كاوبي من أهمية الإجراءات والحلول التي جاء بها القانون، معتبرا أنها تبقى “غير قادرة على معالجة مشكل النظام المصرفي بسبب علاقة المجال الاقتصادي بالنظام السياسي”.
فتح رأس مال البنوك
وقد أمر الرئيس الجزائري في بداية الأسبوع -خلال اجتماع مجلس الوزراء- بتسريع فتح رأس مال البنوك العمومية “بطريقة علمية ومدروسة بدقة” تحفز على تغيير نمط التسيير القديم المرتكز حاليا على الإدارة بدل النجاعة الاقتصادية.
وسيٌفصّل في الصيغة النهائية لعملية الفتح التي ستتراوح بين 20% و40% من رأسمال البنك. وتشير بعض المصادر إلى أن البنكين المعنيين بفتح رأس المال لحد الساعة هما القرض الشعبي الجزائري، الذي يفترض أنه استكمل التحضير للعملية منذ أشهر وبنك التنمية المحلية، حيث تمرّ عملية فتح رأس المال عبر عدة مراحل.
وكشف رئيس الوزراء الجزائري أيمن عبد الرحمن بداية العام الجاري أن الكتلة النقدية لبنك الجزائر وصلت إلى 22 ألف مليار و204 ملايير دينار (1 دولار يساوي 134.72 دينار جزائري).
ويعتقد أبو بكر سلامي أن هذه الخطوة ستسهم في استفادة البنوك الجزائرية من التسيير العصري والتكنولوجي للمعاملات البنكية، بعد أن كانت تسير بقرارات إدارية بعيدة عن المنطق الاقتصادي والتجاري.
وتوقع سلامي أن يسهم فتح رأس مال البنوك العمومية في تدفق رؤوس أموال كبيرة تحتاجها البنوك والبيئة الاستثمارية في الجزائر.
المصدر : الجزيرة