في المقال السابق طرحنا سؤالاً حول إمكانية بزوغ تفاهم عربي – إسرائيلي حول غزة وإزاء “حماس”، وتوصلنا إلى بعض الاستنتاجات، أهمها رفض الدول العربية، بصورة عامة، أن تدخل في أي تفاهم مع إسرائيل ما زلت الحرب قائمة و”حماس” عائمة. ورفض إيران أي حل لا يشملها، بل أي حل على الإطلاق. وتلكؤ إدارة الرئيس جو بايدن عن حسم خياراتها حيال هذا الصراع بسبب كماشة ضغطي اللوبي الإيراني واللوبي الإسرائيلي عليها. إذاً، في ظل ممنوعات كهذه، هل يبقى أي حل لتفاهم عربي – إسرائيلي حول مستقبل غزة؟ البعض القليل، وأنا منهم، يعتقد بوجود سيناريو ممكن. وهذا نقاشه.
على الإسرائيليين أن يحصلوا على ضوء برتقالي ضمني ومشروط من التحالف العربي، مع العلم أنهم سيحصدون مواقف علنية معارضة عربياً، بالتالي ستظهر إسرائيل بعملياتها وكأنها معزولة، بينما تحظى بقبول الكونغرس وعدم معارضة التحالف العربي. فمن المفترض أن يحصل بميامين نتنياهو على دعم الكونغرس الأميركي الذي سيتوازن مع انتقاد الإدارة التنفيذية، وفي سيناريو كهذا تتم عملية إنهاء “حماس” على رغم قصف إعلامي شديد في ظل عدم وجود قرار أميركي حاسم بمعاقبة الحكومة الإسرائيلية.
ولكن من ناحية ثانية قد يكون هناك غطاء غير علني لعرب الاعتدال بأن يتم الانتهاء من “حماس” كحركة إرهابية تسيطر عليها “الجمهورية الإسلامية”، ولكن بشروط أساس عربية تتلخص بأن تبقى القضية الفلسطينية بالمفهوم العربي، قائمة. ماذا يعني ذلك؟
بالمفهوم العربي أولاً ألا يتم ضم قطاع غزة إلى إسرائيل بأي صورة من الصور، وأن تقوم سلطة فلسطينية من أبناء غزه المعتدلين الذين تقمعهم “حماس” منذ سنوات، ويتم دعمهم كسلطة محلية مستقلة بما يشبه الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا وإقليم كردستان على أن ترتبط في ما بعد بكيان حكومي فلسطيني موحد بعد حل الصراع نهائياً.
وعلى ضوء تصورين كهذين تقوم الدول العربية التي لديها علاقة مع إسرائيل، بخاصة أعضاء “معاهدة أبراهام”، على تأليف أو تشكيل هيئة دعم لسلطة فلسطينية غزاوية جديدة.
كيف تكون مسؤولية إدارة القطاع حتى الوصول إلى اتفاق سلام نهائي؟ بحسب القانون الدولي، مسؤولية إدارة القطاع بعد الاجتياح ستكون على عاتق القوة القائمة، بما فيها المسؤولية الأمنية لإسرائيل في مرحلة أولى، ولكن تتم إحالة المسؤولية المادية – المالية والدبلوماسية للتحالف العربي. هذا في مرحلته الأولى، ولكن في مرحله ثانية، وربما قد تأتي بعد الانتخابات الأميركية، هي أن يكون هناك مؤتمر للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يرتكز على السلطة الجديدة في غزة والسلطة الفلسطينية التي سيتم إصلاحها في الضفة الغربية، ويتم الاتفاق على تشكيل حكومة تنفيذية للفلسطينيين بموافقة الإسرائيليين ووساطة التحالف العربي.
وعلى أساس كهذا تقوم السلطة اللاصلاحية الجديدة بتشكيل قوة ميدانية فلسطينية بتنسيق عضوي مع الحكومة الإسرائيلية من أجل تأمين دفاع وأمن ذاتيين للقطاع، وشرط كهذا يرضي عرب الاعتدال. أما الشرط الثاني، الذي يرضي إسرائيل، فهو أن تدخل السلطة الجديدة “معاهدة أبراهام”، وأن تفتح لها أبواب الدول العربية وحتى الاقتصاد الإسرائيلي، كما كان الوضع سابقاً، ولكن بصورة منظمة، لذا فآلية انتهاء وضع “حماس” هي التي ستقرر تالياً بدء سلطة فلسطينية جديدة في غزة.
ولكن العقبات كثيرة، فـ”حماس”، ومن ورائها “حزب الله” وإيران، ستحاول “إنقاذ” القوات “الحمساوية” عبر وقف إطلاق النار، وهذا سيمنع العرب من التدخل لمصلحة سلطة جديدة، وسيمنع الإدارة من إقناع إسرائيل بأن تقبل سيطرة الحركة على القطاع بصورة عامة.
ولكن من بإمكانه أن يسقط المعادلة هو القرار الإيراني لحماية “حماس”، عبر الإصرار على وقف إطلاق النار، ولكن بالوقت نفسه، يستمر في التهيئة العسكرية للفصائل، ما يعيد إسرائيل إلى المربع الأول، أي الإصرار على الحسم العسكري على رغم إصرار بايدن على منع حسم كهذا.
ولكن أي توافق غير علني بين التحالف العربي وإسرائيل سيحتاج إلى:
1-رفض عربي علني مع انتظار النتائج على الأرض ومعرفة ما إذا كانت إسرائيل قادرة على أن تنهي الموضوع على رغم معارضة بايدن لها.
2-اقتناع إسرائيل بأن الكونغرس سيحميها، وأن التحالف العربي سيؤمن الحياة الاقتصادية لغزة ما بعد “حماس”.
3-اقتناع طهران بأن حربها على إسرائيل ستفقدها التوازنات التي تحتاج إليها في المنطقة.
4-اقتناع المعارضة في الولايات المتحدة الأميركية بأن تدخلها مفيد الآن أم بعد الانتخابات.
وطبعاً هناك حاجة إلى مهندس لكل هذه التطورات التي بإمكانها أن تصطدم بواقع الحاجة لوقف إطلاق نار قد يكون تكتيكياً بانتظار خروج قرارات إقليمية كبيرة، وإذا وقع هذا الاتفاق ولم يحترم وكأنه لم يوقع، لذا، فالأيام الآتية ستقول لنا هل مستقبل وقف إطلاق نار كهذا سيكون كما في لبنان مثلاً على أيام الصراع بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؟ أم أنه بداية لمرحلة جديدة غير معروفة الملامح؟
راقبوا تحركات نتنياهو والمرشد الأعلى، فهما المقرران الأساسيان لاتجاه الأحداث.