تسعى إيران لمواجهة أي صعوبات وتبعيات سياسية قد تبدو من قبل الإدارة الأمريكية القادمة وقرارات برفع منسوب العقوبات الاقتصادية وفق سياسية الضغوط القصوى التي اتبعها الرئيس المنتخب ترامب في ولايته الأولى، وتدرس القيادة الإيرانية جميع السبل والوسائل التي تجعلها تعمل على أبعاد أوجه المعاملة القادمة لهامن قبل واشنطن.
ورأت في الزيارة التي قام بها رافائيل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لطهران في الثالث عشر من تشرين ثاني 2024 فسحة لاثبات موقفها الدولي والإقليمي وسعيها للبدأ بفتح صفحة جديدة في العلاقات مع دول العالم والمنظمات العالمية واتباع صيغ فعالة في التمسك بسياسة الحوار والابتعاد عن الحالة التي اتسمت فيها السياسية الإيرانية باظهار القوة والتعنت، واظهار الصورة الجديدة التي تقود بها حكومة الرئيس مسعود بزشيكان إيران مع قرب استلام الرئيس رونالد ترامب لمهامه الرئاسية وتشكيله للإدارة الأمريكية.
وأبدى المسؤولين الإيرانيين رغبتهم وتوجهاتهم بالاستعداد للتفاوض بشأن مستقبل الاتفاق النووي وفق المصالح الأهداف الاستراتيجية لجميع الأطراف وبما يحقق مجالًا رحبًا للعودة للمفاوضات.
وجاءت تصريحات مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية غروسي بعد انتهاء مباحثاته مع الرئيس بزشكيان ووزير الخارجية الإيراني بأنه ( لمس رغبة في إيران للتوصل لاتفاق مع الغرب وهذا يتطلب تعاونًا مع إيران لتأكيد حسن النوايا)، وهو يشير إلى عدم التعاون الإيراني مع الوكالة في مجال اصدار تأشيرات لعدد من مفتشي الوكالة الدولية، وما تضمنه الاجتماع الذي عقده في أيلول 2023 مع وزير الخارجية الإيراني السابق حسين أمير عبد اللهيان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تدرك إيران ان الإدارة الأمريكية القادمة تعلم جيدًا بالتقدم الذي احرزته في عملية تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ وزيادة خزينها من أجهزة الطرد المركزي وتوسعها في برنامجي الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، وتخشى عودة الرئيس ترامب إلى استخدام سياسة الضغط الأقصى معها مما يعيق عملية التقدم الذي احرزته والعودة لفرض العقوبات الاقتصادية عليها، مما يزيد من أزماتها الإجتماعية والضغوط الشعبية والاحتجاجات الجماهيرية على سوء الأوضاع المعاشية وتدني مستوى الحياة وزيادة نسبة التضخم وارتفاع الأسعار ونسبة البطالة بين الشباب،ولهذا عملت على اتباع اسلوب التبادل الحواري والاستماع لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تجتبًا لأي ردود أفعال أمريكية أوربية وعزلة في العلاقات الدولية.
وهو الموقف الذي حاول الرئيس مسعود بزشكيان أن يبديه أثناء لقاءاته وحضوره لجلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول 2024 والحوار الذي دار مع غروسي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بقوله (نحن مستعدون للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل إزالة الشكوك المزعومة حول النشاط النووي السلمي لبلادنا).. واقترب أكثر من إثبات موقف بلاده مما يحيط منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي من صراعات ومواجهات تشهدها الأراضي الفلسطينية والجنوب اللبناني وتأكيده (بأن الحرب لن تكون في صالح إيران والعالم والمنطقة ولا يوجد إنسان عاقل يسعى إلى إشعالها).
تسعى إيران من هذه المواقف السياسية إلى العودة للتعامل بشكل واقعي مع الأزمات التي تشهدها المنطقة وبما يؤمن لها دورًا سياسياً مؤثرًا ومكانة في أي مفاوضات قادمة ومتغيرات ميدانية على الأرض للخروج من عزلتها وإعادة تكوين وضعها وادامة وجود نظامها السياسي وإزالة أي غموض وشكوك بشأن برنامجها النووي والسعي لعمل مشترك مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتكون مفتاح رئيسي يبعدها عن سياسة الترهيب والضغط الأمريكي.
ولاثبات حقيقة الموقف العام للسياسة التي تتبعها حكومة بزشكيان التي تحظى بموافقة المرشد الأعلى علي خامنئي، فسيقوم المدير العام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة منشأتي ( فورد ونطنز) النوويتين للاطلاع عليها ورسم ملامح التطور الحاصل فيها وما له علاقة بتخصيب اليورانيوم والمواد المخزنة من أجهزة الطرد المركزي والتحقق من المعلومات التي أشارت إلى امتلاك إيران صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية بمدى 2000 كيلومتر تهدد السلم والأمن العالمي.
ثوابت السياسة الإيرانية تتمركز في الحفاظ على قبضة النظام واستخدام سياسية التنوع والمناورة في طرح الأهداف واستباق أي مشروع للتدخل في سياستها ومشروعها الإقليمي بالرد الميداني الذي تمثله عملية التقدم في النشاط النووي، وهو الموقف الذي تواجهه إيران في احتمالية صدور قرار من مجلس محافظي الوكالة الدولية بدعم من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لادانتها وعدم تعاونها مع الوكالة وتنفيذ متطلباتها وتأخير عمليات التفتيش واتهامها بزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، نهاية شهر تشرين ثاني 2024.
تتابع إيران تشكيلة الفريق السياسي لإدارة الرئيس ترامب والذي ضم (تعيين براين هوك رئيساً لفريقه الانتقالي للأمن القومي وهو من بين مؤيدي الضغط الأقصى ضد إيران وروسيا والصين، ومايكل والتز مستشارًا للأمن القومي الذي يعتبر من أشد المؤيدين للهجوم على البرنامج النووي الإيراني، إضافة إلى ماركو روبيو بصفته وزيراً للخارجية وهو أحد المعارضين لإيران وروسيا وكوبا وفنزويلا وعمل لمدة 10 أعوام على احتواء الصين)، فعملت على تكوين وإعداد هيئة سياسية وفريق من الدبلوماسيين للتفاوض مع الدول الأوروبية في أي خطوات قادمة تنجح في إعادة الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتكون من ( محمد جواد ظريف وزير الخارجية السابق والمستشار السياسي للشؤون الخارجية للرئيس الإيراني الحالي مسعود بزشكيان وعباس عراقجي وزير الخارجية الحالي ومن المشاركين في جولات وحوارات المفاوضات التي جرت في العاصمة النمساوية ( فيينا) خلال السنوات الماضية، وهي خطوات تتسم بالرؤية الواقعية والبرغماتية السياسية التي تعمل على تهدئة الأوضاع في ظل ادارة الرئيس ترامب.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة