يلفّ الغموض مسار الانتخابات التشريعية المقرّرة في الكويت، منتصف شهر نيسان المقبل، بعد عيد الفطر، وسط ترجيحات بين سيناريوهين: الأوّل أن تُنتج برلماناً قادراً على التكيّف مع قواعد المشهد السياسي الجديد بما يؤدّي إلى الاستقرار المأمول، والثاني أن يعود صقور المعارضة ونوّاب “الأصوات العالية” إلى ممارسة سياساتهم السابقة القائمة على “إطلاق النار المتواصل” على الحكومة، وهو ما سيؤدّي إلى حلٍّ جديد للبرلمان أو خيارات أخرى غير متوقّعة تُعيد الكويت إلى الغرق في دوّامة الأزمات.
يتوجّه الكويتيون إلى صناديق الاقتراع، للمرّة الثالثة خلال 3 سنوات والرابعة خلال 5 سنوات، بعد انتخابات كانون الأول 2020 التي انتهت بحلّ مجلس الأمّة، وانتخابات أيلول 2022 التي انتهت ببطلان مجلس الأمّة ثمّ حلّ مجلس 2020 الذي عاد بقوّة القانون، والانتخابات الأخيرة في حزيران 2023 التي انتهت بمرسوم الحلّ الذي أصدره أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد، منتصف شباط 2024، بعد نحو شهرين من تولّيه مقاليد الحكم منتصف كانون الأول 2023.
الكويت
تعيينات لـ “الربع“
مع تشابه النتائج التي أفرزتها انتخابات 2022 و2023، تدور في الأذهان تساؤلات عن ماهية التغييرات التي سترسيها نتائج الانتخابات الجديدة، ما دامت تُجرى وفق القواعد الإجرائية والقانونية نفسها، وفي ظلّ عدم وجود أيّ انقلاب في المزاج الشعبي من شأنه تغيير المعادلات بشكل كبير.
القاسم المشترك بين آخر اقتراعين هو وجود نهج سياسي واحد، قام على أساس “استرضاء” النواب وشراء سكوتهم وتعطيل “سلاحهم الأمضى” المتمثّل بتقديم استجوابات للوزراء للضغط عليهم أو إسقاطهم، من خلال تقديم ترضيات لهم تتمثّل بتعيين “ربعهم” (أقاربهم وأصدقائهم) في مناصب رفيعة ومواقع ذات نفوذ في الجهاز الحكومي، فضلاً عن تسهيل معاملاتهم، وعلى رأسها ما يُعرف في الكويت بـ”العلاج بالخارج” (يُطلق عليه البعض “سياحة العلاج بالخارج”)، وهو إرسال مريض لتلقّي العلاج في أرقى المستشفيات العالمية (أميركا، أوروبا، آسيا)، على نفقة الحكومة، مع صرف رواتب لمرافقيه، على الرغم من تقدّم القطاع الصحّي في الكويت ومضاهاته للخدمات المقدّمة في أميركا وأوروبا.
مع تشابه النتائج التي أفرزتها انتخابات 2022 و2023، تدور في الأذهان تساؤلات عن ماهية التغييرات التي سترسيها نتائج الانتخابات الجديدة، ما دامت تُجرى وفق القواعد الإجرائية والقانونية نفسها
“الانبطاح” لم يعد وارداً
لكنّ الفارق بين الاقتراعين الأخيرين والاقتراع الجديد، هو أنّ النهج تغيّر، مع تغيّر الأمير والحكومة، ولم يعد وارداً “الانبطاح” الحكومي أمام النواب، وهو ما بدا جليّاً في القرار الأخير للأمير بحلّ مجلس الأمّة، الذي جاء مفاجئاً بتوقيته وإن كان متوقّعاً بمضمونه، ليُكرّس السياسة الجديدة القائمة على “العلاج بالصدمات”. (راجع مقال “أساس” في 21/12/2023 بعنوان “الكويت: العلاج بالصدمات الأميرية“).
كيف تتغيّر النتائج؟
من الصعوبة توقّع نتائج انتخابات مختلفة من دون تغيير في مُعطيَين أساسيَّين:
– الأول يتمثل بالقواعد الناظمة، لجهة تحديد الدوائر وعدد الأصوات التي يدلي بها كل مقترع، إذ إنها حالياً تبلغ 5 دوائر مع صوت واحد لكل مقترع، وبرزت دعوات لتحويلها إلى 10 دوائر وإعطاء صوت أو صوتين للمقترع، لكن الحكومة حسمت الأمر بتأكيدها عدم وجود أي تغيير في الدوائر والأصوات.
– الثاني يتعلّق بعدد اللاعبين في الساحة، إذ إنّ الانتخابات في 2022 و2023 كانت تعتمد بشكل أساسي على “الصوت العالي” و”الملفّات الشعبوية” و”دغدغة المشاعر”، وهو ما سمح للشخصيات التي تحمل نَفَسَاً معارضاً بالوصول بسهولة إلى مجلس الأمّة، في ظلّ غياب أيّ مشروع منافس وانكفاء كثيرين أمام “الموج العالي” آنذاك.
لكن هذه المرّة من غير الواضح هل يستمرّ الانكفاء أو حتى تتواصل اللغة الشعبوية في ظلّ “الحزم” الذي يُظلّل الأجواء في المرحلة الحالية، وهو ما يطرح تساؤلات عن المادّة الانتخابية والشعارات التي ستُرفع، مع غياب أيّ ملفّ حقيقي يصلح أن يكون عنواناً انتخابياً قادراً على الجذب و”اللعب على المشاعر”.
الفارق بين الاقتراعين الأخيرين والاقتراع الجديد، هو أنّ النهج تغيّر، مع تغيّر الأمير والحكومة، ولم يعد وارداً “الانبطاح” الحكومي أمام النواب
تفاؤل أم مفاجآت؟
وفق هذه المعطيات، تراوح الترجيحات بين سيناريوهين، أحدهما مُغرق في التفاؤل، وثانيهما يقود إلى مفاجآت وربّما صدمات أيضاً:
في السيناريو الأوّل، تُفرز الانتخابات مجلس أمّة قادراً على استيعاب القواعد الجديدة، وفهم أبعاد القرار الذي اتّخذته القيادة العليا ويفيد بأنّ قطار التنمية انطلق بقوّة، وأن لا مجال لتعطيله بسبب أزمات صُغرى، وأنّ الكويت يجب أن تلحق بركب شقيقاتها الخليجيات في مسارات التنمية، والانفتاح الاقتصادي، وتعزيز الشراكات، وتنويع الدخل ودعم القطاع الخاصّ لتخفيف العبء عن القطاع العامّ، بما يؤدّي إلى إيجاد موارد غير نفطية تُعزّز الميزانية وتُصلح مسارها وتُنهي حقبة الاعتماد الكلّي على مورد واحد.
بهذه الحالة، يمكن لمجلس الأمّة الجديد أن يستمرّ لفترة الأربع سنوات المحدّدة دستورياً، بحيث يلعب دوره في التشريع المتوازن الذي يخدم المسار التنموي، وفي الرقابة المسؤولة البعيدة عن الشخصانية وتصفية الحسابات و”ليّ أذرع” الوزراء.
في السيناريو الثاني، يكون المشهد مختلفاً تماماً، مع نواب متمسّكين (بغالبيّتهم) بقواعد اللعبة السابقة، وهو ما سيؤدّي مجدّداً إلى حلّ البرلمان في نهاية المطاف، وفق رأي كثير من المراقبين.
إلّا أنّ تأزّم الوضع بعد الانتخابات الجديدة ربّما يدفع إلى خيارات “ثقيلة الوقع”، سبق أن تحدّث عنها الأمير الحالي عندما كان وليّاً للعهد.
هذه المرّة من غير الواضح هل يستمرّ الانكفاء أو حتى تتواصل اللغة الشعبوية في ظلّ “الحزم” الذي يُظلّل الأجواء في المرحلة الحالية
في خطاب ألقاه نيابة عن الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد، في 22 حزيران 2022، عندما أعلن حلّ مجلس الأمّة وإجراء انتخابات في أيلول 2022، قال الشيخ مشعل: “نناشدكم أبناء وطننا العزيز أن لا تضيعوا فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية حتى لا نعود إلى ما كنّا عليه، لأنّ هذه العودة لن تكون في مصلحة الوطن والمواطنين، وستكون لنا في حال عودتها إجراءات أخرى ثقيلة الوقع والحدث”.
على الرغم من مرور أقلّ من عامين بقليل على هذه العبارات، لا يوجد حتى الآن إجماعٌ على تفسيرها، إذ يقول بعض المراقبين إنّها كانت تعبّر عن رؤية الشيخ مشعل الحقيقية بضرورة تصحيح المسار، الذي يبدأ بالمواطنين من خلال حسن اختيار نوابهم، وينتهي بالنواب من خلال تعديل سلوكهم وتغيير نمط انخراطهم في اللعبة السياسية.
ثبت بوضوح أنّ هذا الرأي له ما يدعمه على أرض الواقع، من خلال القرارات التي اتّخذها الشيخ مشعل حتى قبل تولّيه مقاليد الحكم، والتي عكست عدم رضاه عن الواقع القائم.
إقرأ أيضاً: الكويت: نهج الآباء والأجداد يحلّ مجلس الأمة
في هذا السيناريو، تصبح مروحة الاحتمالات واسعة، في حين تضجّ وسائل التواصل الاجتماعي بالكثير من الشائعات، من مثل تعليق عمل مجلس الأمّة من خلال تعليق موادّ في الدستور (وهو أمر حدث مرّتين بتاريخ الكويت في 1976 و1986)، أو تحويله إلى مجلس شورى أو أعيان، أو تحويل الكويت من إمارة إلى مملكة، أو حصر الترشيح والانتخاب بمن يحملون صفة التجنّس بالتأسيس (مادّة أولى). واتّضح أنّ هذه الشائعات لا أساس لها، ولا أرضية لبعضها حتى الآن، وقامت الحكومة بنفي مسألة حصر الترشيح والانتخاب بأصحاب الجنسيات بالتأسيس، كما أنّ الدستور يمنع حصول مثل هذه التغييرات الجوهرية بسهولة.