سفينة طهران ترسو عند مرافئ واشنطن

سفينة طهران ترسو عند مرافئ واشنطن

صباح يوم 27آب 2024 اجتمع المرشد الأعلى علي خامنئي مع حكومة الرئيس الجديد مسعود بزشيكان بعد أن نالت موافقة مجلس الشورى الإيراني وبعدد (19) وزير وعبر جلسة واحدة وهذا ما لم يحصل منذ عقدين من الزمن عندما حصلت الموافقة على حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، واخذ أعضاء المجلس رؤيتهم في الموافقة بعد أن حظيت بالقبول التام من قبل المرشد الأعلى والذي كرر اسمه عدة مرات الرئيس بزشكيان أثناء ألقاء كلمته في جلسة البرلمان ليحيط اعضاؤه علمًا بموافقة المرشد وليمنح أعضاء الحكومة القبول التام.
أتسم اللقاء برؤية سياسية طالما كانت من الثوابت التي اعتمدها النظام وهيكليته الأمنية والعسكرية التي تنبثق من المبادئ التي يحرص عليها في الحفاظ على قبضة النظام واستمراره وسعيه بالعمل على توجيه مشروعه بما يخدم الغايات والأهداف الإيرانية وإثبات مواقفه وحسن نواياه من المصالح الدولية والإقليمية، ولهذا جاء اللقاء بتفويض مباشر من المرشد الأعلى خامنئي للرئيس مسعود بزشكيان باستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي لبلاده، قائلاً: لا يوجد عائق أمام التعامل مع العدو في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية.
يأتي التوجيه في خضم صراعات سياسية ونزاعات عسكرية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي عبر استمرار المواجهات القتالية في الأراضي الفلسطينية وتداعيات اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (إسماعيل هنية)، وهو ما شكل دعمًا واضحًا لكلمة الرئيس الإيراني التي أكد فيها على أن (أول خطوة في عمل الحكومة الجديدة هي تحقيق الوحدة والوفاق الداخلي لحل مشاكل البلاد ومواجهة الأعداء).
ان التفويض الذي أعطاه علي خامنئي للحكومة الإيرانية يعيدنا بالذاكرة السياسية إلى عام 2015 عندما وجه وزير الخارجية الإيراني آنذاك ( محمد جواد ظريف) باستخدام مفهوم المرونة البطولية في تحقيق اتفاق شامل حول البرنامج النووي الإيراني مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب والذي تحقق وفق آلية ( خطة العمل الشاملة المشتركة) المعروفة، وهي اتفاقية دولية حول البرنامج النووي الإيراني تم التوصل إليها في تموز 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 (الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة).
أن التطورات الحاصلة في المنطقة وما آلت إليه من نتائج كبيرة ألقت بظلالها على طبيعة العلاقات والمصالح الدولية، جعلت النظام الإيراني يتجه نحو إعادة تركيبة أهدافه ومنافعه ومكاسبه السياسية وفق رؤيته الثابته وسياسته الواقعية ولهذا أعاد المرشد الأعلى توجيهاته التي سبق وأن أعلنها قبل عقد من الزمن باعتماد المرونة وأنه ( لا ضرر في تعامل إيران مع عدوها)، وهذا ما يؤكد حقيقة المسار السياسي الإيراني الذي يرى في الجانب التعبوي والعقيدة الأمنية التي يتمسك بها النظام طريقًا معبدًا للمضي بمشروعه في التمدد والنفوذ داخل المتطقة وسعيه ليكون دولة إقليمية لها دورها الريادي في معالجة أي من الأزمات التي تعصف بها،وهو ما دعى إليه المرشد الأعلى في حديثه أمام حكومة بزشكيان بقوله ( أن إيران باتت تُعرف بقوتها الإقليمية وتقدمها العسكري وعمقها الاستراتيجي الكبير وقدرتها على التأثير بدول العالم والمنطقة).
ليس بالجديد الانفتاح الإيراني على الولايات المتحدة الأمريكية بل إن هناك لقاءات وحوارات وجلسات غير مباشرة عبر الوساطة العُمانية والتي ناقشت ملفات عديدة منها البرنامج النووي وإطلاق سراح الامريكان المحتحزين لدى السلطات الإيرانية مقابل إطلاق دفعات من الأموال الإيرانية المجمدة ومنع اتساع الحرب في غزة نحو مواجهات إقليمية شاملة، ولكن التفويض الآتي يأتي ضمن سياقات سياسية تعمل فيها إيران على تحديد مسارات علاقتها مع الإدارة الأمريكية ووضع مرتكزات ثابتة لأي متغير قادم في الانتخابات الرئاسية الأميركية
وبعيدًا عن معوقات تعيق تحقيق هذا الهدف، حتى وإن كان على حساب المعاناة التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والتي تدعي إيران أنها حريصة عليهم وعلى مستقبل تحرير أراضيهم، وهذا ما تدركه الولايات المتحدة الأمريكية التي سمحت بوجود مفاوض إيراني في المفاوضات الجارية في العاصمة القطرية ( الدوحة) على أن لايشارك فيها بشكل مباشر ولكنه يتواصل مع المسؤولين القطريين، إيران لا تريد إنهاء المفاوضات المتعلقة بقطاع غزة إلا بعد أن يكون لها دور مستقبلي في أي تحول تشهده المنطقة أو ما يتعلق بالجوانب السياسية والاقتصادية فيها، وأن استعداد إيران لاستئناف الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية إنما هو مقابل ثمن سياسي تنتظره إيران مقابل مقايضة التفاوض معها.
استقبلت وزارة الخارجية الأمريكية توجيه المرشد الأعلى علي خامنئي بنوع من الهدوء الدبلوماسي فاعلنت أنها ( تحكم على إيران من خلال أفعالها لا أقوالها وأن الدبلوماسية افضل طريق للتواصل وحل المشاكل) ولكنها لا زالت ترى أن إيران غير ملتزمة في إيقاف عمليات تصعيد العمل بالبرنامج النووي وفشلها بالتعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث سبق لإيران وأن قامت بتعطيل كاميرات المراقبة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تم تركيبها ومنع بعض من مفتشي الوكالة من دخول الأراضي الإيرانية وتهديد المسؤولون الإيرانيون وخاصة قادة الحرس الثوري باستخدام السلاح النووي،ثم وصول إيران لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ وخزن ألآلآف من أجهزة الطرد المركزي.
أن الولايات المتحدة الأمريكية وفي إدارة قادمة سوف لاتسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي ولكن هناك أمرًا مهما ورئيسيًا نراه سيناقش في أي مفاوضات وحوارات مباشرة مع طهران واشنطن سيكون متعلق بمستقبل ووجود الاذرع الإيرانية من الفصائل المسلحة في عواصم الأقطار العربية ( العراق وسوريا واليمن ولبنان) ومنطقة الشرق الأوسط، وهذا ما يهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والمرشحة كامالا هاريس في حديثهما عن العلاقة القادمة مع إيران.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة