تابعت جميع الادارات السياسية والمنصات الاعلامية وأجهزة الإذاعة والتلفاز والقنوات الفضائية المراحل الأخيرة من الانتخابات الرئاسية الأميركية التي انتهت بإعلان فوز دونالد ترامب بأربع سنوات يقضيها في البيت الأبيض وليكون الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، في عودة أخرى له وببرامج سياسية واقتصادية وحلول جذرية لازمات تحيط بالعالم، ترى أطرافها بريق أمل في إيجاد مسارات لحلها ومنها ما يخص الحرب الروسية الأوكرانية والصراع العربي الإسرائيلي والتمدد والنفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
وما يهمنا هو كيف سينظر الرئيس المنتخب لمشاكل المنطقة وماهي ابجديات المسارات التي سيسلكها في تحديد الأولويات لمعالجتها والأسباب التي أدت إلى توسعها وتأثيرها على حالة الأمن والاستقرار الدولي والإقليمي.
نرى أن المنطقة العربية قادمة لأحداث كبيرة ووقائع ميدانية تعتمد بالأساس على طبيعة المتغيرات التي ستطرأ على كيفية إدارة الرئيس ترامب لها في خضم صراعات مستمرة ومواقف متصاعدة تتعلق بالرؤية الإسرائيلية وبقراراتها الداعية لمواجهة التواجد والنفوذ السياسي الإيراني بالتصدي المستمر لاذرعه وشركائه في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والتي تتلائم وما يطمح إليه الرئيس ترامب في تقويض الدولة الإيرانية والحد من فعالياتها العسكرية وادواتها وفصائلها المسلحة.
إيران تبحث عن أهداف استراتيجية لحل مشاكلها السياسية والاقتصادية وتعمل على رسم ملامح علاقتها القادمة مع الولايات المتحدة الأمريكية،في حين لا يزال الهدف الإسرائيلي والغاية الأمريكية يتحدان في منع إيران من امتلاك السلاح النووي، وهذا ما أعلنه الرئيس دونالد ترامب في برنامجه الانتخابي ولقاءاته المباشرة مع مؤيدية وأعضاء الحزب الجمهوري الذي لا يمانع في إيجاد أي وسيلة لإيقاف خطوات المشروع السياسي الإيراني والعمل باتجاه أضعافه وأدواته والوسائل المعتمدة لديه وخاصة ما يتعلق بكيفية إدارة شبكات الوكلاء المرتبطين بقيادات فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني.
أمام هذه المنطلقات السياسية والأهداف المشتركة هل سيستمر النظام الإيراني في عملية التصعيد أم سيركن للتهدئة وعدم توسيع دائرة المواجهة العسكرية باستمرار جولات القصف المتبادل مع إسرائيل ويتجه نحو أدامة خطوط الاتصال والتواصل مع الإدارة الأمريكية؟
يمكن أن نرى موقفًا ميدانيًا سيحافظ عليه الايرانيون بدفع اذرعهم في العراق من كتائب حزب الله وحركة النجباء والحمزة سيد الشهداء وباقي الفصائل المسلحة المرتبطة بهم على توسيع فعالياتهم على الساحة العراقية واستمرار استخدامهم للطائرات المسيرة نحو العمق الإسرائيلي، وتوجيه المليشيات الأفغانية والباكستانية المتواجدة في الميدان السوري والتي يشرف عليها ضباط من الحرس الثوري الإيراني بتصعيد اعمالهم الهجومية نحو منطقة الجولان وضواحيها وضرب المواقع الرئيسية في أطرافها، في مرحلة ابتعد فيها اركان النظام السوري عن المشاركة الفعلية والدعم السياسي لما يجري في الأراضي الفلسطينية من مواجهات بين مقاتلي حركة حماس والقوات الإسرائيلية، وسيكون وقع التوجيه الإيراني وأثاره واضحة في الساحة السياسة العراقية وسيسبب حرجًا كبيراً للحكومة في بغداد وهي تستقبل فوز الرئيس ترامب في ولاية رئاسة جديدة.
إذا ما استمر التوجه الإيراني الذي يتمسك بالعقيدة الأمنية والعسكرية لمشروعه في التمدد والنفوذ في المنطقة واستغلال الفرص السياسية التي تفرضها الوقائع الميدانية وتوجيه أذرعه بتنفيذ أهدافه وغاياته، فإن الفصائل المسلحة والمليشيات التي ترتبط بالحرس الثوري المتواجدة في العراق ستكون ضمن الأهداف الاستراتيجية القادمة للقوات الإسرائيلية والأمريكية.
إيران تعلم حجم الخسائر التي منيت بها نتيجة الضربة الإسرائيلية للمواقع العسكرية التابعة لمنطومة الدفاع الجوي والصواريخ البالستية والقواعد المسؤولة عن حمايتها وخسارتها لخزانات كبيرة من الوقود الصلب المستخدم في الصواريخ البالستية، وتدرك أن المساحة الجغرافية للميدان الإيراني أصبح مفتوحًا ومتاحًا لأي فعل عسكري، الأمر الذي جعل المرشد الأعلى علي خامنئي يوجه بالاعداد والترتيب الضربة قادمة للعمق الإسرائيلي عبر استخدام صواريخ ( خيبر وفاتح وعماد) بعيدة المدى، ومع توجهات نائب قائد الحرس الثوري الإيراني بتوسيع فاعلية الضربة القادمة من جميع الساحات، فمن الممكن استخدام منصات إطلاق صواريخ متوسطة المدى عبر الأجواء العراقية، وتفعيل جزء من الأجواء السورية عبر إطلاق صواريخ كروز منها.
فهل سنكون أمام توجه إيراني هو الأول في مواجهة انتخاب ترامب أم هناك فعاليات وحركات دبلوماسية نحو إيران لثنيها عن أي تحرك أو مغامرة عسكرية تشعل الأحداث في المنطقة مرة أخرى،مقابل الحصول على مكتسبات ومنافع تخدم السياسة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط وتحافظ على ديمومة واستمرار تأثيرها واستخدام أدواتها لغاياتها ومكامن طموحاتها في أي متغيرات ومفاوضات قادمة تكون طرفًا حيويًا فيها.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية