على رغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن أخر توريد نوعين فقط من القنابل الثقيلة إلى إسرائيل منعاً لتسببها في قتل المدنيين، فإنه عانى ولا يزال رد فعل عنيفاً ليس فقط من الرئيس السابق دونالد ترمب وخصومه الجمهوريين، بل أيضاً من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة والجماعات اليهودية التي تخشى تحول موقف بايدن من تأييد إسرائيل المطلق في بداية حرب غزة إلى مواقف عقابية في محاولته استرضاء التقدميين في الحزب الديمقراطي وقاعدة ناخبيه التي تحتج على استمرار الحرب. فهل ستنجح جهود اللوبي المؤيد لإسرائيل بما يردع بايدن عن مواصلة هذا النهج؟ أم سيكون من الصعب على الرئيس أن يتراجع عما تعهد به؟
استياء متزايد
بعد يوم من تأكيد الرئيس الأميركي أنه أوقف تسليم بعض القنابل الضخمة إلى إسرائيل التي تستعد لدخول مدينة رفح، التي يعتبرها الإسرائيليون آخر معقل لحركة “حماس” في قطاع غزة، قال بايدن أيضاً في مقابلة مع شبكة “سي أن أن”، إنه لن يوافق على نقل أسلحة هجومية إلى إسرائيل مستقبلاً في حالة قيامها بغزو رفح، مما أشعل استياء مجموعة واسعة من الشخصيات المؤيدة لإسرائيل، واستغلها الجمهوريون المتحمسون لجذب الأصوات اليهودية.
ترمب.jpg
انتقد ترمب المرشح الجمهوري المفترض هذا العام اليهود الأميركيين مرة أخرى لتفضيلهم بايدن (أ ب)
ومن خلال البيانات والتعليقات المتواترة على مواقع التواصل يواجه الرئيس الآن فقدان سمعته المؤيدة لإسرائيل التي رعاها على مدى عقود، كمسألة فخر شخصي له، والتي كان يأمل في الاعتماد عليها في عام الانتخابات لرفع حظوظه في الفوز، وسط تحذيرات من البعض بأن الدعم الذي يتلقاه بايدن والديمقراطيون من المانحين والناخبين اليهود قد ينضب، واستغل الجمهوريون المتحمسون مواقف بايدن الجديدة لجذب الأصوات اليهودية عبر انتقاده وتأكيد دعمهم غير المشروط لإسرائيل.
حملة منسقة
وعلى مدى نحو أسبوعين، شنت جماعات الضغط الموالية لإسرائيل حملة منسقة في الكونغرس وعبر وسائل الإعلام الأميركية في محاولة لمنع إدارة بايدن من تأجيل بعض شحنات الذخائر الثقيلة الموجهة والحيلولة دون توسيع حظر إرسال أسلحة هجومية أميركية لإسرائيل إذا غزت مدينة رفح، وترأست هذه الجهود لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية “أيباك”، التي تعد أقوى جماعات اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، إذ أرسلت منذ البداية مذكرة احتوت نقاط حوار إلى مكاتب أعضاء الكونغرس لتبرير غزو رفح الذي بسببه تم تقييد شحنات الذخيرة، وقالت إن غزو رفح هو السبيل الوحيد للقضاء على “حماس”، وأن إسرائيل ليس لديها خيار آخر لأنه لا يوجد مثال في التاريخ العسكري الحديث لهزيمة قوة مثل “حماس” في رفح من دون دخول المدينة.
وتصف مذكرة “أيباك” الغزو بأنه عملية محدودة تستهدف الحركة، وتشير إلى أن إسرائيل تشجع المدنيين الفلسطينيين على الانتقال إلى المناطق الإنسانية في الشمال في مسعاها للحد من الخسائر في صفوف المدنيين، كما زعمت أن استمرار الحرب في غزة ضروري فقط لأن “حماس” مستمرة في رفض الاستسلام وتحرير الرهائن.
ووصفت “أيباك” في تنبيه لأعضائها تأخير عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل بأنه أمر خطر، وأنه يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في الوقوف بحزم إلى جانب حليفتها إسرائيل بينما تعمل على هزيمة “حماس”.
وامتدت اعتراضات جماعات الضغط الموالية لإسرائيل إلى نطاق أوسع، إذ أعربت جماعات يهودية عدة عن أسفها لتدهور العلاقات بين إسرائيل وأميركا، وقالت “رابطة مكافحة التشهير” إن قرار بايدن يقوض حليفتنا إسرائيل، ويفشل في الضغط على “حماس” ويشجع الإرهاب بينما ينشط “حزب الله” وإيران، المتخصصين في معاداة السامية والصهيونية، كما أعربت الاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية، وهي مظلة تضم منظمات يهودية، عن قلقها من أن يساعد هذا الخلاف “حماس” والقوى الأخرى المدعومة من إيران في المنطقة، ويشجع تكتيكات المماطلة، ويعرض الرهائن للخطر من خلال إضعاف يد إسرائيل التفاوضية في منعطف حرج.
واعتبر مدير الاتحاد الأرثوذكسي في واشنطن ناثان ديامنت أن تعليقات بايدن قوضت أيضاً ادعاءاته التي وردت في خطاب مقبول لمناسبة يوم ذكرى المحرقة في مبنى “الكابيتول”، عندما تعهد بإبقاء ذكرى السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 حية والحفاظ على تاريخه الداعم لإسرائيل بصورة صارمة.
وانتقدت جمعية التعليم الإسرائيلية الأميركية، وهي منظمة مناصرة إسرائيلية تعمل مع الكونغرس، سياسة بايدن في ضوء المساعدات العسكرية الأميركية البالغة 14 مليار دولار التي قدمها الكونغرس أخيراً لإسرائيل، قائلة إن بايدن يتراجع الآن عن دعمه لإسرائيل في لحظة حيوية حاسمة وسط حرب وجودية وهو أمر مثير للقلق.
تحول في رسائل اللوبي
ويمثل ذلك تحولاً في رسائل اللوبي المؤيد لإسرائيل منذ هجوم “حماس” على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، بعدما كان هذا اللوبي يستشهد مراراً بسجل بايدن المؤيد لإسرائيل الذي جعل حياته المهنية مرتبطة بإسرائيل كأمر أساس في هويته السياسية، ويصف نفسه صهيونياً، ويقول إنه كان كذلك منذ أن كان طفلاً، عندما كان والده الكاثوليكي الروماني سعيداً بإنشاء إسرائيل باعتبارها معجزة.
ويقول المدير السابق لرابطة مكافحة التشهير آبي فوكسمان الذي قام بحملة لصالح بايدن، إن الرئيس يواجه خطراً انتخابياً، في الأقل بين الناخبين اليهود، الذين فضلوا الديمقراطيين منذ فترة طويلة، مشيراً إلى أن مبيعات الأسلحة أثناء الحرب هي خط أحمر بالنسبة إلى معظم اليهود الأميركيين في الوقت الحالي.
وردد هذا التحذير الانتخابي حاييم سابان قطب الترفيه الإسرائيلي – الأميركي وأحد المتبرعين الرئيسين للديمقراطيين، إذ بدا وكأنه يلمح إلى أن الدعم اليهودي لحملة بايدن قد ينضب بينما اتهم الرئيس باللعب من أجل أصوات جزء من قاعدته الانتخابية، وقال سابان في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى بايدن تم تداولها على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي “دعونا لا ننسى أن عدد المانحين اليهود الذين يهتمون بإسرائيل أكبر من عدد الناخبين المسلمين الذين يهتمون بـ(حماس)، إن قرار بايدن في شأن تعطيل شحنات الذخيرة لإسرائيل هو قرار سيئ جداً على جميع المستويات”.
مأزق انتخابي
وبدا واضحاً أن بايدن عالق في مأزق انتخابي بين القاعدة الديمقراطية التي تتحول بصورة متزايدة ضد إسرائيل ومخاوف الجالية اليهودية التي تحالفت على مدى عقود مع الحزب ولا تزال داعمة في الغالب لإسرائيل، ويصف كبار الديمقراطيين المؤيدين لإسرائيل ذلك بأنه نذير خطر قد يؤذيه مع المجتمع الأكبر المؤيد لإسرائيل، والذين يتحدثون الآن على مواقع التواصل الاجتماعي عن تغيير مواقفهم لأنهم أصبحوا منزعجين، نظراً إلى أنه لم يقم أي رئيس أميركي بمنع الأسلحة عن إسرائيل كوسيلة للضغط لأكثر من 40 عاماً.
وعلى سبيل المثال، عبر منتدى السياسة الإسرائيلية، وهو مجموعة تكرس نفسها للوصول إلى حل الدولتين ولديه مجلس إدارة مليء بالمانحين للديمقراطيين، عن شعور المجموعة بالإحباط بسبب الحجب الجزئي للدعم العسكري الأميركي عن إسرائيل في حين أن التهديدات من “حماس” والجهات الفاعلة الأخرى المعادية لإسرائيل لا تزال حادة، في وقت يجب أن تكون فيه الشراكة الأميركية – الإسرائيلية في أقوى حالاتها.
كما عبرت “الغالبية الديمقراطية من أجل إسرائيل”، التي تدير لجنة العمل السياسي التي جعلت دعم بايدن لإسرائيل محورياً في دعوتها، عن شعورها بقلق عميق، وقالت، في بيان، إن التحالف الأميركي – الإسرائيلي القوي، الذي أنشأه الرئيس بايدن، يلعب دوراً مركزياً في منع مزيد من الحروب وجعل الطريق إلى السلام النهائي ممكناً، ولهذا يصبح التشكيك في قوة هذا التحالف أمراً خطراً.