اياد العناز
جرت قبل عدة أيام لقاءات ومباحثات مع الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الإيراني في العاصمة ( مسقط) عبر الدور العربي الذي يقوم به المسؤولين في وزارة الخارجية العُمانية، وهي أول جولة من الحوارات الغير مباشرة بعد اللقاءات الثنائية التي تمت منتصف كانون ثاني 2024 والتي تأتي بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة في الثالث عشر من نيسان 2024 ردًا على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق والذي أدى إلى مقتل (7) من قيادي وضباط الحرس الثوري.
حضر المباحثات عن الجانب الأمريكي ( بريت ماكغورك) مستشار الرئيس جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط و(أبرام بالي) القائم بأعمال المبعوث الأمريكي لإيران، ولم يتم الكشف عن أسماء الوفد الإيراني الذي حضر إلى عُمان.
سعى الأمريكان إلى طرح موضوع تهدئة الأوضاع وإيقاف التصعيد في المنطقة والبدأ بمفاوضات جديدة حول إنهاء ملف البرنامج النووي الإيراني وتوقيع اتفاق جديد يرضي جميع الأطراف، وهذا الرأي يتلائم والمصالح الإيرانية التي تسعى للحفاظ على نظامها السياسي وحلحلة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الشعوب الإيرانية برفع الحصار الإقتصادي وإطلاق الأموال المجمدة وبناء علاقات دولية إقليمية قائمة على أساس التعاون وعودة الدور الإيراني وتأثيره على مجمل الأحداث التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط.
ترى الإدارة الأمريكية الحالية انها بحاجة إلى دور حاسم لبعض قضايا المنطقة وأهمها العلاقة مع إيران لتحقيق مكاسب انتخاببة تفضي إلى فوز الرئيس الأمريكي بايدن بولاية ثانية، وهي ما تتناغم مع المنفعة الإيرانية في الخشية من فوز ترامب بالانتخابات القادمة وهو الذي يتوعد النظام الإيراني بالتصدي لمشروعه السياسي في التمدد والنفوذ وتصعيد العقوبات الإقتصادية ضده.
يطالب النظام الإيراني بضمانات أمريكية بعدم العودة للعقوبات الإقتصادية والإنسحاب من أي اتفاق للبرنامج النووي، وهذا ما لم تفعله الإدارة الأمريكية الحالية التي لا تزال تلاقي ضغوط سياسية كبيرة من أعضاء الحزب الجمهوري بعدم توقيع أي اتفاق مع إيران وطرح الموضوع عبر المناظرات القادمة بين الرئيسين بايدن وترامب.
وبغية إنجاح المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الإيراني، فقد غضت النظر الإدارة الأمريكية عن قيام إيران بتصدير النفط والغاز عبر العديد من الوسائل والطرق التي تتبعها في التغلب على العقوبات، ولا زالت الصين تستقبل يوميًا ما يقارب 1،500 برميل من النفط وبأسعار تفضيلية وكذا الحال مع الهند، مع السماح بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪، على أن تُبقى الحال كما هو حتى نهاية الأنتخابات الأمريكية.
ووفق معلومات دقيقة خاصة بمركز الروابط للدراسات الاستراتيجية فقد كان من المؤمل والمتفق عليه أن تدون جميع الفقرات المتعلقة باتفاق جديد للبرنامج النووي في الثامن تشرين الأول 2023، إلا أن الأحداث التي جرت في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة أوقفت إجراءات التوقيع بسبب الموقف الأمريكي مما جرى في المنطقة.
وقبل المفاوضات الأمريكية في مسقط لوحت إيران بتغيير عقيدتها النووية على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني المسؤول عن الأمن النووي (أحمد حق) حينما قال في خضم المواجهة العسكرية المباشرة بين طهران وتل أبيب، إن (التهديدات الإسرائيلية قد تدفع طهران إلى مراجعة عقيدتها النووية والانحراف عن اعتباراتها السابقة)
وهذا ما أكده أيضا
كمال مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي بقوله (لم نتخذ بعد قرارا بصنع قنبلة نووية، لكن إذا أصبح وجود إيران مهددًا، فلن يكون هناك أي خيار سوى تغيير عقيدتنا العسكرية)
وأضاف أن طهران لمحت بالفعل إلى امتلاكها القدرة على صنع مثل تلك الأسلحة.
وفي تقرير قُدم خلال الإجتماع الأخير لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في آذار 2024 ، قالت الوكالة ( إن مخزون إيران المقدر من اليورانيوم المخصب وصل إلى 27 ضعفًا من الحد المنصوص عليه في اتفاق 2015، وإنه لا يمكن للوكالة الجزم والحسم بالتزام إيران بنود الاتفاق النووي لعام 2015).
وبلغ مخزون إيران من اليورانيوم المخصب 5.5 طن في شباط 2024 وفقا لأحدث تقرير ربع سنوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة التي مسؤولة عن تفتش منشأت التخصيب.
ان مجمل الأحداث والوقائع التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي إنما تؤسر حقيقة الدور الأمريكي القائم على توظيف هذه الأحداث بما يتلائم والحفاظ على دوره في المنطقة والتمسك بأهدافه في التهدئة وعدم التصعيد واتباع أساليب براغماتية تتوافق والسياسية الإيرانية بما يحقق للطرفين مزيدًا من الوجود والنفوذ وفق الرؤية الاستراتيجية والأهداف العليا للطرفين.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية