قبل قرن من الزمان، لم تتمكن الإمبراطورية العثمانية الكبيرة من مواجهة الأيديولوجيات الغربية والحركات القومية الصاعدة، فانتهى بها الأمر إلى الانهيار. وبعد الحرب العالمية والدمار الهائل والخسائر الفادحة، تحاول تركيا ومنطقتنا التعافي من جديد بعد مرور قرن، ولكن هناك جهات تحيك مرة أخرى مؤامرات كبيرة لمنع تلاحم الشعوب. هناك من يستخدم الأخبار المضللة لكي يؤثر في أفكار الناس، ويزرع بذور الكراهية والحقد بينهم. يجب على شعوبنا اليوم أن تكون متيقظة ضد هذه المؤامرات والألاعيب.
في هذا الصدد، قال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون: «مثلما هو الحال في جميع أنحاء العالم، تستهدف حملات التضليل التي تجري في إطار الحرب النفسية، ممارسة ضغوط على ثقافة الديمقراطية والحوار الديمقراطي السائد في تركيا. الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة تشكل تهديدا صريحا للديمقراطية وحقوق الإنسان. الهدف الرئيسي لحملات التضليل هو خلق الاضطراب السياسي والفوضى الاجتماعية، وأحد أكثر الاستراتيجيات استخداما في هذه المرحلة هو تأجيج التطرف».
يجب علينا اليوم أن نتخذ إجراءات وتدابير ضد محاولات زرع بذور الكراهية والبغضاء من جديد، وحتى لا نقع في فخ المؤامرات.
تحتضن تركيا اليوم نحو 10 ملايين لاجئ، معظمهم عرب، والهجمات المتزايدة ضد الأجانب لا يمكن قبولها بالطبع، ونحن ندين بشدة جميع التصرفات الفردية الموجهة ضد الأجانب، سواء كان الأمر يتعلق بالأفارقة أو العرب أو الآسيويين. الحكومة التركية شمرت عن سواعدها لاتخاذ إجراءات صارمة ضد العنف الممارس بحق الأجانب. ويجب في هذه الفترة التي تشهد زيادة كبيرة في انتشار الأخبار المضللة، مراعاة تمييز الحوادث الفردية والأخبار الكاذبة والأعمال العنصرية عن بعضها، والعمل على إيجاد الحلول وفقا لذلك، يجب أيضا أن نكون حذرين جدا في مواجهة الأخبار الكاذبة، دون تجاهل احتمالية وقوع حوادث فردية في تركيا التي تحتضن ملايين اللاجئين. بعد مرور قرن على انهيار الدولة العثمانية، استعادت تركيا عافيتها ووجدت هويتها الأساسية مجددا، ولكن يجب أن يتم التنبه إلى الكيانات السياسية والمنظمات المدنية التي لا ترغب في تأسيس التعاون والوحدة بين أبناء هذه المنطقة، من الضروري أن نكون حذرين جدا تجاه هذه الكيانات، فقبل قرن من الزمان، لم تكن الحركات القومية التركية والعربية تمثل سوى 10%. ومع ذلك، تم تقسيم الإمبراطورية العثمانية وظهرت على إثر ذلك العديد من الدول العربية في العالم العربي من خلال الأخبار الزائفة التي تداولتها الصحف والإذاعات في تلك الحقبة. كان من المفترض أن تدافع حركات القومية عن وحدة العالم العربي، لكن على العكس من ذلك تم إنشاء عشرات الدول العربية وكأنها من جنسيات مختلفة. في كتابه «الترك والعرب»، خاطب المفكر التركي خليل خالد، قبل قرن، الشعبين العربي والتركي، وحذرهما من بذور الكراهية والبغضاء، التي تُزرع من خلال الأحداث الفردية، وأشار خليل خالد في كتابه إلى أن هذه الأحداث الفردية، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، لا تمثل سوى جزء صغير من الشعبين التركي والعربي، لكن على الرغم من ذلك، سقطت الشعوب التركية والعربية في فخ المؤامرات التي حاكتها مجموعة من الحركات القومية، ما أدى إلى انقسامها وتشتتها، وامتد هذا الانقسام إلى كتب التاريخ أيضا، وما زلنا إلى اليوم نعاني من عواقب هذا الانقسام.
خلاصة الكلام؛ يجب علينا اليوم أن نتخذ إجراءات وتدابير ضد محاولات زرع بذور الكراهية والبغضاء من جديد، وحتى لا نقع في فخ المؤامرات نفسها. وهنا تقع مسؤولية كبيرة على عاتق السياسيين والمثقفين وحركات المجتمع المدني في بلادنا. يتعين على جميع الدول الإسلامية، وفي مقدمتها تركيا وقطر والكويت، أن تؤسس وحدات مشتركة لحل مشكلة اللاجئين في منطقتنا ومواجهة التضليل. أوجّه من هنا تحذيرا لسياسيينا ومثقفينا وجمعياتنا الأهلية؛ اتخذوا تدابيركم قبل أن تتفاقم هذه الأحداث، فنحن لا نريد أن نفقد قرنا آخر.
القدس العربي