نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للزميلة في شبكة القيادة الأوروبية، إليزابيث براو، قالت فيه إن البحر الأحمر أصبح منطقة محفوفة بالمخاطر منذ أن بدأ الحوثيون هجماتهم على السفن، فمنذ أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، حولت أكثر من 350 سفينة شحن – بالإضافة إلى جميع أنواع ناقلات النفط وناقلات السلع السائبة وناقلات السيارات والسفن التجارية الأخرى – مسارها إلى طرق أخرى.
ولا شك، حسب الباحثة، أن التحركات في البحر الأحمر تفرض تحديات لوجستية هائلة لا تتضمن فقط خرائط جديدة ومزيدا من الوقود، بل أيضا نقل الطواقم والبضائع إلى مواقع انطلاق بديلة.
التحركات في البحر الأحمر تفرض تحديات لوجستية هائلة لا تتضمن فقط خرائط جديدة ومزيدا من الوقود، بل أيضا نقل الطواقم والبضائع إلى مواقع انطلاق بديلة
فقد شهد الممر البحري في البحر الأحمر وعشية أعياد الميلاد هجمات متعددة للحوثيين، بما في ذلك ضد سفينة حاويات مملوكة لسويسرا وناقلة نرويجية. ومع أن المشاكل في البحر الأحمر ليست جديدة بل وضاربة في جذور التاريخ، إلا أن مستخدمي البحر اليوم لن يعولوا على التدخل الإلهي كما في الماضي، ورغم ما تقوم به قوة “حراس البحر” بقيادة أمريكا وإسقاط 12 طائرة هجومية مسيرة وخمسة صواريخ أطلقها الحوثيون، لكن النيران المضادة من القوات البحرية الغربية ردا على هجمات الحوثيين لا تؤدي إلى خلق بيئة الإبحار القابلة للتأجير التي تحتاجها خطوط الشحن.
علاوة على ذلك، ليس من الواضح ما هي السفن التي يمكن أن تتوقع مرافقة. يبدو أن البحرية الفرنسية تعطي الأولوية للسفن التي ترفع العلم الفرنسي، مع أن معظم السفن تبحر تحت علم الملاءمة، وتكون مملوكة في بلد ما وتدار في بلد آخر، ولديها طاقم من الأجانب، وتحمل البضائع بين أماكن أخرى تماما.
إن ما يمكن اعتباره سفينة أمريكية أو فرنسية أو نرويجية في البحر الأحمر يمكن أن يكون غير مؤكد إلى حد كبير. والشحن – والأهم من ذلك، شركات التأمين – يعتمد على تقليل المخاطر. وهذا يعني أن أكبر خطوط الشحن بدأت بدلا من ذلك في تحويل سفنها إلى طرق أخرى. وبحلول 24 كانون الأول/ ديسمبر، كان قد تم بالفعل تغيير مسار نحو 280 سفينة شحن، وكذلك الكثير من ناقلات النفط وناقلات السلع السائبة وناقلات السيارات والسفن التجارية الأخرى.
وهذا يعني أن موكبا مفاجئا من السفن يسلك طريقا أطول بكثير عبر رأس الرجاء الصالح على الساحل الجنوبي الغربي لجنوب إفريقيا. وقال كورماك ماكغاري، المحلل البحري في شركة “كونترول ريسكس الاستشارية”، لمجلة فورين بوليسي: “شركات الشحن مشغولة للغاية في الوقت الحالي. لقد كانوا يعملون خلال أعياد الميلاد، ويغيرون الطرق. أول ما يحدث عندما تقوم بالتحويل هو الجانب القانوني، حيث يسمح بند في عقود الشحن لخطوط الشحن بالتحويل إذا كان هناك خطر حرب. وبعد ذلك عليك أن تقرر المكان الذي تريد تحويل سفنك إليه. إن طريق رأس الرجاء الصالح، الذي تم الاستغناء عنه لرحلات الشحن الطويلة بعد بناء قناة السويس، أصبح فجأة رائجا مرة أخرى”.
السفر عبر رأس الرجاء الصالح بدلا من قناة السويس يضيف 10 إلى 12 يوما من الإبحار
وكما هو معروف فالسفر عبر رأس الرجاء الصالح بدلا من قناة السويس يضيف 10 إلى 12 يوما من الإبحار – وطريقا مختلفا تماما على القباطنة وكبار مساعديهم رسمه. ولكن ربما هذا هو الجزء الأسهل. وقال ضابط كبير يعمل على أكبر أنواع سفن الحاويات لمجلة فورين بوليسي: “إن التخطيط لمسار جديد لا يستغرق الكثير من الوقت عند العمل باستخدام الخرائط الإلكترونية، ولكن الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح يجلب اعتبارات جديدة”.
وتشمل هذه الاعتبارات الجديدة والشائكة إيصال الأطقم والبضائع إلى المكان الذي يحتاجون إليه – لأنه في كثير من الحالات، من المقرر أن تنتهي أطقم السفن الحالية من دوراتها وينتظر البحارة الآخرون تولي المسؤولية. وأشار ماكغاري إلى أنه “إذا كنت تتجول في جنوب أفريقيا، فقد تحتاج إلى التوقف في مكان ما أثناء الرحلة للتزود بالوقود وتغيير الطاقم. وإذا كنت تريد تغيير طاقم من مكان ما في جنوب إفريقيا بدلا من مكان ما حول السويس، فأنت بحاجة إلى تغيير المكان الذي يسافرون منه وإليه”. وقال ماكغاري إن السفن قد تغير عادة أطقمها والبضائع بالقرب من القناة. والآن، لا بد أن تحدث التغييرات في أماكن مثل مومباسا في كينيا أو ديربان في جنوب إفريقيا أو دار السلام في تنزانيا أو غران كناريا، إحدى جزر الكناري الإسبانية.
كما تتسبب اضطرابات البحر الأحمر بمشاكل للدول المجاورة. ومع قضاء السفن لأقل وقت ممكن في البحر الأحمر، فإن دولا مثل السودان وإريتريا – التي تقع موانئها الوحيدة على البحر الأحمر – ستكافح من أجل إقناع السفن بالتوقف في موانئها. إن مصر، راعية قناة السويس، تعاني بالفعل. ومع انخفاض حركة المرور عبر القناة، سيصبح الشحن إلى دول البحر الأبيض المتوسط مثل اليونان وإيطاليا وتركيا مرهقا بشكل خاص.
يبدو أن إيران خلصت إلى أن تجربة الحوثيين في البحر الأحمر كانت ناجحة للغاية لدرجة أنها تستحق التكرار في البحر الأبيض المتوسط
ويبدو أن إيران خلصت إلى أن تجربة الحوثيين في البحر الأحمر كانت ناجحة للغاية لدرجة أنها تستحق التكرار في البحر الأبيض المتوسط. وهو ما قاله الجنرال محمد رضا نقدي، القائد المنسق للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، لوسائل الإعلام الإيرانية يوم 23 كانون الأول/ ديسمبر: “سينتظرون قريبا إغلاق البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق والممرات المائية الأخرى”.