على الرغم من الاستعدادات الحزبية والسياسية المتواصلة في العراق منذ أسابيع للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المقررة في 18 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، إلا أن الحديث عن التأجيل يبقى قيد المناقشة، خصوصاً بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الانسحاب من الانتخابات، ودعوة أنصاره إلى مقاطعتها وعدم السماح لأي فرد من تياره بالمشاركة سواء بالترشيح أو الانتخاب أو دعم قائمة معينة. وإجراء الانتخابات من دون الصدر، يعني ترقب خطوات قد تكون تصعيدية أكثر منه، وفقاً لمراقبين.
وتشارك الأحزاب والكيانات السياسية المدنية في الانتخابات وهي غير واثقة من فرص الفوز. وتفكر بعض الأحزاب بالانسحاب من الاستحقاق، مثلما انسحب سابقاً “ائتلاف الوطنية” و”البيت العراقي” و”حركة امتداد”.
إلا أن هذه القوى تخشى الاتهام بالتعاون أو التنسيق مع الصدريين من قبل جماهيرها، التي تعتبر التيار شريكاً في الإطاحة بتظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019. لكن قد يتضح قرارها خلال الأسابيع المقبلة، خصوصاً مع غياب التكافؤ في الدعاية الانتخابية ما بين المدنيين والأحزاب التقليدية.
الصدر ومقاطعة انتخابات المحافظات
ودعا الصدر أنصاره إلى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات، معتبراً في بيان، الأسبوع الماضي، أن “من أهم ما يميز القاعدة الصدرية هو وحدة صفها وطاعتها وإخلاصها… مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيراً ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيظ العدا، ويقلل من شرعية الانتخابات دولياً وداخلياً، ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين على عراقنا الحبيب. وأن الوضع العالمي والإقليمي يفيء على الأوضاع في العراق، ومعه يجب أن نكون على حذر واستعداد دائم فالعدو يتربص بعراقنا ومقدساتنا فانتبهوا رجاء”.
قيادي في التيار الصدري: الصدر يهدف إلى احتواء المقاطعين من دون انضمامهم للتيار
في الفترة الأخيرة، باشرت قيادات من داخل التحالف الحاكم (الإطار التنسيقي)، خصوم الصدر التقليديين، إطلاق التحذيرات مما سمّته “اختلال التوازن”، بسبب دعوات المقاطعة للانتخابات. وهي إشارة فُهِم منها بأنها تحمل دلالات طائفية، إذ إن المقصود منها المدن المختلطة مذهبياً، وأن مقاطعة إحدى الطوائف في مثل هذه المدن ستمنح الأفضلية لطائفة أخرى.
وحول ذلك، اعتبر القيادي في “الإطار التنسيقي” عمار الحكيم، تعليقاً على دعوات المقاطعة للانتخابات، بأنها “ستخلق نتائج غير متوازنة في تمثيل المكونات الاجتماعية”، محمّلاً من سماهم بـ”دعاة منع الناس من المشاركة” مسؤولية اختلال التوازن وحالة عدم الاستقرار التي ستترتب على المقاطعة.
ورد قيادي في التيار الصدري، رفض الكشف عن اسمه، بالقول لـ”العربي الجديد”، إن “الصدر يسعى إلى لملمة ما يعرف بالأغلبية الصامتة، وهم الجمهور الذي يرفض الانتخابات من دون الحاجة لإعلان المقاطعة، عبر تنظيمات معنوية وفتح أبواب العلاقات مع المدنيين من جديدة”. ولفت إلى أن “الصدر يعرف أن غالبية الشعب العراقي مقاطعة للانتخابات، وهو يهدف إلى احتواء المقاطعين من دون انضمامهم للتيار الصدري”.
وأضاف القيادي في التيار أن “حديث الصدر عن شرعية الانتخابات دولياً هدفه توجيه رسائل إلى الدول الغربية والإقليمية مفادها أن النظام الحالي لا تنفع معه المحاولات الإصلاحية، لذلك لا بد من عزله عن الشعب، ليمثل نفسه فقط ولا يمثل العراقيين”.
وأكد أن “الصدر لا يريد التشارك مع الأحزاب الحالية في أي حكومة محلية أو مركزية، أو الدخول معها بأي مفاوضات، وأنه يسعى إلى انقلاب سياسي سلمي”.
في السياق، رأى الناشط السياسي القريب من التيار الصدري عصام حسين أن “الانتخابات المقبلة لن تكون مجدية، كما هو الحال مع الانتخابات السابقة التي أسفرت عن احتلال الأحزاب المهيمنة على المقدرات المالية والمناصب ولم تقدم أي خدمات للعراقيين، وأن الأحزاب لم تنجح في تحسين الاقتصاد، وحدثت عمليات فساد كبرى”، مشيراً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “العراقيين الذين سيشاركون في الانتخابات، عليهم أن يعوا أنهم سيصنعون تجاراً وليس مسؤولين يخدمونهم”.
حيدر المساري: المدنيون لن يشاركوا التيار الصدري في أي تصعيد
وأكمل حسين في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “الانتخابات المحلية المقبلة ستنتج جيلا من التجار الجدد الذين يهدفون إلى مراقبة تدفق العقود والاستثمارات، مع مواصلة الاعتماد على النفط في إدارة الملفات المالية من دون الاهتمام بقطاعات الاقتصاد”.
وأوضح أن “التيار الصدري يعرف أن الطبقة الحاكمة حالياً تستنزف العراق والعراقيين، وتحتمي بالمليشيات المسلحة وإيران والولايات المتحدة، وأن المشاركة في الانتخابات المقبلة تعني إعانة الفاسدين على استمرار تدمير العراق”.
لا تأثير لمقاطعة التيار الصدري
من جانبه، أشار عضو تحالف “الإطار التنسيقي” عائد الهلالي إلى أن “عدم مشاركة التيار الصدري في الانتخابات المحلية المقبلة بمثابة خيار شخصي ومن حقه المشاركة أو عدمها على ألا يؤثر غيابه على استقرار العملية السياسية”.
وبيّن لـ”العربي الجديد”، أن “عدم مشاركة التيار الصدري أو الأحزاب المدنية لن تؤثر في النتائج، لأن نتائج الانتخابات مهما كانت نسب المشاركة أو التمثيل السياسي فيها ستكون هي الفيصل في النهاية، وعلى أثرها يتم تشكيل مجالس المحافظات”.
من جهته، أشار عضو حركة “امتداد” حيدر المساري إلى أن “التيار الصدري وضع المدنيين على المحك، فإن شاركوا في الانتخابات فإنهم سيكونون شركاء في المصير السياسي والمستقبل في الحكومات المحلية، وإن لم يشاركوا فإنهم يضيعون على أنفسهم فرصة المنافسة ومزاحمة الأحزاب الفاسدة”.
ولفت المساري في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إلى أن “الأحزاب التي انسحبت من المشاركة في الانتخابات باتت معروفة، لكن أحزاباً مدنية انسجمت مع قوى السلاح وأخرى تم إغواؤها بالمال، وأخرى لا تزال تسعى إلى صناعة نتيجة مهمة، لكنها لن تتمكن بسبب المال السياسي المتحكم بكل آلية الانتخابات”.
وأضاف أن “التيار الصدري قد يتخذ إجراءات تصعيدية ضد الوضع الحالي، ومع ذلك فإن المدنيين لن يشاركوا الصدريين في أي من ذلك، بسبب المواقف الكثيرة السابقة للتيار الصدري الذي نال في أكثر من مناسبة من المتظاهرين المدنيين والحراك العلماني والليبرالي في البلاد”.
وانسحب “التيار الصدري” من العملية السياسية في البلاد في 29 أغسطس/ آب 2022، بعدما قرّر الصدر سحب نواب كتلته الصدرية من البرلمان واعتزال العمل السياسي، بعد سلسلة أحداث بدأت بتظاهرات لأنصاره، وانتهت باشتباكات داخل المنطقة الخضراء في بغداد مع فصائل مسلّحة منضوية ضمن هيئة “الحشد الشعبي”.
ولا يُجبر الدستور العراقي المشاركة في الانتخابات واعتبرها “حق من حقوق الفرد”، لكنه لم يذكر أيضاً نسباً معينة للمشاركة لتكون فيها الانتخابات شرعية أو غير شرعية.
وستكون الانتخابات المحلية المقبلة أول انتخابات تُجرى في العراق منذ إبريل/ نيسان 2013، وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولهم صلاحيات الإقالة والتعيين، وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للدستور العراقي.