واشنطن تسعى للتحكم في العراق من خلال الدولار

واشنطن تسعى للتحكم في العراق من خلال الدولار

بغداد – أكد خبراء ومتعاملون بالعملة أن القرار الأميركي الذي يقضي بمنع 14 مصرفا عراقيا من التعامل بالدولار أدى إلى ارتفاع سعره وإرباك السوق العراقية، ويعمل العراق بجد على احتواء انعكاسات ذلك على اقتصاد البلاد وحياة المواطنين.

وقال الدكتور يعرب محمود إبراهيم، أستاذ الاقتصاد بكلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة العراقية، “إن السبب الرئيسي لارتفاع أسعار صرف الدولار هو العقوبات التي فرضها البنك الفيدرالي على 14 مصرفا عراقيا، بالإضافة إلى الأربعة السابقة”.

وأضاف “هناك أسباب أخرى لارتفاع سعر الدولار، منها وجود المضاربين الذين يمتلكون كميات كبيرة من الدولارات ويتلاعبون بالسوق كما يشاءون، فضلا عن الفساد المالي وعدم ضبط المنافذ الحدودية، ما يسهل تهريب العملة خارج العراق”.

وعن تأثير هذا المنع على الاقتصاد العراقي، قال يعرب محمود “الاقتصاد العراقي يعاني من آثار أزمة اقتصادية عالمية، ولكن المشكلة الأساسية لدى الحكومة تتمثل في تضخم الدين الخارجي والمحلي، إضافة إلى الالتزامات لسداد الديون الخارجية وفوائدها بالدولار”.

وتابع “نخشى أن يدخل الاقتصاد العراقي في حلقة مفرغة من انخفاض العملة والتضخم، وهذا يمكن أن يؤثر على قدرة البلاد على سداد ديونها الخارجية، ما يضر بثقة المستثمرين ويضغط على النمو، إذ يؤدي نقص الواردات وارتفاع الأسعار إلى تدمير الطلب بالاقتصاد المحلي”.

وبغية الحد من تأثير هذا المنع قررت الحكومة العراقية بيع الدولار للتجار عن طريق المصرف العراقي للتجارة، وهو أحد المصارف الحكومية، بهدف الحد من ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية، وهو ما أسهم في خفض سعره بعض الشيء.

وقال فادي الشمري مستشار رئيس الوزراء العراقي في بيان “إن الإجراءات السريعة أسهمت في إعادة التوازن لسعر صرف الدينار بشكل تدريجي”، مؤكدا أن الحكومة تسعى لضبط إيقاع السوق المالية وتشجيع التجار على المعاملات المالية المشروعة، والتخفيف من الإجراءات الإدارية، وتوقع أن تسهم القرارات الخاصة بتخفيف الضرائب في زيادة قيمة الدينار العراقي خلال الفترة المقبلة.

وتابع أن “إجراءات البنك المركزي بتحويل 116 شركة صرافة كانت تتسلم حصصها أسبوعيا من الدولار من المصارف المعاقبة إلى مصارف أخرى، وتخفيف الضرائب المفروضة وكذلك تشخيص البنك المركزي للمتلاعبين، أسهمت بشكل فعال في استقرار سعر صرف الدينار”.

وأكد الخبير الاقتصادي حسين غازي من قسم الدراسات الاقتصادية بمؤسسة بيت الحكمة أن القرار الأميركي الذي يقضي بمنع 14 مصرفا عراقيا هو السبب الرئيسي في ارتفاع سعر الدولار وانخفاض قيمة الدينار العراقي.

وقال حسين غازي “لا يخفى على الجميع أن الدولار في العراق مصدره الولايات المتحدة الأميركية وهي التي تتحكم في الموضوع وفقا لاعتبارات سياسية وليست اقتصادية”.

وأكد أن هذا المنع سينعكس سلبا على حياة المواطن العراقي، قائلا “بالطبع سيتأثر المواطن بصورة سلبية من هذا الأجراء، فالعراق أغلب سلعه الأساسية مستوردة، وبالتالي قوة المواطن الشرائية تتأثر بارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، وكذلك رجال الأعمال والتجار سيتأثرون بالتذبذب في سعر الصرف”.

من جانبه قال أحد أصحاب شركات الصرافة في بغداد، طلب أن يذكر اسمه الأول أبوعلي، “إن العراق يعتمد على الدولار في تعاملاته الخارجية، فعندما يرتفع سعره سترتفع أسعار كل البضائع، وهذا سيؤثر على معيشة المواطن العراقي”.

وأضاف أبوعلي، الحاصل على شهادة الماجستير بالعلوم المالية والمصرفية، أن “قرار الخزانة الأميركية الذي يقضي بمنع تعامل 14 مصرفا عراقيا بالدولار فيه لمحة سياسية، فهو يعكس الصراع الأميركي – الإيراني في العراق، فواشنطن لا تريد وصول الدولار إلى طهران التي تفرض عليها عقوبات اقتصادية، وطهران تصدر بضائع إلى العراق وتريد ثمنها بالعملة الصعبة، ما دفع التجار العراقيين إلى شراء الدولار من السوق المحلية لتسديد ثمن بضائعهم، وهذا أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في العراق”.

ويرى السياسي العراقي البارز عزت الشابندر أن واشنطن تسعى للتحكم في العراق من خلال الدولار، وقال في تغريدة له على X (تويتر سابقا) “فرق كبير بين المساعدة بإصلاح النظام المصرفي العراقي أو السيطرة عليه والتحكم فيه”.

وتابع “تسعة أشهر والخزانة الأميركية تفرض حظرها على أربعة بنوك عراقية دون أن توضح السبب للمركزي العراقي رغم مطالبته بذلك”، مضيفا “أما السفيرة الأميركية ببغداد فلن تتوقف تصريحاتها عن دور بلادها في الإصلاح الذي تجسد بشمول 14 بنكا جديدا بالحظر مع تجاهل تام لحق العراق في معرفة الأسباب”.

ووفقا للتبريرات الأميركية تم منع المصارف العراقية من إجراء أي تعاملات بالدولار، في إطار حملة لمكافحة تسريب العملة الأميركية إلى إيران.

وردت هذه المصارف على الادعاءات الأميركية ببيان مشترك يفيد بأنها على استعداد لتدقيق معاملاتها من قبل البنك المركزي العراقي أو شركة تدقيق عالمية، محذرة من أن منع ثلث البنوك العراقية الخاصة من التداول بالدولار سيؤثر على سعر الدولار ويعيق الاستثمار الأجنبي.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد منعت أربعة بنوك عراقية في نوفمبر العام الماضي من التعامل بالدولار وفرضت إجراءات أكثر صرامة على التحويلات المالية خارج العراق بالتعاون مع البنك المركزي العراقي.

وبعد قرار المنع قفزت أسعار الدولار في السوق العراقية إلى 1600 دينار مقابل الدولار خلال الأسبوع الماضي (السعر الرسمي للدولار 1320 دينارا)، وهذا انعكس بصورة سلبية على حياة المواطن العراقي، حيث ارتفعت أسعار جميع المواد لأن العراق يستورد كل شيء.

العرب