في اليوم نفسه لمصرع يفغيني بريغوجين، زعيم مرتزقة «فاغنر» وقائدها العسكري، دميتري أوتكين، بسقوط طائرتهما، حطّت طائرة أخرى في بنغازي تحمل على متنها نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، الذي اجتمع بالجنرال خليفة حفتر، في رحلة تتعلّق بخطط موسكو للتعامل مع عناصر شركة بريغوجين.
لم تكد زيارة يفكوروف إلى بنغازي تنتهي حتى أعلنت قوات الشرق التي يقودها حفتر إطلاق «عملية عسكرية واسعة في المناطق الحدودية جنوبي البلاد». الناطق باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، صرّح أنها «لن تسمح أن تكون بلادنا منطلقا لأي جماعات أو تشكيلات مسلحة».
على عكس الغموض الذي أحيطت به زيارة يفكوروف إلى حفتر، فإن مصادر سورية، بينها «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أكدت أن المسؤول الروسي الرفيع طالب القيادة السورية بإبلاغ مقاتلي فاغنر بضرورة الانسحاب من البلاد… أو الانضمام للجيش الروسي في سوريا. المصادر أشارت إلى وزير دفاع النظام السوري، علي محمود عباس، اجتمع بالفعل مع قيادات فاغنر مشترطا عليهم تسليم سلاحهم والانسحاب من البلاد خلال شهر كحد أقصى أو تسليم أنفسهم إلى قيادة الجيش الروسي في سوريا.
قبل رحلة يفكوروف بأيام كان بريغوجين في بانغي، عاصمة أفريقيا الوسطى، حيث أبلغ رئيسها فوستين تواديرا، حسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، أن وقائع التمرّد المجهض الذي قاده قبل شهرين «لن تمنعه من جلب مقاتلين جدد واستثمارات لشركائه التجاريين في أفريقيا».
أثارت هذه الحركة، على ما يبدو، شكوك الكرملين من إمكانية استخدام بريغوجين لعلاقاته الخاصة مع القادة الأفارقة لتوطيد استقلاله العسكريّ والمالي. كل شيء كان يؤكد ذلك، بما في ذلك وصول مروحيّة من إقليم دارفور تحمل قيادات من قوات «الدعم السريع» السودانية إلى بانغي حاملة سبائك ذهب لبريغوجين مقابل استلامها صواريخ أرض جو. حسب الصحيفة فقد طلب بريغوجين مزيدا من الذهب.
تجميع هذه النقاط تحيل ببساطة إلى السبب الذي أدى إلى سقوط طائرة بريغوجين بعد أيام، وصدور مرسوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يفرض على كل المجموعات المسلحة «أداء قسم الولاء» وزيارة يفكوروف المتزامنة إلى ليبيا وسوريا، وكلها تحمل رسالة واحدة: إلغاء إمكانية استقلال مجموعة فاغنر، وتطويعها، وإلا فتفكيكها والقبض أو التخلص من العناصر التي ترفض.
من المثير للتأمل، في هذا السياق، نشر قناة «غراي زون» التابعة لفاغنر على وسيلة التواصل الاجتماعي تليغرام، لمقابلة أجراها مدون عسكري روسي مع بريغوجين (نشرت في نيسان/ابريل الماضي) يقول زعيم فاغنر فيها إن روسيا مشرفة على كارثة، وأنه «يفضل أن يقتل على أن يكذب على بلاده». الصدفة العجيبة جعلت بريغوجين يشبه روسيا بالطائرة قائلا: «إذا لم يتم تعديل هذه التروس اليوم فسوف تتحطم الطائرة في الهواء».
تداولت وسائل التواصل أيضا تغريدة للمضيفة التي كانت في الطائرة قبل انفجارها، تتحدث عن تأخيرها بسبب إصلاحات فنية، وتحقيقا تجريه السلطات مع المهندس الذي أجرى تلك الإصلاحات، وعن توجيه الاشتباه إلى قائد سابق لطائرته، وعن زيارة غامضة أجرتها مديرة تنفيذية ورئيسة شركة للطيران الخاص، وكل هذه الحكايات، هي على الأغلب، هدفها التضليل على الجهة الحقيقية التي يمكنها تنفيذ ذلك الاغتيال.
القدس العربي