نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا لأصلي أيدنطاشباش تحدثت فيه عن الطريقة التي أقنعت فيها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للموافقة على دعم عضوية السويد في الناتو، وقالت إن العملية اقتضت مقايضة. فعادة ما تبدأ قمم حلف الناتو بدراما وتنتهي بصورة لعائلة سعيدة.
لكن الدراما في قمة ليتوانيا انتهت قبل أن تبدأ. ففي الأيام التي سبقت قمة فيلينوس، كانت كل العيون مركزة حول عضوية أوكرانيا في الحلف، ولكن عضوية السويد كانت معلقة في الهواء، بسبب رفض الرئيس أردوغان. وكان الرئيس التركي يعرف أن فيلينوس هي اللحظة التي يستطيع من خلالها الحصول على أكبر قدر من التنازلات الغربية.
ولكن الاختراق المتعلق بعضوية السويد جاء أبكر من توقعات الجميع. فقد تمسك أردوغان بمقايضة كبيرة، في وقت عمل فريق الرئيس بايدن على دفع أردوغان لقول “نعم” ويجب شكرهم على جهودهم. وتقول الكاتبة إن المنافسة الجيوسياسية القوية ضد الصين وروسيا لا تعطي الولايات المتحدة الرفاهية للتمسك بالبعد الاجتماعي عن أردوغان، رغم سجله الرهيب تجاه الديمقراطية.
فعلى مدى الأيام الماضية، همّش أردوغان لغة الناتو حول التضامن، وأجبر الغرب على معالجة مطالبه. فقد التقى بالرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي وأعرب عن دعمه لعضوية أوكرانيا في الناتو، ليقول إن السويد ليست جاهزة بعد للعضوية، وإن عليها عمل المزيد لمواجهة الإرهاب، في إشارة لدعم السويد أنصارَ حزب العمال الكردستاني على أراضيها. ثم حثّ التحالف على تقديم “رسالة قوية وواضحة” حول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، رغم أن العضوية تظل مجرد حلم بعيد المنال.
وبعيدا عن كل هذه الضجة المعلنة، كان لدى أردوغان هدف واضح ومعلن: كان يريد من الولايات المتحدة بيعه طائرات أف-16، فقد ارتكبت تركيا خطأ كارثيا عام 2017 عندما وافقت على شراء نظام أس-400 من روسيا، ليتم فرض العقوبات عليها. واليوم تحتاج تركيا لتحديث أسطولها من الطائرات وإضافة 80 طائرة جديدة له. وكانت إدارة بايدن داعمة للصفقة، لكن الكونغرس منعها، بسبب اتهام تركيا بأنها حليف غير مخلص، ولأنها تهدد جيرانها خاصة اليونان، ونظرا لتراجع مستوى الديمقراطية فيها.
وبحسب المصادر التي استندت عليها الكاتبة، فقد استطاع البيت الأبيض إقناع أعضاء الكونغرس خاصة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بوب ميننديز، بالمضي في الصفقة والحفاظ على تركيا داخل خيمة الناتو. وكان أردوغان واضحا يوم الأحد في شكره للرئيس بايدن على جهوده لتأمين صفقة الطائرات.
وفي يوم الإثنين، وبعد إعلان الأمين العام للناتو يانس ستولتنبيرغ عن أن تركيا ستوافق على دعم عضوية السويد في الحلف، جاء بيان الرئيس بايدن: “أنا مستعد للعمل مع الرئيس أردوغان وتركيا لتعزيز الدفاع والردع في منطقة الأورو- أطلنطي”. وربما لن تصل طائرات أف-16 مباشرة، لكن تركيا تلقت تأكيدات بأنها ستتسلمها لاحقا.
وربما حصل أردوغان على تنازلات من أوروبا أيضا، فكجزء من الصفقة، حيث وافقت السويد على دعم توسيع التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. ومع دخول الولايات المتحدة على الخط من خلف الستارة، كانت دول أوروبا مستعدة للتفاوض. لكن اللحظة المهمة جاءت هذا الأسبوع، وأظهرت أن أردوغان يمكن أن يكون شريكا مهما لأوروبا، وإظهاره التضامن مع أوكرانيا، فقد وقّع اتفاقا دفاعيا لإعادة الإعمار مع زيلينسكي، وسمح له بأخذ عدد من القادة الأوكرانيين الذي احتُجزوا في إسطنبول كجزء من صفقة تبادل سجناء مع روسيا.
وقد أغضب هذا التحرك الكرملين. ويعرف أردوغان أن توازنه الجيوسياسي اللامتناهي نفّر أوروبا منه، مع أنها أكبر سوق تصدير لمنتجات بلاده، كما أن مداعباته مع الرئيس فلاديمير بوتين لم تفهم الوحدة الأوروبية ودعمها لأوكرانيا وشعور القارة بالتهديد من العدوان الروسي.
ويظل أردوغان، في نهاية المطاف، براغماتيا. فروسيا غير مستقرة على أعتاب بيته، واقتصاده غير جيد، ويعرف أنه بحاجة لعلاقات جيدة مع الغرب.
وسيتم الاحتفاء بأردوغان في فيلينوس كرجل دولة، ويمكنه استخدام هذه اللحظة لمحاولة عقد اتفاقيات مع دول الناتو. لكن نافذة الفرصة لن تظل مفتوحة للأبد، فهو بحاجة للعمل مع الاتحاد الأوروبي في القضايا المحلية، وهو ما يقتضيه ملف العضوية، فاللبرلة للمواطنين الأتراك تعني تغيرات جوهرية في قانون مكافحة الإرهاب.
وعلى الأوروبيين أن يتسموا بالحكمة ومعرفة ما يريد أردوغان مقايضته. وربما فتح ملف عضوية السويد الباب أمام إمكانية اصطفاف تركيا مع أوكرانيا ومحاولة دفع روسيا في سوريا والبحر الأسود. وهذه ليست أمورا صغيرة، وعلى إدارة بايدن الشعور بالفخر لما حققته.
القدس العربي