يعتمد النظام الإيراني سياسة ميدانية يسعى من خلالها تثبيت أركان سلطته والتمسك بزمام أموره والحفاظ على دوره الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وتسخير امكانياته السياسية وعلاقاته الدولية في تعزيز وضعه والحفاظ على ديمومة وجوده، فالأساس في العقيدة السياسية الإيرانية هو ( تثبيت نفوذ النظام الإيراني) وامتداداته ودعم مشروعه السياسي تجاه دول الحوار وبعض عواصم الاقطار العربية التي تمكن من إيجاد لديه مساحة واضحة في التعامل السياسي والاقتصادي والأمني في مجمل الأوضاع القائمة في تلك الأقطار ووضع جميع مصالحه وأهدافه الأستراتيجية ضمن إطار الحفاظ على مقومات أمنه القومي والوطني والعمل باتجاه توسيع دائرة المشتركات السياسية القائمة على تنويع أدواته ووسائله في الاستمرار والاستدامة.
ان من المبادئ الرئيسية للأمن القومي الإيراني هي العمل ضمن إطار ومحور العناصر الأساسية المكونة له، فهو يسعى لتحديد مفهوم عام في التعامل مع الأوضاع والمتغيرات والمستجدات القائمة في المنطقة باستخدام ( سياسة المنطقة الرمادية) التي تعتمد الوقوف بين الحرب والسلم من أجل خدمة أهدافه وإدارة المخاطر دون الدخول في مواجهات عسكرية، وهو يستخدم أسلوبه الخاص باعتماد وكلائه في الميدان او توجيه ضربات صاروخية وقذائف عبر الطائرات المسيرة او الاعتداء على حركة مرور السفن والناقلات عبر البحار والمحيطات، وهذا مسعى يحدد سياسة النظام في الردع والتقدم والتي تخدم المصالح والأهداف والغايات السياسية الإيرانية، وهو باستخدام الوكلاء يبتعد عن عملية تورطه ويبقي على أساليب وعمليات سرية تعتمد المراوغة وتخلق حالة من الغموض بشأن نواياه وأهدافه.
وتتعزز هذه الاستراتيجية الأمنية بوجود هيكلية تنظيمية غير تقليدية للقوة العسكرية والأمنية التي يحتفظ بها النظام الإيراني ويعمل على تطويرها وإيجاد الوسائل التي تحقق له أهدافه عبر مفهوم عملي يساهم في تنويع مصادر قوته في جميع المجالات العسكرية بالتركيز على الصواريخ والطائرات المسيرة والمليشيات العاملة عليها وقدرته على منع خصومه من استخدام المياه الإقليمية، وبسبب عدم تمكن إيران من تطوير القوة التسليحية لجيشها وانعدام الموارد المالية التي سببها العقوبات الاقتصادية فإنها سعت الى زيادة مدى صواريخها وطائراتها المسيرة وحمولتها واستخدام أساليب الأخفاء تحت الأرض.
ولكي تستكمل السياسة الإيرانية أهدافها الأمنية فانها عملت على زيادة فعالية برنامجها النووي وزادت من قدرتها وإنجاز اتها وحققت نسبة 60٪ من اليورانيوم المخصب وبمخزون تجاوز ( 42) كغم وتوسعت في صناعة أجهزة الطرد المركزي ووصلت الى (4) الأف جهاز وعملت على تخزين ما يكفي من المواد الخاصة باليورانيوم عالي التخصيب، وهي لا زالت مستمرة في سياسية التخوط النووي الذي يحقق لها أبعاد استراتيجية يدخل في دائرة تعزيز الأمن القومي الإيراني، وهذا ما يتجاوب مع سياستها القائمة على الصبر والمطاولة والغموض والتدرج مع تجنيب التصعيد والتورط في حروب ميدانية.
تبقى خطورة السياسة الإيرانية فعالة عبر تكديس المواد الانشطارية وقدرتها الرادعة المتنامية من أكثر التحديات التي تثير القلق وعدم الاستقرار وتشكل عبئا امنياً اقليمياً وخطراً على مستقبل منطقة الشرق الاوسط والوطن العربي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية