بدأت دائرة الخلاف السياسي تتسع في العراق، ففيما ينشغل السنّة بمحاولات حسم الصراع على منصب رئيس البرلمان الشاغر منذ منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أحّيا الزعيم العشائري رعد السليمان، دعوات إقامة إقليم سنّي في محافظة الأنبار الغربية، واعتبر أن غالبية أهالي المحافظات السنية ترغب بإقامة الإقليم، وسط تعمّق الخلاف الشيعي داخل «الإطار التنسيقي» على خلفية إعلان زعيم ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي موقفه المؤيد لإجراء انتخابات مبكّرة.
وفي لقاء تلفزيوني، أعلن السياسي والزعيم العشائري، رعد السليمان، عن وجود تأييد دولي لإنشاء «الإقليم العربي» فيما أشار إلى أن 90 في المئة من أبناء المكون السني في العراق يؤيدون هذا المطلب.
على خلفية ذلك، أرسل زعيم تحالف «تقدم» محمد الحلبوسي، رسالة إلى السليمان، دعاه فيها إلى التخلي عن هذه التصريحات التي من شأنها أن تتسبب في «فتّنة».
وكشف عضو التحالف براء النمر في «تدوينة» له، عن نص رسالة الحلبوسي والتي جاء فيها: «شيخ. شغلك هذا مو (غير) صحيح وغير مقبول ويسبب فتنة ويدخلنا في متاهات نحن في غنى عنها، كما أننا لا نعرف من يقف خلف تصريحاتك الأخيرة».
وأضاف الحلبوسي حسب الرسالة: «الوضع الإقليمي خطر فلا تخلون أو تسمحون لهذه الفتن ان تجعل من مناطقكم وقود نار».
كذلك، علّق أمير عشائر الدليم، علي حاتم سليمان، على مشروع التقسيم الذي تنادي به بعض القيادات السنية، والتوجه نحو إعلان «إقليم الأنبار».
وكتب علي حاتم السليمان، في «تدوينة» له، «لا أحد يفكر أن تكون الأنبار إقليماً في هذا الوقت» مؤكداً أن «من يتكلم بهذا الخصوص يمثل نفسه».
في الوقت ذاته، دعا الأمين العام لكتائب «الإمام علي» شبل الزيدي، إلى عدم إعطاء أهمية لـ«رعد سليمان» بعد حديثه عن «الإقليم».
وقال الزيدي في بيان إن «من المهم الانتباه وعدم اعطاء أهمية للمدعو رعد سليمان لسببين» معتبراً السبب الأول أنه «بعد المتابعة وجدت أن الرجل يسكن في أربيل والقنوات التي ظهر فيها مطالبا بالإقليم معروفة وتابعة لجهة سياسية» في حين اعتبر السبب الثاني بأنه «الأهم، فأنه (السليمان) لا يستحق أن تعطوه أكبر من حجمه فهو لا يملك تأثيرا سياسيا أو اجتماعيا ولا يمثل إلا نفسه».
أما القيادي في حزب «متحدون» أثيل النجيفي، فحذّر من إثارة موضوع الإقليم السُني في محافظة الأنبار.
وقال النجيفي في بيان، إنه «في الأنبار هناك تحرك إعلامي متسرع لإثارة موضوع الإقليم السني يتزعمه شيوخ عشائر، وفي نينوى هناك سعي محموم لإثارة صراع بين العرب والكرد يقوده أحد الفصائل» لم يسمّه.
وأضاف: «أما موضوع الإقليم فأود أن أوضح بأن إقامة الإقليم أكثر تعقيدا من مجرد الدعوة له، أو الاستماع لمشجعين من خارج الحدود، أو تقديم دعم إعلامي يفتقد إلى الإجماع الوطني، ويفتقد القدرة الأمنية على حماية نفسه والقدرة الاقتصادية على استمراره، فضلا عن عدم قناعة مناطق وجماعات سنية كثيرة بالمشروع أو الاختلاف ببعض تفاصيله».
وأكد النجيفي أنه يؤيد «فكرة الأقاليم الإدارية وليست المذهبية» مستدركا بالقول: «حتى هذه الفكرة تحتاج إلى قناعة عراقية شاملة بأهميتها وليست الدعوة إليها من جانب واحد، ولا أجد الوقت مناسبا لإثارتها».
وتطرق النجيفي في بيانه إلى ما أسماه «محاولات إثارة الصراع العربي – الكردي» قائلا، إنه «لا أحد ينكر أن هناك خلافات سياسية، ولكنها صغيرة جدا إذا ما قورنت بالحاجة إلى اتفاقات استراتيجية تضمن سلامة وأمن المواطن والمجتمع».
وحذر من «خطورة انفلات أمني واسع قد يكون أشد مما كان عام 2014» وشدد على عدم السماح «بتحويل المنطقة إلى ساحة صراع بديلة لدول قريبة وبعيدة تكتفي بدعم فصائل مسلحة بالمال والسلاح فيما تتفاوض هي على سلامة أراضيها وأمن شعوبها».
ووفق النجيفي فإن «هذا الوقت ليس مناسبا لإثارة الأزمات، والذين يفرحون لأنهم سحبوا منصبا من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأعطوه للاتحاد الوطني أو لشخص مدعوم من حزب العمال الكردستاني، لن يغيروا شيئا سوى انهم يزجّون محافظتهم في أتون صراع إقليمي لا يدركون عواقبه».
الخلاف السياسي السنّي يأتي امتداداً لخلاف من نوع آخر يعصف بالقوى السياسية الشيعية المنضوية في «الإطار التنسيقي» والناشئ على خلفية دعوة المالكي لإجراء انتخابات مبكّرة.
المحلل السياسي العراقي، محمد علي الحكيم، يقول في حديث لـ«القدس العربي» إنه «بعد الشد والجذب، والصراع الخفي بين بعض الأطراف المنضوية في الإطار التنسيقي بين راغب وداعم لفكرة الانتخابات المبكرة بزعامة زعيم دولة القانون وبين بعض الأطراف الأخرى غير الراغبة بفكرة الانتخابات المبكرة بزعامة رئيس الوزراء السوداني، إلا أن الصراع بينهما وصل لحد لي الأذرع وكسر العظم بين كلا الجناحين وباتت تطفو على السطح».
وأشار إلى أنه «رغم أن تشكيل حكومة السوداني كانت مشروطة طبقاً للمادة الثالثة من (المنهاج الوزاري) الذي تؤكد تغيير قانون الانتخابات وإجراء انتخابات مبكرة لا تتجاوز مدة سنة واحدة من قبل جميع أطراف قوى الدولة (وهو تحالف سياسي يضم جميع القوى السياسية العراقية باستثناء التيار الصدري) الذي يتشكل من أغلب القوى السياسية، إلا أن بعد الاقتراب من انتهاء السنة الثانية من حكومة السوداني، هناك أطراف بسبب سيطرتها على كافة مفاصل الدولة لا ترغب بأجراء انتخابات مبكرة، لعدم خسارتها للمكاسب والمغانم، وضربت المنهاج الوزاري الذي أصبح مادة قانونية وتم التصويت عليه في البرلمان العراقي (عرض الحائط) في إشارة إلى أن القوى السياسية لا تعترف ولا تلتزم بالدستور والقانون، بل ان التوافقات السياسية فيما بين القوى السياسية خلف الكواليس في الغرف المظلمة سيدة الموقف منذ 2003».
ورأى أن «الحديث عن حل البرلمان والانتخابات المبكرة لا يمر إلا عن طريقين، الطريق المألوف (توافق فيما بين القوى السياسية) والطريق غير المألوف (وسيلة ضغط مثل تظاهرات على غرار تشرين أو قرار من المحكمة الاتحادية) لكن الحديث عن الطريق المألوف في هذه المرحلة حديث خرافة بسبب وجود قوى سياسية كبيرة سيطرت على مفاصل الدولة وغير مستعدة بخسارة المكاسب والمغانم مهما كان الثمن».
وأضاف: «في الطريق المألوف والتوافق فيما بين القوى السياسية يحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناء على طلب من ثلث أعضائه، فإذا كانت هناك صعوبة بجمع تواقيع 110 نائبا لتحقيق الطلب، فكيف يمكن حينها الوصول إلى الأغلبية المطلقة لحل البرلمان والتي تتجاوز 165 نائبا للتصويت؟».
وأوضح الحكيم أن «الطريق المألوف الآخر هو بطلب من رئيس مجلس الوزراء وحصول موافقة رئيس الجمهورية، لكن حسب المعطيات السياسية لن يقدم كلاهما على تقديم الطلب، ولذا هذا الطريق المألوف الآخر مغلق أو بحكم المستحيل».
وبذلك، لم يتبق إلا الطريق «غير المألوف» أو ما يسمى «طريق لي الأذرع أو كسر العظم فيما بين القوى السياسية» حسب الحكيم الذي رأى بأنه يتمثل بـ«تقديم طعن للمحكمة الاتحادية بعدم مشروعية استمرار مجلس النواب والحكومة لوجود تصويت ملزم بإجراء الانتخابات المبكرة في المادة الثالثة من المنهاج الوزاري استنادا لأحكام المادة 76 / رابعا وحينها هناك احتمالية لقبول الطعن وتصبح الانتخابات المبكرة بحكم الأمر الواقع».
وأقر بأن هناك صعوبة في تحقيق «الانتخابات المبكّرة» بالطريقين، عازياً السبب في ذلك إلى وجود «قوى سياسية هيمنت بالكامل على مفاصل الدولة، وغير مستعدة ان تخسر المكاسب والمغانم التي سيطرت عليها في زمن حكومة السوداني في ظل إبعاد أغلب القوى السياسية المسيطرة والمهيمنة سابقاً على مفاصل الدولة».
ووفق المحلل السياسي العراقي فإن «القوى السياسية الرافضة لفكرة إجراء الانتخابات المبكرة متيقنة بأنه في حال حل البرلمان وإجراء الانتخابات المبكرة، وعودة التيار الصدري للعملية السياسية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية، لن يكون لها حظوظ للمناورة لحفظ ما كسبتها من مغانم ومكاسب خلال السنوات الأخيرة، لذلك تحاول بشتى الطرق أن تناور لتمديد ولاية السوداني ولو كان الأمر يتطلب عدم تنفيذ (المنهاج الوزاري) المصوت عليه في البرلمان العراقي الذي يعتبر واجب التنفيذ».
وفي مطلع تموز/يوليو الجاري، حذر رئيس ائتلاف «الوطنية» اياد علاوي، من «تفجر الأوضاع» في البلاد نتيجة الخلافات الداخلية، فيما وجه دعوة للقوى السياسية إلى حوار يناقش تعديل مسار العملية السياسية.
وقال علاوي في بيان حينها، «لقد عانى العراق وشعبه الكريم طيلة الفترة الماضية منذ أيام لنظام البائد ولا يزال لغاية الآن من أزمات عديدة وتحديات بالغة التعقيد وسعينا بعد إسقاط هذا النظام الدكتاتوري مع قوى المعارضة الوطنية من أجل بناء عراق ديمقراطي وتحقيق دولة المواطنة، لكن للأسف بُنيت العملية السياسية على أسس خاطئة واعتمدت على المحاصصة والطائفية والتهميش والإقصاء والاجتثاث المسيس، فاستشرى الفساد في كل مفاصل الدولة وانتشر السلاح المنفلت وانعدم الأمن والاستقرار حتى أصبح العراق مسرحاً للصراعاتٍ الإقليمية والدولية، يضاف إلى ذلك تزايد حدة الخلافات والانقسامات، فبعد أن كانت شيعية سنية وعربية كردية أصبحت الأجواء معقدة داخل البيت الشيعي والبيت السني والبيت الكردي وحتى المسيحي والتركماني».
وأضاف أن «بقاء الأوضاع على هذا الحال مع استمرار الخلافات الداخلية يشكل مدعاةً للقلق وخطراً كبيراً قد يؤدي إلى تفجير الأوضاع في أي لحظة وإلى تقسيم العراق، لذا ومن منطلقٍ وطني وخوفاً من انزلاق الأوضاع إلى ما هو أسوأ فأنني أدعو القوى السياسية الوطنية في البلاد إلى عقد مؤتمر وطني للحوار يشارك فيه جميع القوى السياسية والنقابات والاتحادات وشيوخ العشائر العموم وممثلين عن قوى الشعب يناقش قضايا أساسية أهمها تعديل مسار العملية السياسية وتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية والغاء المحاصصة واعتماد مبدأ المواطنة الحقة التي تقوم على أسس العدل والمساواة وسيادة القانون وتعديل بعض الفقرات الدستورية، وبهذا المنطق نضمن حلاً لجميع القضايا والاشكالات».