مع استمرار هجمات الحوثيين، قررت المزيد من الشركات اتخاذ انعطافات مكلفة حول أفريقيا، مما يزيد من الحاجة الملحة لتعزيز التدابير الأمنية المحلية.
بعد أن كثّف الحوثيون في اليمن هجماتهم على السفن التجارية الأسبوع الماضي، علّقت بعض أهم شركات تشغيل الخطوط البحرية في العالم عمليات العبور في البحر الأحمر وخليج عدن، في حين رفعت شركات التأمين البحري أسعارها المتعلقة بمعدلات مخاطر الحرب إلى مستوياتٍ أعلى. وما زالت بعض السفن تسلك هذه الطرق، لكن المزيد والمزيد من الشركات قررت القيام برحلات طويلة حول “رأس الرجاء الصالح”، مما أدى إلى زيادة وقت عبورها والتسبب في تأخير التسليم.
ويقول الحوثيون إن هجماتهم الأخيرة تهدف بشكلٍ صارمٍ إلى دعم حركة “حماس” ضد إسرائيل، لكن نطاق تأثير حملتهم توسّعَ لا محالة. فبعض السفن المستهدَفة لها صلات غير واضحة بإسرائيل أو غير قائمة معها. لكن حتى في حالات ثبوت علاقة هذه السفن بإسرائيل، تكون الشركات المعنية أيضاً من الجهات التي تمارس التجارة على مستوى العالم. وبالتالي، ترتجع أصداء حملة الحوثيين في قطاع الشحن كما كان متوقعاً.
الهجمات الأخيرة على السفن
شملت الموجة الأخيرة من هجمات الحوثيين على السفن التجارية إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة بالإضافة إلى محاولات الصعود على متن السفن باستخدام الزوارق. وفي الفترة بين 12 و18 كانون الأول/ ديسمبر، تعرضت سبع سفن على الأقل للهجوم أو التهديد في جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب وهي: ناقلة النفط/الكيماويات التي ترفع علم النرويج “ستريندا” (Strinda) (“المنظمة البحرية الدولية” 9330771)، وناقلة النفط/الكيماويات التي ترفع علم جزر مارشال “أردمور إنكاونتر” (Ardmore Encounter) (“المنظمة البحرية الدولية” 9654579)، وسفينة الحاويات التي ترفع علم هونغ كونغ “ميرسك جبرلتار” (Maersk Gibraltar) (“المنظمة البحرية الدولية” 9739692)، وناقلة النفط/الكيماويات التي ترفع علم جزر كايمان “سوان أتلانتيك” (Swan Atlantic) (“المنظمة البحرية الدولية” 9790464)، وثلاث سفن حاويات ترفع علم ليبيريا هي “الجسرة” (Al Jasrah) (“المنظمة البحرية الدولية” 9732321)، و”إم إس سي ألانيا” (MSC Alanya) (“المنظمة البحرية الدولية” 9785483)، و”إم إس سي بلاتينوم 3″ (MSC Platinum III) (“المنظمة البحرية الدولية” 9336165). وأبلغت سفينة أخرى، هي سفينة الحاويات التي ترفع علم بنما “إم إس سي كلارا” (MSC Clara) (“المنظمة البحرية الدولية” 9708693)، عن وقوع انفجار في المياه بالقرب من موقعها في 18 كانون الأول/ ديسمبر، لكنها لم تبلغ عن وقوع أضرار.
Open imageiconMap showing recent Houthi attacks on Red Sea shipping and alternative African sea routes.
Attack locations based on reports from the United Kingdom Maritime Trade Operations (UKMTO).
وكانت اثنتان من ناقلات النفط/الكيماويات تحملان زيتاً نباتياً ووقوداً حيوياً، بينما كانت الناقلة “أردمور إنكاونتر” محمّلة بوقود الطائرات النفاثة حين نجت بصعوبة من التعرض لصواريخ الحوثيين بالقرب من مضيق باب المندب في 13 كانون الأول/ديسمبر. وعلى الرغم من عدم وقوع أي وفيات أو حدوث تسرب نفطي حتى الآن، إلّا أن المخاطر المرتبطة بمهاجمة مثل هذه السفن لا تزال مرتفعة.
علاقة السفن بإسرائيل
تعود ملكية الناقلة “أردمور إنكاونتر” إلى شركة “أردمور شيبينغ” (Ardmore Shipping) التي يقع مقرها في إيرلندا، ومن بين مستثمريها البارزين الملياردير الإسرائيلي عيدان عوفر. وقد تم استهداف هذه السفينة عند إبحارها من الهند إلى السويد؛ فربما كان الحوثيون على علمٍ بخلفيتها، لكنهم لم يعلنوا عن مثل هذه الادعاءات. كما يملك عوفر شركة “إيسترن باسيفيك شيبينغ” (Eastern Pacific Shipping) السنغافورية، و”له مصالح في الناقلات وناقلات السوائب وسفن الحاويات وناقلات الغاز”.
وقد توصلت شركات شحن عملاقة أخرى إلى اتفاقيات تعاون مع شركات إسرائيلية. على سبيل المثال، أعلنت شركة “إم إس سي” التي يقع مقرها في سويسرا – والتي تدير سفينة الحاويات “إم إس سي ألانيا”، التي استُهدفت في 15 كانون الأول/ديسمبر – عن إبرام صفقة مع شركة “زيم” (Zim) في أيلول/سبتمبر.
ليست الملكية هي العنصر الوحيد الذي يجب أخذه في الاعتبار عند تقييم عمليات الاستهداف التي ينفذها الحوثيون. على سبيل المثال، عندما أصيبت الناقلة “ستريندا” بصاروخ في 11 كانون الأول/ديسمبر، كان المراقبون في البداية في حيرة من أمرهم بشأن السبب الذي دفع جماعة الحوثيين إلى اختيارها. وفي اليوم التالي، أصدرت الشركة المسجلة التي تملك السفينة، وهي “ج. لودفيغ موينكلز ريديري” (J. Ludwig Mowinckels Rederi)، بياناً أشارت فيه إلى الدافع المحتمل وجاء فيه ما يلي: “لا توجد صلة إسرائيلية بملكية السفينة أو إدارتها. لكن مستأجري السفينة رشحوها مبدئياً لشحن البضائع من [ميناء] أشدود [الإسرائيلي] في كانون الثاني/يناير”.
التأثير على التجارة العالمية
تشمل الشركات التي قررت مؤخراً إيقاف العبور بشكلٍ مؤقتٍ عبر البحر الأحمر وخليج عدن بعض الشركات العالمية الكبرى مثل “سي إم أيه – سي جي إم” (CMA CGM)، و”هاباج لويد” (Hapag-Lloyd)، و”ميرسك” (Maersk)، و”إم إس سي” (MSC)، والشركة العملاقة في مجال الطاقة “بي بي” (BP). وفي الوقت نفسه، أوقفت شركة “أورينت أفرسيز لخطوط الحاويات”/”أو أو سي إل” (Orient Overseas Container Line/OOCL)، التي تسيطر عليها شركة الناقلات والشحن الصينية “كوسكو شيبينغ” (Cosco Shipping)، الشحنات من إسرائيل وإليها في ظل ارتفاع أسعار الشحن البحري.
إن إطالة الرحلات حول رأس الرجاء الصالح ستعني حتماً فترات زمنية أطول، وتأخيرات في عمليات التسليم المخطط لها قبل التغيير، وزيادة التكاليف – والتي تشمل رسوم الميناء وتكاليف الوقود، من بين الرسوم المحتملة. وفي النهاية، سيتم تمرير هذه التكاليف الإضافية إلى المستهلكين.
في 18 كانون الأول/ديسمبر، أعلنت الحكومة الأمريكية عن إنشاء مبادرة جديدة متعددة الجنسيات تُدعى “عملية حارس الازدهار”، تركز على الأمن في البحر الأحمر. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه المبادرة وفرقة العمل الدولية المرتبطة بها ستنجحان في إقناع الشركات برفع تعليق عمليات العبور في البحر الأحمر. ومن المرجح أن يعتمد قرار الشركات على كيفية تعامل فرقة العمل مع المخاطر المحددة التي أدت إلى رفع التكاليف، وهو تقييمٌ قد يستغرق بضعة أسابيع اعتماداً على مدى سرعة بدء استخدام القوة وفعاليتها.
وبالنظر إلى طبيعة الشركات التي تعلن عن تعليق العبور وانعطافات الطرق، فإن هجمات الحوثيين تستهدف بشكل أساسي سفن الحاويات في الوقت الحالي. وتتضح أحدث عمليات تحويل المسار بصورة جيدة من خلال المحنة التي اختبرتها شركة “إم أس سي”. ففي 16 كانون الأول/ديسمبر، غادرت سفينة الحاويات التابعة لها “إم إس سي فيرجينيا” (MSC Virginia) (“المنظمة البحرية الدولية” 9908059) ميناء صلالة العماني في خليج عدن بينما كانت تشير إلى توجهها إلى لاس بالماس في إسبانيا، وفقاً لبيانات “مارينترافيك” (MarineTraffic). ولكن بدلاً من الإبحار عبر البحر الأحمر وقناة السويس، سلكت السفينة الطريق الأطول حول “رأس الرجاء الصالح”. وقد جاء قرار “إم إس سي” بتعليق المرور عبر البحر الأحمر بعد يومٍ واحدٍ من تعرض سفينتها “إم إس سي بلاتينوم 3” (“المنظمة البحرية الدولية” 9336165) للهجوم في 15 كانون الأول/ديسمبر. كما يبدو أن إحدى سفن الحاويات الأخرى التابعة للشركة، وهي “إم إس سي ميشيغان 7” (MSC Michigan VII) (“المنظمة البحرية الدولية” 9196864)، حوّلت مسارها في 20 كانون الأول/ديسمبر – بينما كانت في طريقها من آسيا مشيرةً إلى ميناء فيليكسستو البريطاني، حيث شوهدت وهي تبحر باتجاه أفريقيا بدلاً من البحر الأحمر.
أما بالنسبة إلى التأثير المحتمل على تدفقات النفط، فلا يزال الوضع تحت المراقبة في ظل زيادة أسعار الناقلات. فوفقاً لبيانات “كيبلر” حول طريق الخليج العربي وشمال غرب أوروبا، ارتفع سعر سفن أقصى السويس (Suezmax) – أكبر الناقلات التي يمكنها المرور عبر قناة السويس بعمق كامل – من 3.7 دولار للبرميل في أواخر أيلول/سبتمبر إلى 5.6 دولار للبرميل في الشهر الماضي. وخلال الفترة نفسها، ارتفعت أسعار ناقلات النفط الخام الكبيرة جداً من 1.4 دولار للبرميل إلى 1.8 دولار للبرميل. ويمكن أن ترتفع الأسعار بشكلٍ أكبر بحلول نهاية العام بسبب زيادة علاوات تَحَمّل المخاطرة.
وبما أن مصافي التكرير الأوروبية تعتمد على بعض المنتجين من الخليج العربي (وخاصة العراق والمملكة العربية السعودية) للحصول على أنواع معيّنة من النفط الخام، فيبقى أن نرى كيف ستتعامل هذه المصافي مع التكاليف المرتفعة. فقناة السويس هي الطريق الرئيسي الذي تسلكه تدفقات النفط الخام الخليجية إلى الدول الأوروبية، التي زاد عددٌ كبيرٌ منها وارداته من تلك المنطقة بعد فرض العقوبات المتعلقة بأوكرانيا على قطاع النفط الروسي. وحتى تاريخ كتابة هذا المقال، شوهدت ست ناقلات على الأقل تبحر من العراق إما عبر البحر الأحمر في طريقها إلى السويس، أو تشير إلى القناة عند إبحارها في الخليج العربي وخليج عدن.
Open imageiconChart tracking European oil imports from Iraq and Saudi Arabia.
وعلى الرغم من الأحداث الجارية في البحر الأحمر، فمن غير المتوقع حدوث عمليات تحويل كبرى لمسارات ناقلات النفط في الوقت الحالي، على افتراض عدم تدهور الوضع الأمني بصورة أكثر. وكما قال كبير محللي النفط في شركة “كيبلر” مات سميث لكاتبة هذه المقالة: “نحن نشهد عمليات تحويل متفرقة للمسارات ولكنها ليست واسعة النطاق، ويبدو أننا [سوف] نشهد على الأرجح زيادةً في الأمن بدلاً من الزيادة في إعادة توجيه الرحلات نظراً للعدد الهائل من الناقلات المعنية”.
الانعطافات ليست حلاً مستداماً
بينما بدأت بعض الشركات في تجنب البحر الأحمر وخليج عدن، إلّا أن هذا الخيار غير قابل للاستدامة إلى أجلٍ غير مسمى. فبعض المالكين مستعدون لقبول المخاطر ويرسلون سفن الشحن والناقلات الخاصة بهم عبر هذه الممرات المائية. علاوةً على ذلك، ليس أمام العديد من السفن خيار سوى عبور قناة السويس أو مضيق باب المندب من أجل الوصول إلى وجهات البحر الأحمر والخروج منها، مثل ميناء جدة في المملكة العربية السعودية. فعلى سبيل المثال، إذا اضطرت إحدى السفن المسافرة من جدة إلى ميناء مومباسا في كينيا إلى الانعطاف حول رأس الرجاء الصالح، فستستغرق الرحلة أكثر من عشرين يوماً بدلاً من سبعة أيام. باختصار، يظل البحر الأحمر طريقاً تجارياً حيوياً، ولا بد من اتخاذ تدابير أمنية قوية فيه للحد من ارتفاع مستوى المخاطر، وضمان حرية الملاحة، وتجنب المزيد من العراقيل في سلاسل التوريد.