هل مفاوضات إيران مع الترويكا ستوقف آلية الزناد؟

هل مفاوضات إيران مع الترويكا ستوقف آلية الزناد؟

اياد العناز 

ألقت الأحداث المتوالية في إيران بظلالها على المواقف الدولية والإقليمية بعد قرار القيادة الإيرانية بعدم السماح لدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتعامل معهم ورفع كاميرات المراقبة عن المواقع والمنشآت النووية، في إجراء عملي تحاول فيه طهران إظهار قدرتها على المواجهة والتأثير بعد الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية التي طالت العمق الإيراني فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025 ومن بعدها الضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت المنشآت النووية في ( أصفهان ونطنز وفوردو).
ويأتي قرار دول الترويكا الأوربية ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) في بيانها الذي أصدرتها في العشرين من تموز 2025 بدعوة إيران للدخول في مفاوضات جديدة تهدف إلى التوصل لاتفاق شامل بخصوص البرنامج النووي الإيراني وإزالة جميع المخاوف التي تحيط به، في محاولة سياسية ميدانية تسعى لها هذه الدول لإعادة عملية الحوار السياسي المفاوضات الدبلوماسية واحياء جولات اللقاء بين مجموعة (4+1) وإيران، ومنع حالة الخلاف الافتراق مابين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمسؤولين الإيرانيين وإيجاد حلول عملية للتغلب على جميع الانعطافات التي آثرت على استمرار عمل مفتشي الوكالة ومنع عملية الوصول لمرحلة اعلان الترويكا الأوروبية تفعيل آلية الزناد في الاجتماع القادم في الثامن عشر من تشرين الأول 2025 للنظر في مدى التزام إيران تنفيذها لبنود اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي وقعت عليها في منتصف تموز 2015 وإمكانية إحالة ملف البرنامج النووي لمجلس الأمن الدولي إذا لم يحدث أي تغيير وابدل في الموقف الإيراني.
وارادت الدول الأوربية تذكير إيران بما إعلنته في حزيران 2025 من دعوتها إلى عدم القيام بأي أعمال من شأنها أن تزعزع استقرار المنطقة بعد المواجهة الأمريكية الإسرائيلية الإيرانية والامتثال لقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتعامل معها وتنفيذ بنود الاتفاقية الموقعة معها.
وتباينت المواقف الإيرانية من الدعوة الأوربية لإطلاق المفاوضات والحوارات المشتركة، فقد أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن طهران ( ستوافق على استئناف المحادثات النووية مع الولايات المتحدة الأمريكية إذا تلقت ضمانات بعدم تكرار الهجمات)، في حين أوضح محمد صدر الدبلوماسي الإيراني وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام إلى ضرورة (البدء في مفاوضات مع الترويكا الأوربية بشكل سريع وجاد للغاية)،نظرًا للمهلة المحددة بتفعيل آلية ( سناب باك) وأشار ( للعمل فعليًا على خلق ظروف تبعد أوروبا عن تفعيل الآلية).
وأعطى بيان وزارة الخارجية الفرنسية توضيحًا كاملًا وموقفًا ثابتًا بعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل بخصوص إيران، أنه في ( حالة عدم وجود التزام واضح من إيران بحلول نهاية آب 2025، سيكون لفرنسا وألمانيا وبريطانيا المبرر القانوني لإعادة فرض العقوبات الأممية التي ألغيت قبل 10 سنوات)، وتهدد الدول الأوربية بتفعيل آلية (سناب باك) التي يطلق عليها الإيرانيون ( آلية الزناد) بموجب القرار 2231 الذي ينتهي العمل به في تشرين الأول 2025.
أن الموقف الإيراني لا يزال متمسك بالشروط التي تم مناقشتها مع المبعوث الأمريكي (ستيف ويتكوف) الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني في الجولات الخمسة التي تم عقدها في العاصمة العُمانية ( مسقط) ومدينة روما الإيطالية قبل المواجهة العسكرية الإسرائيلية الإيرانية، والتي اضيف لها شرط أخر بعدم تكرار ما حدث يوم الثالث عشر من حزيران 2025، وهو ما تراه بعض الدول الأوربية من الأمور التي ستعقد مستقبل التعامل الأمريكي الأوربي مع إيران.
الإدارة الأمريكية ملتزمة بما اكدته في جميع المفاوضات بضرورة عودة إيران لالتزامها بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3،67٪ وعدم امتلاكها مخزون كبير من اليورانيوم المخصب وتقليل عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في التخصيب إلى ستة الآف جهاز وعدم إجراء أي عمليات لتخصيب تخصيب اليورانيوم في منشأتي ( فوردو وآراك)، وهو الأمر الذي اتفق عليه في تموز 2015، والعمل باتجاه اعتماد الحوار السياسي والمفاوصات الدبلوماسية بعيدًا عن أي توجه لمسار عسكري واستخدام للقوة، ومن الممكن الاتجاه نحو مشاركة فعلية للاوربيين في أي جولة من المفاوضات القادمة بين واشنطن وطهران لتحقيق هدف وغاية أسمى تتضمن صيغة دولية أقوى نحو اتفاق نووي دائم يرضى جميع الاطراف.
إيران تسعى من جانبها لتعزيز المسار الدبلوماسي والحوار السياسي ليضمن لها هدفها الاستراتيجي في الوصول لمرحلة متقدمة تشمل رفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة وبقاء نظامها السياسي، وتدرك إيران أن ملفها السياسي يعتبر من أبرز المهام التي تحظى باهتمام إدارة الرئيس دونالد ترامب في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وتأثيره الإقليمي كونه يحيط بأهم منطقة تحظى باهتمام العالم من حيث التجارة العالمية وحرية الملاحة وتصدير الطاقة.
تعتبر الدعوة الأوربية لإيران بالعودة للمفاوضات حماية لمصالحها وتدعيم وجودها وتحقيق استراتيجية الأمن والاستقرار التي تؤمن حالة انسيابية مسارات التنمية المستدامة والمصالح والمكاسب الدولية والإقليمية ومنع أي توجه قادم لمواجهة أخرى بين إسرائيل وإيران لا ترغب فيها الأقطار العربية وخاصة اقطار مجلس التعاون الخليجي العربي ومنها التوجه نحو إسقاط النظام السياسي الإيراني كونه سيؤدي إلى مشاكل وأزمات اقتصادية واجتماعية تنعكس على أمن واستقرار الدول المحيطة بإيران مع احتمالية تدفق اللاجئين وإيجاد حالة من عدم إمكانية استيعابهم وايوائهم، وهو ما يتعارض مع الأهداف الاستراتيجية الوطنية والطموحات التنموية والرؤى الخليجية العربية في المملكة العربية السعودية الإمارات العربية المتحدة وقطر في رؤيتهم الاقتصادية لعام 2030.
وأمام هذه التحديات والأهداف الميدانية والمصالح المشتركة فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل والتعاون مع الدول الأوربية على استخدام سياسة الضغط القصوى تجاه إيران على جميع الاصعدة الاقتصادية والعسكرية لثنيها عن اتباع سياسة التعنت وإظهار القوة والاتجاه نحو القبول بالمبادرات العملية ذات المسار السياسي للافصاح عن كل ما يتعلق بعمليات تخصيب اليورانيوم وملفات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وإيقاف دعمها للفصائل والمليشيات المسلحة العاملة مع القيادات الأمنية والعسكرية في فيلق القدس والحرس الثوري ضمن إطار ومحور المشروع السياسي الإقليمي الإيراني، المفاوضات ليست هي الغاية الأساسية بل هي الوسيلة الفاعلة للحيلولة دون أي احتمالات مستقبلية لأي عمليات في تطوير فعالية الأنشطة النووية الإيرانية مع ضبط إيقاع حركة ونشاط الأذرع والشركاء الإيرانيين في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وتقليص النفوذ الإيراني في بعض من عواصم الأقطار العربية، مع احتواء السلوك والخطر الإيراني على السلم الإقليمي والسيطرة على تحركات وتوجيهات الأدوات والوسائل المنفذة والعاملة التوازي مع طموحات القيادة الإيرانية لتحقيق غاياتها وحماية مكتسباتها في الإقليم.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة