تدفع الظروف الإقليمية والوضع الاستراتيجي المعقّد القيادة السعودية إلى مراجعة سياستها الخارجية، والانتقال إلى مرحلة ردّ الفعل وعدم الاكتفاء بالبيانات والتصريحات، بعد أن أصبح الأمن القومي للبلاد والمنطقة مهددا تهديدا مباشرا عبر تمدّد إيران وتنظيم الدولة الإسلامية.
وبعد أن تمكنت من جمع ائتلاف هائل الدول العربية في مارس الماضي للدفاع عن شرعية اليمن ووقف المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، أعلنت السعودية عن تشكيل تحالف عسكري إسلامي من 34 دولة لمحاربة الإرهاب في خطوة لاقت ترحيبا عربيا ودوليا، وجاءت كردّ عملي على اتهام الرياض بالتورط في مواجهة الحوثيين على حساب محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
وكانت الولايات المتحدة تحدثت صراحة عن ضرورة بذل دول الخليج العربي المزيد لدعم الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسيطر على مساحات كبيرة من العراق وسوريا. وقد سبقت هذه التصريحات تقارير نقلت عن مصادر عسكرية أميركية قالت إن الغارات الجوية السعودية ضد أهداف الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، قد تراجعت بشكل كبير منذ عام 2014، حيث أن السعوديين ركّزوا جهودهم ضد الحوثيين.
ورغم أن ملامح هذا التحالف الرئيسي ومتانته لم تتضّح بعد، إلا أن مختلف التصريحات الغربية والعربية، تؤكّد على أهميته، حيث رحبت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير ليين بإعلان السعودية بتشكيل التحالف الإسلامي. وقالت للقناة التلفزيونية الألمانية (زد.دي.إف) إن التحالف سيكون ذا فائدة إذا انضم للدول الأخرى التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية.
وأضافت قائلة “أعتقد أن من الصحيح أن تشكل المعارضة (للدولة الإسلامية) مجموعة لكنها تحتاج إلى أن تكون -وهذا مهم- جزءا من عملية فيينا (لمكافحة الإرهاب) التي تضم جميع الدول التي تقاتل ضد الدولة الإسلامية مثل الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وتركيا والسعودية بل إيران والصين”.
بدورها، رحبت تركيا، التي تبحث عن منفذ لتسوق لنفسها من خلاله على أنها يمكن أن تكون جزءا من أي تحالف تقدوه السعودية، بالمبادرة التي وصفها رئيس الوزراء التركي أحمد داودأوغلو بأنها الجواب الرادع لمساعي ربط الإرهاب بالإسلام. وهذا الأمر بالتحديد هو الذي ركّز عليه الأزهر أيضا في دعوته إلى “كافة الدول الإسلامية” بالانضمام إلى التحالف الإسلامي العسكري الذي يضم 34 دولة معظمها ذات غالبية سنية، معربا عن الأمل بأن تنجح جهوده في “دحر الإرهاب وتخليص العالم من شروره”.
وأبدى اتحاد القوى (أكبر كتلة سُنية في البرلمان العراقي) تأييده لتشكيل تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب، وضرورة استثمار العراق للتحرك الإسلامي وللحد من نشاط المجاميع الإرهابية، فيما يرى أحد أعضاء التحالف الوطني الشيعي أن الدول المنضوية في التحالف الإسلامي العسكري تمتلك القدرة على القضاء على الإرهاب من دون أي تحرك عسكري.
وقال حيدر الملا، عضو المكتب السياسي للاتحاد في بيان له، “نرحب بإعلان التحالف الإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية لمحاربة الإرهاب”، وعلى الحكومة استثمار لحظة الإدراك الإقليمي والدولي لمخاطر الإرهاب كونه أصبح يشكل تهديدا حقيقيا للأمن والسلم العالمي”.
في المقايل، اعتبر عضو في التحالف الوطني الشيعي (أكبر كتلة سياسية في البرلمان العراقي)، الموقف العراقي من تشكيل “التحالف الإسلامي العسكري” لمحاربة الإرهاب، يتوقف على مدى جدية الدول المنضوية تحته من تحجيم دور تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى.
ويأتي موقف البرلماني العراقي الشيعي، على خلفية تصريحات الأمير محمد بن سلمان، التي قال فيها عند سؤاله هل سيركز التحالف على الدولة الإسلامية فقط “لا التحالف سيتصدى لأي منظمة إرهابية تظهر أمامنا.. سوف نعمل ونتخذ إجراءات لمحاربتها”.
الرياض والقاهرة لا خلاف
اتّخذ الإعلان عن التحالف بعدا أكبر، حيث جاء بالتزامن مع زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي ولي العهد، ووزير الدفاع السعودي، وانعقاد اجتماعات اللجنة التنسيقية المصرية السعودية بالقاهرة، بما يقطع الطريق أمام محاولات البعض للتشكيك في إمكانية نجاح هذا التحالف وأنه جاء ليعارض فكرة القوات العربية المشتركة التي دعا إليها الرئيس المصري عبدالفتاح السيبسي.
وقد أكّد أحمد أبوزيد، المتحدث باسم الخارجية المصرية، أن القاهرة تدعم كل جهد يستهدف مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، سواء كان إسلاميا أم عربيا. وأوضح في تصريحات أدلى بها أمام عدد محدود من الصحفيين أمس، أن التحالف الذي أعلنت عنه الرياض يختلف عن مقترح تشكيل القوة العربية المشتركة، فالأول يستهدف مكافحة الإرهاب فقط، أما الثاني فهو يتعامل مع التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي بمختلف أشكاله، وفي نطاق الدول العربية.
وفي ردّهم على المبادرة السعودية وتشكيكهم في نجاحها، قال البعض إن السعودية تواجه تحدّيا رئيسا مرتبطا بتعقّد الوضع في اليمن بما أثّر على دورها في التحالف الدولي ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، وهذا سيلقي بظلاله أيضا على التحالف الإسلامي الذي أعلنت عن تشكيله.
لكن، اللواء كمال عامر، وكيل جهاز المخابرات الحربية في مصر (سابقا)، قال إنه من السابق لأوانه الحكم على التحالف الجديد، خاصة أنه لا يزال في طور الإعداد. وأوضح لـ”العرب” أن أي تحالف عربي أو إسلامي يدخل ضمن دوائر الأمن القومي المصري والعربي والإقليمي.
وأشار إلى أن رئاسة مصر للجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن دليل على حيوية دورها في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة. ولم ير أن هناك صداما بين التوجهات المصرية والسعودية، مشددا على أن المخاطر المحدقة بالعرب تفرض عليهم التوحد والتكامل.
ذات الفكرة، يؤكّدها السفير أحمد حجاج، مساعد وزير الخارجية (سابقا)، الذي ثمّن، في تصريحات لـ”العرب” فكرة التحالف الإسلامي، معتبرا أن كل التحالفات من هذا النوع تصب في خانة واحدة، وهي مكافحة العنف والتطرف.
ورجّح حجاج أن تكون الدول الإسلامية، التي لم يذكر اسمها في البيان السعودي(إيران والعراق وسوريا والجزائر)، رفضت الانضمام أو لم توجّه إليها الدعوة أصلا، على خلفية تباين الرؤى بين هذه الدول حول الإرهاب.
ويقول خبراء إنه قياسا بعاصفة الحزم في اليمن، لم يعد هناك شكّ في إمكانية نجاح تحالف الدول العربية والإسلامية ضدّ أي خطر يهدّد أمنها، ومثلما قادت السعودية التحالف العربي في اليمن ضدّ المتمرّدين الحوثيين، بصفحة خاصة، وضدّ محاولات إيران مد المزيد من الأذرع في المنطقة، بصفة عامة، يمكنها أن تقود التحالف الإسلامي ضدّ خطر يهدّد الإسلام والأمن معا.
وعبر هذا التحالف تكون الرياض قد بدّدت مخاوف الدول الحليفة لها في التحالف العربي، والتي لم تعد تبدي رغبة بالتورط في الصراع اليمني، وأصبحت قلقلة أكثر على قضاياها الداخلية، واعتبار أن تنظيم الدولة الإسلامية وليس وكلاء إيران فقط في المنطقة هم أكبر تهديد لها في الوقت الحالي.
وهو ما أكّد عليه أحمد بن محمد الجروان، رئيس البرلمان العربي، الذي قال إن تحقق هذا التحالف على أرض الواقع يثلج صدور الشعوب العربية والإسلامية، التي تتوسم فيه خيرا بهدف اجتثاث جذور الإرهاب والقضاء عليه نهائيا، لما سببه بأفكاره الدخيلة من أضرار عادت على الإسلام و المسلمين. وأكد جروان أن البرلمان العربي لن يدخر جهدا في دعم هذا التحالف، داعيا إلى توسيع دائرة التعاون لتشمل مختلف الدول الصديقة في العالم لدعم مساعي هذا التحالف في حربه الشاملة على الإرهاب.
ورحب اللواء طيار أركان حرب هشام الحلبي، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، بالتحالف الإسلامي، واعتبره خطوة كبيرة على صعيد الحرب ضد الإرهاب في المنطقة، وقال في تصريحات لـ”العرب” إنه أول تحالف إسلامي في العالم يوجه ضد الإرهاب، وهويته الإسلامية كفيلة بإخراس ألسنة الغرب التي تروج بأن المسلمين سبب وجود الإرهاب.
وفي رأيه أنه من أهم مزايا التحالف الجديد أنه يضم دولا إسلامية من قارتي أفريقيا وآسيا، لأن الإرهاب عابر للقارات، وقد يلجأ الإرهابيون إلى هذه الدول خارج الحدود، لذلك عليها مسؤولية توقيفهم، وعليها فتح المجال لتوفير ما يحتاجه من التمويل بكافة أنواعه.
لكن، اللواء محمود زاهر، الخبير العسكري، لا يحمل نفس التفائل، حيث يرى أن هناك عاملا مهما من الممكن أن يكون سببا في عرقلة هذا التحالف وخروجه للنور وهو عدم وحدة الرؤية السياسية بين أعضاء التحالف، وهذه مسألة ضرورية لنجاح التحالف.
ونوه لـ”العرب” أن أي تحالف عسكري لا يمكن أن يؤدي دوره إلا بتوحد الرؤى السياسية بين أعضائه، لكن، التحالف الإسلامي يواجه عوائق منها أن الدول الإسلامية تفتقد لوحدة اللغة والحدود، فضلا عن التوجهات العامة ضد الإرهاب.
وتابع أن فكرة توصيف التحالف بالإسلامي تجعل من الصعب التنبؤ بكيفية تعامل ذلك التحالف مع بعض الدول والملفات والقضايا، لافتا إلى أن هناك دولا إسلامية، غير عربية، وطوائف ومذاهب واحتقانات بالجملة، الأمر الذي يطرح سؤالا جديدا بشأن الموقف من التيارات الشيعية والسنية التي تمارس الإرهاب، وكذلك الملف الليبي والأزمة السورية، حيث تتقاطع عليهما مصالح دول عدة.
|
عن مستقبل التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، توقّع محمود زاهر أن تتراجع أهميته، حالة الإعلان بشكل أساسي عن التحالف الإسلامي، وطبيعة دوره، لأن الرياض لن تكون قائدة في دائرتين في وقت واحد، قد تكونان متكاملتين في الظاهر، لكن الوجود السعودي على رأس التحالفين سوف يثير حزمة من المشكلات السياسية مع بعض الحلفاء. لكن محمد علي بلال، قائد القوات المصرية في حرب عاصفة الصحراء (حرب الخليج الثانية)، نفى وجود أي تأثير لهذا التحالف على نظيره العربي، فالأخير يضمّ دولا عربية فقط، مشدّدا على عدم وجد تعارض بين التحالف الإسلامي الجديد ونظيره العربي الذي يعمل فعلا منذ فترة، فطبيعة المهام والأهداف متباينة بينهما.
وقال لـ”العرب” إن الإعلان ذاته عن جسم التحالف الجديد، كان بمثابة رسالة موجّهة من العالم الإسلامي إلى الغرب بعد تصريحات المرشح الجمهوري دونالد ترامب التي طالب فيها بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأميركية ووصفهم بالإرهابيين، منوها إلى أن توصيف التحالف بالإسلامي، يؤكد هذا المعنى.
ذات الرؤية أكّدها السفير عبدالله عالم، الأمين العام المساعد للشؤون السياسية في منظمة التعاون الإسلامي، الذي عبّر عن دعم المنظمة الكامل للتحالف العسكري الإسلامي لمحاربة التنظيمات الإرهابية. وأشار في تصريحات صحفية بالقاهرة في ختام اجتماعات الدورة الخامسة للجنة المشتركة المعنية بتنفيذ اتفاقية التعاون بين الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، إلى أن المنظمة تؤيد هذا التحالف الذي وجد تجاوبا كبيرا من غالبية الدول الإسلامية.
القوة العربية المشتركة
بينما كان يتوقع المجتمع الدولي والعالم العربي الإعلان عن تشكيل قوّة عربية مشتركة، تواتر الحديث عنها في الفترة الأخيرة، فاجأت الرياض بالإعلان عن تحالف أكبر وأشمل، لمواجهة التهديدات الفكرية والأيديولوجية والإرهابية والأمنية، التي تتعرَّض لها المنطقة ورسم خارطة طريق آمنة لبلدانها.
وعن أوجه الاختلاف بين القوة العربية المشتركة المجمدة والتحالف الإسلامي العسكري المرجح انطلاقه عمليا قريبا، قال هشام الحلبي، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إنه في الأخير له مهمة محددة تكمن في محاربة الإرهاب، أما القوة العربية المشتركة فهي جيش ثابت مهمته الأساسية التصدي إلى جميع الأخطار والتهديدات التي تواجه الدول العربية، لذلك أكثر شمولا من التحالف الجديد، ولها صفة الاستدامة التي تميزها، لأنه كان من المخطط لها أن تواجه المخاطر والتحديات التي تواجه الأمن القومي العربي، دون ربطا بخطر محدد.
ورجح اللواء نبيل فؤاد، مساعد وزير الدفاع المصري (سابقا)، أن يكون التحالف الإسلامي العسكري بديلا للقوة العربية المشتركة التي تعثّرت المباحثات حولها، حيث لم يستطع المشاركون الوصول إلى صيغة توافقية محددة.
لكنّه، أوضح لـ”العرب” أن نسبة نجاح التحالف الجديد ليست كبيرة بالمقارنة مع القوة العربية المشتركة التي كان متوقع لها أن تضم 12 دولة، ولم يتم الاتفاق بينها، بسبب اختلاف الرؤى والأهداف والعقائد القتالية، فما بالنا بتحالف يضم 34 دولة مختلفة، في العرق والجنس واللغة، لأنه كلما زاد عدد الدول قلت فرص النجاح.
وأضاف فؤاد أن التحالفات بهذا الشكل تحتاج إلى إرادة سياسية قوية لإنفاذها، وتحقيق التوافق بينها في البداية، ثم يتم رسم الأهداف بصورة محددة، وهي قتال الجماعات الإرهابية ثم الإجراءات التنفيذية (التمويل- القيادة).
وكشف أن قيادة التحالف تم إقرارها بتحديد الرياض مقرا لغرفة العمليات وقيادة التحالف، والتسمية بهذا الشكل للبحث عن إطار للدول المشاركة، فكافة التحالفات الموجودة إقليمية، والسعودية تسعى إلى تحالف أوسع فاختارت مسمّى أشمل وهو (الإسلامية)، باعتبارها قائدة العالم الإسلامي في مواجهة استفزازات إيران، التي تسوق لنفسها على أنها حامية الشيعة وهي أيضا يمكنها أن تحمل لواء قيادة العالم الإسلامي.
إعلان السعودية عن التحالف الإسلامي يؤكّد أن الرياض استثمرت نجاحها في التحالف العربي لتحريك جبهة الدول المسلمة لمواجهة الإرهاب، الذي وصفه وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، بأنه “التهديد الحقيقي والمباشر للاستقرار في المنطقة والعالم ولأمن المواطنين والمجتمعات”، معربا عن دعم بلاده للمبادرة السعودية، وهو نفس الموقف الذي تتبنّاه الـ34 دولة التي تكون التحالف الإسلامي، وهي: المملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، والإمارات العربية المتحدة، وجمهورية باكستان الإسلامية، ومملكة البحرين، وجمهورية بنغلاديش الشعبية، وجمهورية بنين، والجمهورية التركية، وجمهورية تشاد، وجمهورية توغو، والجمهورية التونسية، وجمهورية جيبوتي، وجمهورية السنغال، وجمهورية السودان، وجمهورية سيراليون، وجمهورية الصومال، وجمهورية الغابون، وجمهورية غينيا، ودولة فلسطين، وجمهورية القمر الاتحادية الإسلامية، ودولة قطر، وكوت دي فوار، ودولة الكويت، والجمهورية اللبنانية، ودولة ليبيا، وجمهورية المالديف، وجمهورية مالي، ومملكة اتحاد ماليزيا، وجمهورية مصر العربية، والمملكة المغربية، والجمهورية الإسلامية الموريتانية، وجمهورية النيجر، وجمهورية نيجيريا الاتحادية، والجمهورية اليمنية.
صحيفة العرب اللندنية