مجموعة بريكس ـ تجمع أكبر اقتصاديات ناشئة في العالم. تشكلت عام 2009 مكونة من الأحرف الأولى لكل من البرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية وروسيا الدولة الكبرى وعضو مجلس الأمن وصاحبة أكبر ترسانة نووية في العالم والهند الدولة الأولى في العالم بعدد السكان وصاحبة سادس أكبر اقتصاد في العالم والصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم ومصنعه وجنوب أفريقيا.
أول من أطلق على المجموعة اسم بريكس الاقتصادي البريطاني جيم أونيل من بنك غولدمان ساكس الأمريكي الشهير ـ وهي الأحرف الأولى للدول الأربع التي شكلت نواة المجموعة عام 2009 ـ بالإنكليزية ـ اللبنة. انضمت جنوب أفريقيا ـ أصغر اقتصاد للمجموعة عام 2010، ليضاف حرف.
استضافت جوهانسبورغ القمة الخامسة عشرة والأولى حضورياً في 22-24 أغسطس الجاري(منذ تفشي جائحة كورونا) تحت شعار «بريكس وأفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة».
تشكل دول بريكس الخمس في ثلاث قارات حوالي 42٪ من عدد سكان العالم وأكثر من 3.5 مليار نسمة منهم 3 مليارات (الهند والصين) وثلثي مساحة اليابسة على الكرة الأرضية، وحوالي 26٪ من مجمل الناتج الاقتصادي العالمي. متقدمة بذلك على دول مجموعة السبع G7 ـ للاقتصاديات الصناعية الكبرى للديمقراطيات في النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن تعاني دول بريكس من التفاوت الكبير في مجمل الدخل بين الدول ومتوسط الدخل الفردي والتباين في توجهات الدول حول السياسة الخارجية وفكرة انضمام مزيد من الدول لعضوية بريكس بين متحمس مثل الصين وروسيا لمواجهة الغرب ومتحفظ الهند والبرازيل حتى لا يفقد التحالف ثقله وهدفه بالتطور الاقتصادي والتنمية.
تعثرت مسيرة بريكس قبل عقد من الزمن وتراجع النمو الاقتصادي لروسيا والبرازيل بعد نمو متواصل وعاد لمستويات 2001. أكد جيم أونيل أول من أطلق مسمى بريكس مع صحيفة اللوموند الفرنسية عام 2021 ـ أنه كان الأفضل اطلاق تسمية IC ـ أو حتى C ـ على المجموعة
(الصين والهند) أو (الصين) لأن الصين هي القائد الفعلي والقوة الدافعة لمجموعة بريكس تليها الهند!
يؤخذ على بريكس غياب معايير منهجية واضحة ومقنعة لقبول ورفض طلبات دول 23 دولة للانضمام ولماذا قبلت ست دول فقط؟ ولماذا مثلاً لم تقبل عضوية إندونيسيا العضو في مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم
هدف المجموعة المعلن بقيادة الصين وروسيا، تطوير وتوظيف المجموعة لتثقيل الاقتصادات الناشئة لتشكل بديلاً يواجه ويضعف هيمنة القوى الغربية ومجوعة السبع. خاصة مع الانقسامات الواسعة لحرب روسيا على أوكرانيا ومواجهة واحتواء أمريكا الصين بتحالفات عديدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي. بتوسيع وتقوية تحالف مجموعة بريكس لتشكل بديلاً مقنعاً يتصدى لهيمنة الغرب ومؤسساته-الاقتصادية والمالية-البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وصولاً لمقارعة نفوذ الغرب دولياً. بتوظيف مجموعة بريكس في تعزيز ديناميكية النظام العالمي في اتجاه التعددية القطبية. والدفع نحو تمثيل أكثر عدالة للاقتصاديات الناشئة والجنوب والعمل على تقليص اعتماد النظام المصرفي والتجاري العالمي واحتياطات عملات الدول على الدولار الأمريكي في التعاملات والتبادل التجاري بين الدول الأعضاء وحتى بصفقات السلع وخاصة منتجات النفط والغاز بعملات غير الدولار العملة العالمية.
لذلك أسست مجموعة بريكس بنك التنمية الجديد (NDB)عام 2015 مقرة شانغهاي برأس مال 50 مليار دولار والعمل لرفع رأس المال ل100 مليار دولار ليكون بديلاً عن البنك الدولي. هدفه «توفير المصادر في للمشاريع التنموية في الاقتصاديات الناشئة والدول النامية. وإنشاء نظام دفع تحويلات العملات بديلاً عن النظام الغربي، ترأسه دلما روسييف رئيسة البرازيل السابقة المقربة من رئيس البرازيل الحالي لولا دي سلفا منذ 2023.
سيسجل تاريخ بريكس أن قمة جنوب أفريقيا كانت القمة الأهم لتأكيدها تماسك المجموعة ونموها، واتفاق الأعضاء الخمسة على الرؤية المشتركة والموافقة على أكبر توسيع للمجموعة في تاريخها بضم ست دول دفعة واحدة من ثلاث قارات من أصل 23 دولة تقدمت بطلبات لعضوية بريكس. ما يؤكد سطوع نجم المجموعة بعدما بقيت مهمشة لسنوات. الأعضاء الجدد: السعودية والإمارات ومصر(دول عربية) وإيران والأرجنتين وإثيوبيا، بدلالات واضحة ـ بينما تأجل النظر بطلبات الكويت ـ إندونيسيا ـ الجزائر ـ المغرب ـ فنزويلا ـ كازاخستان-وتايلند وغيرها!
يؤخذ على بريكس غياب معايير منهجية واضحة ومقنعة لقبول ورفض طلبات دول 23 دولة للانضمام ولماذا قبلت ست دول فقط؟ ولماذا مثلاً لم تقبل عضوية إندونيسيا العضو في مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم باقتصاد 1.6 تريليون دولار! أكبر من اقتصاد إثيوبيا ومصر والأرجنتين وإيران مجتمعين! أو أكبر من اقتصاد السعودية والإمارات معاً! ومجمل الناتج القومي للكويت 184.5 مليار دولار أكبر من اقتصاد إثيوبيا 134 مليار دولار! ولماذا لم تقبل الجزائر والمغرب وكازاخستان؟
ثانيا بلغة الأرقام نرى أن توسعة العضوية في مجموعة البريكس هو قرار استراتيجي أكثر منه اقتصاديا. بزيادة عدد الدول الأعضاء من 5 إلى 11 بدءاً من مطلع عام 2024. بعد التوسعة ستسيطر دول بريكس على 30٪ من مجمل الناتج العالمي حوالي 30 تريليون دولار، و80٪ من انتاج النفط العالمي بانضمام السعودية و الإمارات وإيران مع روسيا والصين والبرازيل، بعضوية 6 من أكبر الدول التسع المنتجة للنفط، وبقدرة إنتاجية تصل إلى 73٪ من انتاج النفط في العالم.
كما أنه يمكن لمجموعة بريكس لعب دور مهم في خفض التوتر بالتوسط بين الأعضاء المتنازعة ـ كالسعودية وإيران بعد استئناف العلاقات بوساطة الصين. وكذلك بين مصر وأثيوبيا بخلافات حادة منذ سنوات حول سد النهضة وحرمان مصر من حصتها العادلة من المياه. ما يوفر لمجوعة بريكس فرص نجاح دبلوماسية الوساطة بين أعضائها لحل الخلافات. بعكس محدودية نفوذ ودور الغرب الذي تعزز سياساته الاصطفافات وتعيق حل النزاعات ما يفاقم الخلاقات والتوتر!
من المبكر الحديث عن انتقال مركز الثقل من الشمال والغرب إلى الجنوب والشرق. لكن ديناميكية التحولات المهمة بقيادة مجموعة بريكس تساهم بتحقيق أهدافها ودورها، ومع تراجع نفوذ الغرب وتقدم الشرق، يترسخ نظام عالمي متعدد الأقطاب.
القدس العربي