يترقب العالم، اليوم، بدء تنفيذ «الهدنة الإنسانية» و«تبادل الأسرى» وزيادة عدد شاحنات المساعدات والوقود إلى غزة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والدولة العبرية.
رغم إعلان الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية أنها ستستأنف الحرب بعد انصرام موعد «الهدنة» فإن مكتب رئيس وزرائها أشار، في تصريح مكتوب، على أن هذا الاتفاق هو «مرحلة أولى» مع «إمكانية تمديد فترات وقف إطلاق النار». تزامن ذلك مع إعلان تل أبيب أسماء 150 أسيرا من النساء والأطفال الذين سيطلق سراحهم، وكذلك نشر «وزارة العدل» الإسرائيلية قائمة بأسماء 300 أسير فلسطيني «تنطبق عليهم شروط القبول بالإفراج» وإعلان «حماس» من جهتها، التزامها بإطلاق عشرة أسرى «مقابل كل يوم تلتزم فيه إسرائيل بالهدنة».
الاتفاق كان نجاحا دبلوماسيا لقطر التي رعت، مع الولايات المتحدة الأمريكية، وساطة بين «حماس» وإسرائيل، وقد تلقى ذلك ترحيبا عربيا ودوليا، حيث رأت الجامعة العربية، بلسان أمينها العام أحمد أبو الغيط عن تطلعها إلى «أن تفضي الهدنة المعلنة عن وقف شامل لإطلاق النار في القطاع» وعن ضرورة البناء عليها كونها تمثل «فرصة لتحقيق وقف كامل للأعمال العدائية» وهو ما كرره وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن، وتبعته، في هذا الاتجاه، دول عربية وأجنبية أخرى.
أحدثت الوحشية الفائقة التي سلّطتها آلة الحرب والقتل الإسرائيلية على قطاع غزة وسكانه هزة سياسية كبرى في كل أنحاء العالم، وفتحت، بشكل واسع، الباب لاستذكار الجرائم الإنسانية المهولة للاستعمار، وخصوصا في صيغته الاستئصالية الاستيطانية، التي قامت على إبادة الشعوب الأصلية في الأمريكيتين وأستراليا ونيوزيلندا، وكذلك فجائع تجارة الاستعباد والعنصرية.
ضمن هذه الاستعدادات التاريخية، بدت إسرائيل، مع انخراطها في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وموجة الكراهية العنصرية التي رافقتها، التجسيد الحاضر والأقبح على استمرار تلك المرحلة، كما بدا تأييد الدول الغربية المشين لإسرائيل تذكيرا للشعوب في العالم بتواريخها الاستعمارية والاستيطانية الخاصة، وكذلك بالإعلان الصريح عن عمق تأثير تيارات العنصرية في تلك الدول، وارتباط كل ذلك بالممارسات السياسية الحالية ضد الأقليات واللاجئين وكراهية الإسلام.
إضافة إلى المظاهرات الكبيرة التي لم تتوقف عن الاحتشاد في دول العالم الغربي، فقد تلقّت إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، سيلا من الانتقادات كان آخرها تصريحات قمة «البريكس» القوية، بما في ذلك مطالبة الصين بوقف فوري لإطلاق النار، ومطالبة ولي العهد السعودي بوقف مد إسرائيل بالسلاح وإعادة الحل السياسي للقضية الفلسطينية عبر إعلان دولة فلسطينية على المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وكان لافتا، أمس، إطلاق بابا الفاتيكان تصريحا اعتبر الحرب في غزة «إرهابا».
اتفاق الهدنة، رغم هشاشته واعتباره «مرحلة أولى» هو، ضمن السياق الآنف، نتيجة، غير مباشرة، للضغوط الدولية الهائلة التي تتعرض لها إسرائيل لوقف عدوانها الهمجي على الفلسطينيين، ورغم وجود ثلاث فرق عسكرية إسرائيلية في غزة الآن، فإن الاتفاق يعبّر أيضا، عن تماسك «حماس» العسكري، وقدرتها على خوض مفاوضات شاقة مع عدو تلتزم أكبر قوى الأرض العسكرية والسياسية بدعمه.
البناء على هذه «الهدنة» بهذا المعنى، هو استكمال لهذا الجهد البشريّ الهائل الذي ينخرط، بشكل كبير، في صراع عالميّ، تمثّل غزة بؤرته، ولكنّ تداعياته ستنعكس على البشرية.