الباحثة شذى خليل*
أعلنت إيران عن زيادة كبيرة في صادراتها إلى العراق المجاور في الربع الأول من العام الإيراني، الذي يبدأ في 21 مارس. وفقًا لمسؤول تجاري إيراني كبير، فرزاد بيلتان، ارتفعت صادرات إيران إلى العراق بأكثر من 27٪ على أساس سنوي في الربع المنتهي في 20 يونيو، لتصل إلى ما يقرب من 3 مليارات دولار. يسلط هذا الإعلان الضوء على تعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين ويبرز التركيز الاستراتيجي لإيران على تعزيز علاقاتها التجارية الإقليمية في ظل العقوبات الدولية والتحديات الاقتصادية المستمرة.
السياق التاريخي
كانت العلاقة بين إيران والعراق معقدة، تتأرجح بين الصراع والتعاون. بعد الحرب العراقية الإيرانية المدمرة (1980-1988)، بدأ البلدان تدريجياً في إعادة بناء علاقتهما، مع التركيز على التعاون الاقتصادي كركيزة أساسية للعلاقات الثنائية. فتح الإطاحة بصدام حسين في عام 2003 وتأسيس حكومة جديدة في العراق فصلاً جديدًا في العلاقات بين إيران والعراق، مما أتاح فرصًا أكبر للتعاون الاقتصادي والسياسي.
في السنوات الأخيرة، برزت إيران كواحدة من أهم الشركاء التجاريين للعراق. هذه الشراكة الاقتصادية مفيدة للطرفين: يعتمد العراق على السلع الإيرانية لتلبية احتياجاته المحلية، بينما تنظر إيران إلى العراق كسوق حيوي لصادراتها، خاصة في ظل العقوبات التي تحد من تجارتها مع العديد من الدول الأخرى.
تحليل الأرقام التجارية الأخيرة
تظهر الأرقام الأخيرة زيادة كبيرة في حجم وقيمة الصادرات الإيرانية إلى العراق. صدرت إيران ما يقرب من 3 مليارات دولار من البضائع إلى العراق في الربع الأول من عامها المالي الحالي، مما يمثل زيادة بنسبة 27٪ مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. يمكن أن تعزى هذه الزيادة إلى عدة عوامل:
السياسات الاقتصادية الاستراتيجية: ركزت إيران بشكل استراتيجي على توسيع تجارتها مع الدول المجاورة للتخفيف من تأثير العقوبات الدولية. العراق، الذي يشارك إيران حدودًا طويلة، هو شريك طبيعي في هذا المسعى.
تنوع الصادرات: تشمل صادرات إيران إلى العراق مجموعة واسعة من السلع. يمثل الغاز الطبيعي الجزء الأكبر، حيث تم تزويد العراق ب1.21 مليار دولار من الغاز عبر الأنابيب خلال الأشهر الثلاثة حتى نهاية يونيو. بالإضافة إلى ذلك، وصلت شحنات الصلب إلى 223 مليون دولار، بينما ارتفعت صادرات المنتجات الغذائية الزراعية الرئيسية إلى ما يقرب من 215 مليون دولار. هذا التنوع يساعد على استقرار التدفقات التجارية ويقلل من الاعتماد على سلعة واحدة.
البنية التحتية والخدمات اللوجستية: ساعد تطوير البنية التحتية وشبكات الخدمات اللوجستية في تسهيل التجارة بين البلدين. جعلت الروابط المحسنة في النقل وإجراءات الجمارك المبسطة من السهل دخول السلع الإيرانية إلى السوق العراقية.
أرقام الواردات والميزان التجاري الثنائي
في مقابل أداءها القوي في التصدير، بلغت واردات إيران من العراق خلال الربع المنتهي في يونيو 107 ملايين دولار، بزيادة قدرها 25٪ مقارنة بنفس الفترة من عام 2023. على الرغم من أن هذه زيادة ملحوظة، إلا أن الميزان التجاري لا يزال يميل بشكل كبير لصالح إيران. يعكس هذا العجز التجاري الهياكل الاقتصادية المختلفة وقدرات الإنتاج للدولتين. يعتمد اقتصاد العراق، الذي يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط، على تنويع محدود، بينما تنتج إيران مجموعة واسعة من السلع للتصدير.
التداعيات المستقبلية
تحتوي الزيادة الكبيرة في صادرات إيران إلى العراق على عدة تداعيات:
المرونة الاقتصادية: تُظهر الزيادة في الصادرات مرونة إيران في مواجهة العقوبات الاقتصادية. من خلال تعزيز العلاقات التجارية الإقليمية، يمكن لإيران التخفيف من بعض الضغوط الاقتصادية المفروضة بواسطة القيود الدولية.
التأثير الإقليمي: غالبًا ما تترجم العلاقات الاقتصادية إلى نفوذ سياسي. من خلال تعميق علاقتها الاقتصادية مع العراق، يمكن لإيران تعزيز نفوذها السياسي في المنطقة. هذا مهم بشكل خاص بالنظر إلى الديناميات الجيوسياسية المعقدة في الشرق الأوسط.
الفوائد الاقتصادية المحلية: تساهم زيادة الصادرات في الاستقرار الاقتصادي المحلي من خلال دعم الصناعات الإيرانية وخلق وظائف. هذا أمر حيوي لبلد يواجه تحديات اقتصادية كبيرة.
يبرز إعلان إيران عن زيادة كبيرة في صادراتها إلى العراق أهمية الشراكات التجارية الإقليمية في استراتيجيتها الاقتصادية. يؤكد السياق التاريخي للعلاقات الإيرانية العراقية، بالإضافة إلى الأرقام التجارية الأخيرة، على تعميق الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين البلدين. مع استمرار إيران في التنقل بين العقوبات الدولية والتحديات الاقتصادية، تمثل تجارتها المتزايدة مع العراق شريان حياة حيوي وأولوية استراتيجية. من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه، مع المزيد من التداعيات على المشهد الاقتصادي والسياسي في المنطقة.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبخوث والدراسات الاستراتيجية