غضب في الجزائر بسبب تقرير للبرلمان الأوروبي يدعو السلطات الجزائرية إلى إطلاق سراح صحافيين مسجونين. وتسعى الجزائر للضغط عبر ورقة الشراكة مع أوروبا وبزيارة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى باريس، لكن هل سيقبل البرلمان الأوروبي تعديل موقفه؟
الجزائر – توسعت ردود الفعل الجزائرية حول توصية البرلمان الأوروبي الداعية إلى إطلاق سراح صحافيين مسجونين ورفع القمع عن الحريات الإعلامية في البلاد إلى فعاليات أهلية وبرلمانية، حيث أعرب مرصد المجتمع المدني ونواب البرلمان عن رفضهم لمحتوى التوصية، واستغربوا ما وصفوه بالمكاييل المتعددة التي يتعامل بها البرلمان الأوروبي مع القضايا الإقليمية والدولية، وهو ما يفتح أزمة بين الطرفين لا يستبعد أن تلقي بظلالها على زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى باريس قريبا.
واعتبرت جبهة التحرير الوطني أن ما تضمنته لائحة البرلمان الأوروبي “تضليل ومغالطات بعيدة كل البعد عن حقيقة المسار السياسي في الجزائر وما يشهده مجال الحريات والنشاط الجمعوي والنقابي والمشهد الإعلامي والحقوقي من انفتاح وحرية واحترام لحقوق الإنسان”.
وذكر بيان للحزب المعروف بولائه للسلطة أن مضمون اللائحة “وقاحة وتدخل سافر في الشؤون الداخلية للجزائر من طرف جهة أجنبية نصبت نفسها وصية على دولة حرة مستقلة وسيدة، ترفض كل إملاءات خارجية من أي طرف مهما كان، وأن الشعب الجزائري الذي دفع الملايين من الشهداء ضد من انتهكوا حريته وكرامته وحقه في الحياة، له وحده الحق في الحكم على سياسات بلده والإقرار بشأن حاضره ومستقبله، وهو يرفض بالمطلق أن يمنح البرلمان الأوروبي أو غيره حرية الحكم على ما يجري في الجزائر من خلال لائحة استفزازية انتقائية وغير موضوعية”.
وكان البرلمان الأوروبي قد صادق بالإجماع على لائحة يدعو فيها السلطات الجزائرية إلى إطلاق سراح الصحافيين المسجونين إحسان القاضي ومصطفى بن جامع، ووقف المضايقات ضد الصحافيين المتابعين قضائيا ورفع الحذر على الإنترنت والسماح للصحافيين الأجانب بزيارة الجزائر.
البرلمان الأوروبي صادق بالإجماع على لائحة يدعو فيها السلطات الجزائرية إلى إطلاق سراح الصحافيين المسجونين
وحثت التوصية الأوروبية السلطات الجزائرية على “الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين تعسفيا والمتهمين بممارسة حقهم في حرية التعبير، بمن فيهم الصحافي إحسان القاضي المنتظر إحالة ملفه على محكمة الاستئناف خلال الشهر الجاري بعدما حكم عليه ابتدائيا بخمس سنوات منها ثلاث سنوات سجنا نافذة وغرامات مالية ثقيلة، فيما يتواجد الصحافي مصطفى بن جامع في حالة توقيف في انتظار محاكمته”.
وعبرت اللائحة عن قلقها مما وصفته بـ”تدهور لوضع حرية الصحافة بشكل كبير في الجزائر، مع تزايد حجب السلطات للمواقع الإخبارية والمنشورات التي تنتقد الحكومة منذ اندلاع مسيرات الحراك في عام 2019”.
وحض البرلمان الأوروبي جميع مؤسسات الاتحاد والدول الأعضاء على الإدانة العلنية لقمع حرية الصحافة في الجزائر، بينما دعا وفد الاتحاد الأوروبي وسفارات دول الاتحاد إلى المطالبة بالسماح للقاء الصحافيين المسجونين وحضور المحاكمات.
واتهمت جبهة التحرير اللائحة بالتغاضي المتعمّد، وبالأهداف المغرضة المسيئة والتشويهية لما تشهده الجزائر من “حرص أكيد على إقامة مجتمع الحريات سواء تعلق الأمر بالنشاط السياسي والجمعوي والنقابي أو بحرية التعبير والصحافة”.
وفي نفس السياق ذهبت جبهة المستقبل الممثلة في مجالس محلية ووطنية، حيث اعتبرت اللائحة “تدخلا في الشأن الداخلي لدولة مستقلة كاملة السيادة، وأنه كان حريّا بهذا البرلمان أن يبدأ بمشاكل دوله الأعضاء أو الدول والشعوب التي لا زالت تحت وطأة الاستعمار كالشعبين الشقيقين الفلسطيني والصحراوي”.
وأضافت “ما جاء في مضمون اللائحة لا حدث، وحلقة أخرى في سلسلة المؤامرات التي تحاك ضد الجزائر التي تخطو كل يوم خطوات جبارة في شتى المجالات والميادين”.
التوصية الأوروبية حثت السلطات الجزائرية على الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين تعسفيا والمتهمين بممارسة حقهم في حرية التعبير، بمن فيهم الصحافي إحسان القاضي
وتأتي هذه الأزمة المفاجئة قبل الزيارة المنتظرة للرئيس الجزائري إلى فرنسا منتصف الشهر القادم، ولا يستبعد أن تلقي بظلالها على لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خاصة في ظل الجدل القائم حول طبيعة ومستقبل العلاقات بين البلدين، ورهان الجزائر على باريس لتكون منفذها إلى الاتحاد الأوروبي.
واستنكر المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين، والاتحاد الوطني للصحافيين والإعلاميين الجزائريين بشدة لائحة البرلمان الأوروبي ووصفاها بـ”المسيّسة”، وأنها “تدخل في الشؤون الجزائرية كما حاول من قبل التدخل في شؤون العديد من الدول النامية بهدف تحقيق الهيمنة والتأثير على الرأي العالم الدولي”.
من جانبه ندد المرصد الوطني للمجتمع المدني هو الآخر بشدة بـ”التدخل السافر للبرلمان الأوروبي في الشؤون الداخلية للجزائر”، مؤكدا “رفضه المطلق لكل ما جاء في لائحته التي حملت ادعاءات مغلوطة، مغلفة بالحرص على حقوق الإنسان وحرية التعبير بينما هي سقطة أخرى تنم عن إرادة للنيل من صورة الجزائر التي انخرطت في ديناميكية إصلاحية أساسها تعزيز قيم المواطنة وتكريس مبادئ الحكامة وترقية حقوق الإنسان”.
أما المجلس الأعلى للشباب فقد أكد بدوره على أن مضمون اللائحة هو “معلومات وقراءات مغلوطة “، تمثل “تدخلا صارخا في الشؤون الداخلية للجزائر”، التي تمكنت من “بناء تجربة ديمقراطية ظلت عصية على الانسياق وراء الأجندات المتعفنة”.
وأضاف “تحامل البرلمان الأوروبي على الجزائر لن يزيدها إلا تمسكا بنهج التغيير الذي قطعت فيه أشواطا كبيرة لا ينكرها إلا جاهل أعمته مصالحه الضيقة، وأجندات شبكات الفساد التي تحكمت في كل مفاصله عن ملاحظة القفزة النوعية التي تحققها الجزائر في مجال تعزيز الحريات وحقوق الإنسان”.
والهيئتان هما من إفرازات المرحلة السياسية الجديدة في البلاد، حيث تم استحداثهما من طرف الرئيس تبون في إطار سياسة الشراكة القائمة بين السلطة والمجتمع، ورغم ما يحيط بهما من لبس حول الاستحواذ على السلطة، فإن الأخيرة تعتبرهما منصتين لتمثيل الشباب والمجتمع بعيدا عن بيروقراطية الأحزاب السياسية التقليدية.
كما تبقى النقابتان الإعلاميتان بعيدتين عن تمثيل المشهد الإعلامي في البلاد، بدليل دعوة الرئيس تبون نفسه الناشرين والصحافيين إلى تشكيل تنظيم نقابي قوي وتمثيلي للدفاع عن انشغالات واهتمامات القطاع، وذلك في آخر لقاء دوري له مع وسائل إعلام محلية.
العرب