الانتخابات الرئاسية الإيرانية بين برغماتية النظام ومستقبله

الانتخابات الرئاسية الإيرانية بين برغماتية النظام ومستقبله

اياد العناز 

يدلي الإيرانيون صباح يوم الجمعة 28حزيران 2024 بأصواتهم عبر صناديق الاقتراع لاختيار رئيساً لهم بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحيته يوم التاسع عشر من آيار 2024، في خضم العديد من الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيراني وتحاول القيادة الإيرانية إيجاد حلول جذرية للتغلب عليها أو مواجهتها ولهذا فقد سعى جميع المرشحين لمنصب الرئاسة باعتماد فقرة رئيسية في برنامجهم الانتخابي تمثل حالة التعامل السياسي الميداني مع رفع العقوبات الإقتصادية والعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوربي واعتبارها قضية محورية في سباقهم الانتخابي، في وقت تصاعدت فيه الإجراءات حول تشديد العقوبات على النظام الإيراني بسبب علاقته المتطورة مع روسيا وموقفه من الحرب في أوكرانيا واستمراره بتزويد روسيا بالصواريخ والطائرات المسيرة وانتهاك حقوق الإنسان عبر الأساليب القمعية التي اتبعها أجهزة النظام الأمنية َوالإستخبارية في مواجهة التظاهرات الشعبية التي اندلعت منذ منتصف شهر أيلول 2022 بعد وفاة الشابة الكردية همسا آميني.
وتباينت آراء المرشحين حول العلاقة مع الغرب والإدارة الأمريكية، فالمرشح الإصلاحي مسعود بازشيكان دعى إلى إقامة علاقات بناءة مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية والبحث عن أدوات حقيقية لإخراج إيران من عزلتها الدولية ويرافقه في جولاته الانتخابية ( محمد جواد ظريف) في أول ظهور لنشاط سياسي ميداني له في دعم تيار الإصلاح الذي يعتبر جزءًا مهمًا منه، في حين تتقارب وجهات نظر ( محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي) من التيار المحافظ حول تعزيز العلاقة مع روسيا والصين وإقامة تحالفات دفاعية وتبادلات تجارية بينهم مع تصعيد حالة التقارب مع الأقطار العربية وخاصة الخليجية واستثمار ما تم توقيعه مع المملكة العربية السعودية في آذار من عام 2023، واتباع سياسة المواجهة وزيادة القدرات النووية وتنشيط فعالية البرنامج النووي الإيراني واعتماده اساس في أي جولات قادمة لإعادة الحوار حول إقرار اتفاقية جديدة بخصوص إنهاء الملف النووي.
ويلتزم جميع المرشحين بالثوابت التي سبق وأن أكد عليها المرشد علي خامنئي بعدم التفريط بما تحقق خلال السنوات الماضية من مكاسب ومنافع لإيران في تعزيز موقعها الإقليمي والدولي باعتماد سياسية الحفاظ على قبضة النظام وديمومة المشروع السياسي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وأن تكون نتائج الانتخابات مواكبة ومتوافقة مع هذه الغايات والأهداف السياسية ومنسجمة معها،والجميع يدرك أن رسم هذه السلوكيات في المشهد الإيراني العام إنما هي من صلاحيات المرشد الأعلى الذي يهيمن على شؤون الدولة داخليًا وخارجياً ويمتلك السلطة الفعلية على القيادات العسكرية والأمنية وما يتعلق بالإعلام وقنواته المختلفة، لهذا فإن القيادة في إيران تعمل على أن يكون الرئيس القادم قريبًا من شخصية أبراهيم رئيسي في إدارته لشؤون الدولة وتنفيذه لما يرغب ويسعى اليه خامنئي، وهذا يعني عدم وجود أي متغيرات سياسية جديدة وإنما العمل على الإلتزام الدقيق بحالة الاستقرار السياسي والحفاظ على بقاء النظام الإيراني وبقاء السلوك السياسي في إدارة الملفات الخارجية رهينة بما يحدده المرشد الأعلى في أسلوب إدارة المفاوضات حول البرنامج النووي ورفع العقوبات الأميركية وإطلاق الأموال المجمدة وتحديد الموقف الإيراني فيما يجري على الأراضي الفلسطينية.
وهذه الثوابت الرئيسية تتطلب أن يكون الرئيس الإيراني القادم من قوى النظام الموالين اسياسته ووضع حلول ميدانية لمعالجة أي متغير علي الساحة الإيرانية ومواجهته إذا ما اشتدت المعارضة الشعبية واستمرت التظاهرات الجماهيرية المطالبة بتحسين الأوضاع المعاشية وإذا لم يتمكن القادم للرئاسة من إيجاد حلول للأزمات التي يعيشها المواطن الإيراني، وأبعاد مسألة تحديد خلافة المرشد علي خامنئي في هذه المرحلة وحتى ما بعد أشهر من نتائج الانتخابات او ما ستسفر عنه المتغيرات السياسية في المنطقة.
الهدف المرحلي الأهم للمرشد هو المشاركة الفعلية في الانتخابات والتي يحق لجميع المواطنين الإيرانيين البالغين من العمر 18 سنة فما فوق التصويت فيها وهذايعني أن أكثر من 61 مليوناً من سكان إيران البالغ عددهم أكثر من 85 مليوناً مؤهلون للإدلاء بأصواتهم، وهو هدف يسعى إليه النظام بذهاب المواطنين بإعداد مقبولة إلى مراكز الاقتراع والعمل على أن تكون نسبة المشاركة 60٪ عن ما شهدته عملية الانتخاب السابقة وتدني الحضور الشعبي في اختيار أبراهيم رئيسي ، ولهذا فقد عملت هيئة صيانة الدستور على اختيار شخصية اصلاحية تمثلت ب ( مسعود بازشيكان) في محاولة منها وتوجيه من القيادة الإيرانية لدعم الحضور الجماهيري للانتخابات،والسعي لتهدئة الأوضاع داخليًا وتوجيه الأهداف والغايات بما يحقق انسيابية المشاركة والمحافظة على شرعية النظام وأن تبقى سياسية النظام بيد المرشد علي خامنئي، وهذه هي السياسية الفعلية والميدانية التي يتصف بها النظام الإيراني عبر عدة عقود من الزمن والتزام بمبدأ ( البرغماتية الحاضرة).

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية