جدّد قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، أول من أمس الجمعة، الدعوة إلى “الحوار” مع الجانب التركي للوصول إلى حل سياسي في سورية، بيد أن الوقائع تشير إلى أن الدعوة إلى حوار بين تركيا و”قسد” لن تجد صدى لها في أنقرة التي تعتبر هذه القوات خطراً داهماً على أمنها القومي لارتباطها مع حزب العمال الكردستاني، عدو تركيا الأول.
حوار منقطع بين تركيا و”قسد”
وقال عبدي، في كلمة مصورة له، الجمعة، إنه “لا يمكن حلّ الأزمة السورية عن طريق العنف والحرب والقتال”، مبدياً الاستعداد لـ”الحوار مع جميع الأطراف وكافة القوى ومن ضمنها تركيا”، مؤكداً دعم قواته أي حوار يفضي إلى وقف الاقتتال والوصول إلى حل سياسي للحرب في سورية. وفي الوقت نفسه، أكد عبدي استعداد قواته “لصد كل أنواع الهجمات على مناطقنا”، مشيراً إلى أن هذه القوات تضم “أكثر من 100 ألف مقاتل في صفوف قواته، يمتلكون ويستخدمون أحدث أنواع التقنية العسكرية”، مؤكداً أنها أقامت “جبهات وتحصينات منيعة”. كما قال إن قواته عملت دائماً من أجل وحدة الجغرافيا السورية ومنع تقسيمها، معتبراً أن سياستها اليوم تحافظ على وحدة الأراضي السورية.
أكد عبدي استعداد قوات “قسد” لصد كل أنواع الهجمات على مناطقها
وهذه ليست المرة الأولى التي تبدي فيها “قسد”، التي تسيطر على الشمال الشرقي من سورية، الاستعداد للدخول في حوار مع الجانب التركي الذي يرفض حتى اللحظة منح هذه القوات أي اعتراف، فهي بنظر أنقرة نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني وتشكل خطراً على الأمن القومي التركي. ولطالما قال عبدي إنه مستعد للحوار مع تركيا، آخرها في مايو/أيار الماضي خلال مؤتمر للعشائر العربية أقيم في محافظة الحسكة. بيد أن عبدي يؤكد في كل مرة أنه غير مستعد لـ”التنازل عن مؤسساتنا”، وأن أي حل سياسي للقضية السورية “لن يكون ممكناً من دون الاعتراف بهذه المؤسسات دستورياً”.
وجاءت دعوة عبدي الجديدة للحوار بين تركيا و”قسد” في خضم مساعٍ روسية لتجسير هوة العداء بين دمشق وأنقرة، وهو ما يشكل خطراً على “قسد” والإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، لا سيما أن هدف القضاء على هذه القوات هو المحرك الرئيسي لتقارب الأتراك مع النظام السوري. وتستند “قسد” حتى اللحظة على موقف أميركي داعم لها يُعدّ خط الدفاع الأبرز عنها إزاء التهديد التركي المتواصل، كون هذه القوات الذراع البرّية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
استعداد لعودة محتملة لترامب
إلا أن عودة الرئيس السابق دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض مطلع العام المقبل لن تكون نبأ جيداً لهذه القوات، كونه غير متحمس للوجود الأميركي العسكري في سورية، وسبق له أن منح الأتراك الضوء الأخضر لشنّ هجوم واسع ضد “قسد” أواخر عام 2019 في شرق نهر الفرات. ولا يبدو أن لدى “قسد” ما يمكن أن تقدمه للجانب التركي الذي يريد تبديد المخاوف من فرض إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرق سورية، وهو ما قد يُغري الأكراد في جنوب شرق تركيا للمطالبة بإقليم مماثل وما يُعتبر من الخطوط الحمراء لدى الجيش التركي. ولم تقبل “قسد”، التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية ثقلها الرئيسي، الإعلان عن فكّ الارتباط عن حزب العمال الكردستاني المصنف لدى الجانب التركي في خانة التنظيمات الإرهابية، بل إن عبدي نفسه أقرّ عام 2020 بوجود كوادر ومسلحين من “العمال الكردستاني” في سورية.
وكانت “الإدارة الذاتية”، وهي الذراع الإدارية والمدنية لـ”قسد”، أجّلت انتخابات محلية كانت تعتزم إجرائها (في يونيو/حزيران) إلى شهر أغسطس/آب المقبل، نتيجة التهديد التركي. وربما لن تقدم “قسد” على إجراء هذه الانتخابات التي من شأنها تعزيز مخاوف أنقرة من قيام إقليم كردي في شمال شرق سورية، ما يدفع الجيش التركي للتوغل مجدداً في الأراضي السورية.
وسبق للجيش التركي أن شنّ عملتين ضد “قسد” بمشاركة مع فصائل سورية معارضة مرتبطة به، الأولى مطلع عام 2018، استولى بعدها على منطقة عفرين شمال غربي حلب، مجبراً “وحدات حماية الشعب” الكردية على الانسحاب باتجاه تل رفعت، شمالي حلب. أما الثانية، فشنّها أواخر العام 2019 في شرق الفرات، مُبعداً “قسد” عن منطقتي تل أبيض بريف الرقة الشمالي ورأس العين شمال غربي الحسكة.
ولطالما هدّد الجانب التركي منذ عام 2020 بشنّ عملية عسكرية واسعة ضد “قسد” التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية ثقلها الرئيسي وتسيطر على الشمال الشرقي من سورية، إلا أن الرفض الأميركي والروسي لأي تغيير لخرائط السيطرة الحالية في سورية لا يزال يحول دون ذلك. واعتمدت أنقرة على حرب المسيّرات ضد “قسد”، حيث شنّت أكثر من حملة ضدها طاولت قياديين وكوادر ومنشآت نفطية.
وتعليقاً على الدعوة لحوار بين تركيا و”قسد” التي وجهّها عبدي الجمعة، رأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هذه أي دعوة للحوار بين تركيا و”قسد” لن تجد صدى في أنقرة”، معتبراً أنه “من المستحيل أن تحاور تركيا مظلوم عبدي، إلا إذا كان هناك وسيط دولي مثل الولايات المتحدة”. وتابع: “مظلوم عبدي لا يمثل دولة والدولة لا تحاور إلا مثيلتها”.
هشام غوناي: هناك رفض كامل إقليمي لقيام أي كيان ذي صبغة كردية في سورية وتركيا وإيران
وفي السياق، قال المحلل التركي هشام غوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن عبدي “يدرك أن الحوار بين تركيا ونظام بشار الأسد يعني نهاية كيانه في شمال شرق سورية، من هنا، فهو يستبق الأحداث”. وتابع: “من الصعب أن تتحاور أنقرة مع مظلوم عبدي في ظل الضغط الكبير على الحكومة لمكافحة الإرهاب. هناك رفض كامل إقليمي لقيام أي كيان ذي صبغة كردية في سورية وتركيا وإيران”.
من جهته، قال محمد موسى، سكرتير حزب اليسار الكردي في سورية، أحد أحزاب “الإدارة الذاتية”، إن ما قاله قائد “قسد” الجمعة “ليس بالأمر الجديد بالنسبة للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية والأحزاب السياسية الكردية”. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد”: “نحافظ على الجغرافيا السورية ونبحث عن حل للقضية الكردية ضمن إطار الوحدة السورية ووحدة الأراضي السورية”. وأكد أن “الأحزاب السياسية الكردية داخل “الإدارة الذاتية”، وحتى التي خارجها، تذهب باتجاه حل سلمي ديمقراطي وعلاقة سلمية من جيراننا”.
وتسيطر “قسد” على نحو ثلث مساحة سورية، حيث تقع أغلب مساحتي محافظتي الرقة والحسكة تحت سيطرتها، إضافة إلى نصف محافظة دير الزور، وجانب كبير من ريف حلب الشمالي الشرقي، شرق نهر الفرات، مع مدينتي منبج وتل رفعت وبعض ريفهما، غرب النهر. وتعد المنطقة التي تسيطر عليها “قسد”، والتي يشكل العرب غالبية سكانها، الأكثر غنى بالثروات، بل ينظر إليها على أنها سورية المفيدة. وتقع أهم وأكبر حقول النفط والغاز تحت سيطرة “قسد”، ولعل أبرزها حقول الرميلان في محافظة الحسكة وحقلا العمر وكونيكو في ريف دير الزور.