كشفت بيانات شركات متابعة الشحن البحري العالمي عن دخول عدد من شركات الملاحة الصينية على خط البحر الأحمر بتحويل سفنها من مناطق أخرى إلى خط باب المندب – قناة السويس.
وبحسب ما نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” أمس الخميس، فإن عدداً من شركات الشحن البحري الصينية بدأت تشغيل بعض سفنها على الخط الملاحي الذي يشهد تصعيداً في التوتر منذ بدأت الولايات المتحدة قصف اليمن لوقف تهديدات وهجمات الحوثيين المدعومين من إيران على الملاحة التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن.
وبحسب تقرير الصحيفة، يرى محللون أن شركات الملاحة الصينية تحاول الاستفادة من وقف شركات الشحن الأخرى تسيير سفنها عبر البحر الأحمر لتعمل السفن الصينية على خدمة الموانئ في الخط الملاحي المضطرب.
وتستفيد الشركات الصينية من تراجع عدد سفن الشحن والناقلات للشركات الكبرى التي تعبر البحر الأحمر منذ بدأ الحوثيون تهديد الملاحة في المنطقة منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وزاد التصعيد في الشهر الأخير بعدما بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا التصدي للتهديدات والهجمات بقصف مواقع تابعة للحوثيين في اليمن.
وبحسب أرقام شركة استشارات الشحن البحري “دروري” وشركة خدمات السفن “كلاركسونز” انخفض عدد السفن والناقلات التي تدخل من باب المندب منتصف يناير (كانون الثاني) الجاري بنسبة 90 في المئة عن متوسط عددها في النصف الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي مع تعليق عدد من شركات الملاحة الكبرى مرور سفنها وناقلاتها في المنطقة والتحول إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
سفن الشحن الصينية
من بين شركات الشحن البحري الصينية التي حولت سفنها إلى العمل على خط البحر الأحمر شركة “ترانسفار” للشحن البحري ومقرها في كينغداو بالصين.
وتصف الشركة نفسها على موقعها الإلكتروني بأنها “لاعب صاعد في سوق النقل البحري عبر المحيط الهادئ”، إذ تركز على خطوط التجارة بين الصين والولايات المتحدة.
إلا أن الشركة حولت الآن سفينتين من ثلاث سفن تملكها للعمل على خط البحر الأحمر بين الصين وأوروبا، فتعمل السفينتان “تشونغ غو جي لين” و”تشونغ غو شان دونغ” الآن في الشرق الأوسط، حيث أظهرت مواقع تتبع السفن مرورهما من البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس بنهاية الشهر الماضي في وقت علقت معظم شركات الشحن البحري العالمي المرور من هناك.
يشار إلى أن الحوثيين منذ بدء هجماتهم على السفن أعلنوا أنهم يستهدفون السفن الإسرائيلية أو التي تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية بسبب الحرب في غزة، ولاحقاً بدأوا يهاجمون السفن الأميركية أيضاً، لكن تهديداتهم لا تطاول سفن الشحن الصينية أو الروسية، ومن المعروف أن الصين وروسيا حلفاء لإيران.
وعن ذلك قال المتخصص في شركة معلومات النقل البحري “لويدز ليست إنتليجنس” شيشن شن إن “التفسير الأقرب لتشغيل الشركات الصينية مزيداً من سفنها في المنطقة هو استغلال أنها أقل عرضة لهجمات الحوثيين وبذلك تحصل على نصيب الآخرين من النقل البحري في المنطقة”، مضيفاً أن “هناك مصالح تجارية ثم تظهر هذه الفجوة في التشغيل ويزيد الطلب”، وأعرب عن اعتقاده بأن المصلحة التجارية هي السبب الأكبر.
وتخدم تلك السفن موانئ في المنطقة شهدت تراجعاً منذ تحول شركات الملاحة الكبرى عن خط البحر الأحمر مثل ميناء دوراليه في جيبوتي وميناء الحديدة وميناء جدة وميناء العقبة وميناء العين السخنة.
في الأسبوع الماضي، أعلنت شركة الملاحة البحرية “تشاينا يونايتد لاينز”، ومقرها في يانغبو بالصين، عن بدء خدمة البحر الأحمر السريعة.
وعلق المدير في شركة استشارات الشحن البحري “دروري” بلندن سايمون هيني على زيادة عدد السفن الصينية في المنطقة، معتبراً أن الأمر بمثابة “انتهازية وتصرف عالي الأخطار”، وقال “لكن سفن تلك الشركات الصينية تحرص على أن تسجل بياناتها عبر الأقمار الاصطناعية على أنها صينية لتفادي أي تهديد من الحوثيين، مثلما تعلن شركة “سي ليجند” ومقرها في كينغادو بالصين على موقعها الإلكتروني، أن سفنها ترفع العلم الصيني وتبحر عبر البحر الأحمر بمرافقة قطع من الأسطول الصيني”.
وتشغل الشركة حالياً سبع سفن تربط الموانئ التركية ومن بينها إسطنبول مع الصين عبر البحر الأحمر.
استغلال أو تقديم حلول
إلى ذلك تصر شركات الملاحة البحرية الصينية على أن زيادة عدد سفنها على خط البحر الأحمر يستهدف سد فجوة التجارة بالنقل البحري في المنطقة بعد تفادي شركات الملاحة البحرية الكبرى للخط الاستراتيجي، إلا أن المحللين يرون في ذلك استغلالاً للمصلحة التجارية بالأساس.
وكانت الولايات المتحدة طلبت من الصين التدخل لدى إيران كي تتوقف عن دعم الحوثيين في تهديدهم للملاحة التجارية عبر البحر الأحمر، ومن ثم تخفيف التصعيد في المنطقة، على اعتبار أن العلاقات بين بكين وطهران جيدة، فضلاً عن أنه من مصلحة الصين عودة الملاحة التجارية في الممر المائي المهم الذي تضرر مع تعطل تجارتها مع أوروبا.
يشار إلى أن نحو 30 في المئة من التجارة العالمية المنقولة بسفن الحاويات بين الشرق والغرب عبرت خط بابي المندب – البحر الأحمر – قناة السويس، في وقت تعد الصين أكبر دول مصدرة في العالم، إذ بلغت قيمة صادراتها عام 2022، 3.5 تريليون بزيادة بمقدار 1.5 تريليون دولار عن صادرات الولايات المتحدة ثاني أكبر دولة مصدرة في العالم.
ونتيجة التهديدات والهجمات الحوثية والتصعيد العسكري الأخير في المنطقة تراجعت التجارة العالمية الشهر الماضي بنسبة 1.3 في المئة، ويشكل ذلك ضرراً على الصين ومن بعدها أوروبا أكثر مما يؤثر في تجارة الولايات المتحدة، لكن بكين لم تستسِغ الضربات الأميركية لمواقع الحوثيين في اليمن.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين إن “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يأذن أبداً لأي بلد باستخدام القوة ضد اليمن”، داعياً إلى احترام سيادة وسلامة أراضي الدول المطلة على البحر الأحمر بما فيها اليمن.
لكن بكين أعلنت أنها تعمل على تهدئة التوتر في البحر الأحمر للحفاظ على التجارة الدولية، إذ قال وانغ للصحافيين إن “الصين على اتصال وثيق مع كل الأطراف المعنية وتبذل جهداً إيجابياً لمنع التصعيد”، مضيفاً أنها “تدعو إلى وقف الاستفازازات والهجمات على السفن المدنية وتحث كل الأطراف المعنية على تجنب إشعال الحرائق في المنطقة وأن تضمن معاً أمن وسلامة الممر الملاحي في البحر الأحمر”.