أعلن مؤخرا عن تزويد أمريكا أوكرانيا بالقنابل العنقودية، وهذا تصعيد خطير للحرب في أوكرانيا؛ سوف تترتب عليه تداعيات خطيرة ومؤثرة على السكان المدنيين، سواء في لحظة الاستخدام، أو في الزمن اللاحق، وبالذات حين لا تنفجر تلك القنابل، أو قسم منها، كما يقول الخبراء العسكريون؛ بأن نسبة من 40 ٪ ـ 50٪ لا تنفجر.
أمريكا وروسيا والصين، لم توقع هذه الدول العظمى، إضافة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي على معاهدة حظر استخدام تلك القنابل. الولايات المتحدة التي تدعو باستمرار بمناسبة او من دونها، وتعمل على نزع أسلحة الدمار الشامل، وتطالب بالامتناع عن استخدام الأسلحة التي تضر، أو تلحق ضررا وأذى بالمدنيين؛ تقوم بتزويد أوكرانيا بتلك الأسلحة، ما ينسف جميع دعواتها إلى ضرورة سلامة السكان المدنيين في الحروب، من الأساس، ويظهر بوضوح مدى وحجم نفاقها.
روسيا ستستخدم القنابل ذاتها، ولا أحد في العالم سيدينها، إذ، يصبح من حقها استخدام تلك القنابل، اقتبس نصا نشره أحد المواقع؛ عن المعاهدة الدولية في حظر استخدام وصناعة القنابل العنقودية: «دخلت اتفاقية حظر القنابل العنقودية المعروفة بـ«اتفاقية أوسلو» حيز النفاذ في الأول من آب/أغسطس 2010. ويبلغ عدد الدول والأطراف فيها حتى اليوم نحو 107 دول. اعتمدت الاتفاقية في دبلن في 30 أيار/مايو 2008، ووافقت عليها في بادئ الأمر 46 دولة بينها أفغانستان، ووُقّعت في أوسلو في 3 و4 كانون الأول/ديسمبر 2008. كذلك وقّعت 22 دولة من الدول الأعضاء الـ29 في حلف شمال الأطلسي «الناتو» الاتفاقية، بينها المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، التي تملك كلّ منها مخزونات تقدّر بـ50 مليون قنبلة انشطارية. ويقدّر التحالف ضد الأسلحة الانشطارية المخزون العالمي بأكثر من مليار قنبلة، لكن قوى عسكرية عظمى، مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، إضافةً إلى الاحتلال الإسرائيلي، تملك القسم الأكبر منها، رفضت حتى اليوم التوقيع على الاتفاقية.
القوى الدولية الكبرى بما فيها روسيا والصين عندما يتعلق الأمر بمصالحها وخططها؛ لا يقف أمامها أي مانع أخلاقي، أو إنساني في استخدام جميع الممنوعات والمحرمات
ووفقاً للمادة الثانية من هذه الاتفاقية، فإنه يُراد بتعبير «الذخيرة العنقودية» الذخيرة التقليدية التي تُصمّم لتنثر أو تطلق ذخائر صغيرة متفجرة يقل وزن كل واحدة منها عن 20 كيلوغراماً، وهي تشمل تلك الذخائر الصغيرة المتفجرة. هذه المعاهدة أثارت أمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمنظمات غير الحكومية، التي تقوم بحملة ضد استخدام هذه الأسلحة الفتّاكة، بأن يرغم تطبيقها القوى العسكرية الكبرى على التخلي عن استخدامها.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة السابق حينها بان كي مون «أنّ هذه الاتفاقية تشكّل «تقدّماً مهماً» لتخليص العالم من هذه الأسلحة «القذرة». استخدمت هذه الأسلحة خصوصاً خلال حرب فيتنام والبلقان، وكذلك في جنوب لبنان في 2006، وما زالت تتسبّب بسقوط ضحايا مدنيين». واستخدمها الأمريكيون في العراق في عامي 1991 و2003. إن القوى الدولية الكبرى بما فيها روسيا والصين عندما يتعلق الأمر بمصالحها وخططها؛ لا يقف أمامها أي مانع أخلاقي، أو إنساني في استخدام جميع الممنوعات والمحرمات، سواء من الأسلحة أو من غيرها، بما يسبب أضرارا بالغة بالبشر، المهم هو انتصارها بأي ثمن كان ومهما كان حجم الدمار الذي تحدثه في البُنى التحتية وفي البشر وفي كل شيء؛ المهم هو الوصول إلى أهدافها والتغلب على الخصم. أما الحديث عن حقوق الإنسان وحقه في الحياة الآمنة والكريمة فلا تقع تلك الحقوق في صراعات القوى العظمى، إلا في ذيل اهتماماتها.
إن الحرب التي تدور رحاها الآن، ومنذ أكثر من 500 يوم على الأرض الأوكرانية؛ بين روسيا وأمريكا، وبدماء الشعب الأوكراني؛ مرشحة لاحتمال توسعها جغرافيا وبالأسلحة النوعية وبكمياتها وبأنواعها المختلفة المدمرة للضرع والزرع والإنسان، وكثافة استخدامها ومنها حتى الآن؛ هي القنابل الانشطارية، التي أسلفت القول فيها وفي ضررها على الإنسان حاضرا ومستقبلا. إن الدفع الأمريكي باستخدام هذه القنابل الانشطارية؛ يؤكد فشل الهجوم الأوكراني المضاد حتى الآن، الذي ربما يقود لاحقا إلى فشل آخر وآخر بما يؤدي في نهاية المطاف الى ان تحقق روسيا أهدافها من هذه الحرب. إن هذا يعني وفي صدارة ما يعني؛ أن العالم سوف يتغير لصالح عالم آخر جديد، في الطريق إلى التكون والظهور؛ بما ينتج عنه حتما؛ أن تنتهي سيطرة أمريكا والغرب على القرار الدولي حتى الآن بطريقة او بأخرى غيرها، لكنها تصل إلى النتيجة ذاتها. هذا لا يعني وفي جميع الأحوال تزكية للغزو الروسي لأوكرانيا، بل إن العكس هو الصحيح تماما، إنما العالم الجديد المرتقب ينتج عنه؛ عدالة الضرورة الحاكمة، لسلوك الدول العظمى والكبرى من دون استثناء.. بدوافع المحافظة على المصالح، وجذب الشراكات في جميع الحقول في تسابق تنافسي؛ لإيجاد مساحات للنفوذ (ليس التبعية..) والشراكات المربحة..
الشرق الاوسط