تحليل اقتصادي لإجراءات التعريفات الجمركية الأمريكية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي والعربي

تحليل اقتصادي لإجراءات التعريفات الجمركية الأمريكية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي والعربي


الباحثة شذا خليل*
في عام 2018، اتخذت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب خطوة كبيرة بإعلان فرض تعريفات جمركية على وارداتها بهدف حماية الصناعة الأمريكية، تقليل العجز التجاري، وتحفيز التصنيع المحلي. رغم أن هذه الإجراءات أثارت في البداية حالة من الذعر المالي العالمي، إلا أن جزءًا كبيرًا منها تم تجميده أو التفاوض بشأنه مع شركاء تجاريين رئيسيين، مما قلل من الصدمة الاقتصادية الفورية.

التأثيرات الاقتصادية للإجراءات الجمركية الأمريكية
1. تأثير على التجارة العالمية والتحالفات الاقتصادية
فرض التعريفات الجمركية أدى إلى رفع تكاليف البضائع المستوردة، مما دفع الدول المتضررة إلى إعادة النظر في شراكاتها التجارية والسعي لتكوين تحالفات جديدة. على سبيل المثال:

الاتحاد الأوروبي واليابان واجها تعريفات حوالي 15% بسبب حجم عجزهم التجاري الكبير مع أمريكا.

المملكة المتحدة وقعت على اتفاق بتعريفات أقل (حوالي 10%)، نظرًا لتوازن تجارة أكثر مع الولايات المتحدة.

هذا التوتر التجاري دفع دولًا مثل الهند، فيتنام والفلبين إلى البحث عن فرص استثمارية وتجارية بديلة خارج السوق الأمريكية لتفادي الأثر السلبي للتعريفات.

2. التأثير على الاقتصادات العربية
الاقتصاد العربي، الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة مع الولايات المتحدة وأوروبا، تأثر بشكل غير مباشر:

التأثير على الصادرات: بعض الدول العربية تصدر منتجاتها للأسواق الأوروبية أو الأمريكية، وارتفاع التعريفات يعني زيادة تكلفة هذه المنتجات، ما قد يقلل من تنافسيتها.

ارتفاع تكاليف الاستيراد: دول المنطقة تستورد العديد من السلع الأمريكية والأوروبية، وبالتالي قد تواجه زيادة في أسعار هذه السلع، مما يضغط على أسعار المستهلكين المحليين ويزيد من التضخم.

تحولات في سلاسل التوريد: مع تغير اتجاهات الاستثمار العالمي بسبب التعريفات، قد تستفيد بعض الدول العربية إذا استطاعت جذب الشركات الباحثة عن بدائل إنتاج أقل كلفة.

3. الآثار المالية والاقتصادية قصيرة وطويلة الأمد في الولايات المتحدة والعالم
على المدى القصير:
سمحت الاتفاقات التي تم إبرامها مؤقتًا بتقليل حالة عدم اليقين في الأسواق، مما دفع الشركات لاستئناف الاستثمارات والتوظيف، وزادت إيرادات الحكومة الأمريكية من الرسوم الجمركية لتصل إلى أكثر من 100 مليار دولار في فترة قصيرة.

على المدى الطويل:
من المتوقع أن تؤدي التعريفات إلى زيادة الأسعار على المستهلكين الأمريكيين، مما يقلص من القدرة الشرائية ويبطئ النمو الاقتصادي. كما قد تقلل الطلب العالمي إذا قلّت الولايات المتحدة من وارداتها.

4. إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية
العديد من الشركات الكبرى مثل آبل قامت بنقل الإنتاج من الصين إلى دول أخرى مثل الهند لتجنب التعريفات الأمريكية، ما يعني تحولًا في مواقع التصنيع العالمي. الدول التي لا تخضع لتعريفات مرتفعة مثل فيتنام والفلبين قد تجذب المزيد من الاستثمارات.

5. مخاطر سياسية واقتصادية محتملة
رغم زيادة الإيرادات الحكومية، فإن ارتفاع الأسعار للمستهلكين يشكل تهديدًا سياسيًا للرئيس الأمريكي، خاصة مع اقتراب الانتخابات. هناك حاجة لإجراءات تعويضية مثل تقديم دعم مالي للأسر ذات الدخل المنخفض، مما يعكس التحديات الاقتصادية والسياسية المرتبطة بالتعريفات.

خلاصة وتأثيرات على الاقتصاد العالمي والعربي
على الاقتصاد العالمي:
أدت السياسات الحمائية الأمريكية إلى زيادة التوترات التجارية، واضطراب في العلاقات الاقتصادية التقليدية، وتحولات في التحالفات التجارية، لكنها لم تؤد إلى أضرار كارثية كما توقع البعض، على الأقل حتى الآن. الأسواق تواصل التكيف، لكن التحديات الاقتصادية مستمرة وقد تتفاقم مع الوقت.

على الاقتصاد العربي:
يتأثر بشكل غير مباشر عبر زيادة تكاليف الاستيراد وضعف تنافسية الصادرات. مع ذلك، يمكن للدول العربية الاستفادة من إعادة توجيه سلاسل التوريد العالمية وتحسين الشراكات التجارية مع دول أخرى، خاصة في آسيا وأفريقيا.

  1. زيادة تكاليف الاستيراد:
    عندما تفرض دول مثل الولايات المتحدة تعريفات جمركية على السلع المستوردة، ترتفع تكلفة هذه السلع. معظم الدول العربية تعتمد بشكل كبير على استيراد منتجات أساسية مثل المواد الخام، التكنولوجيا، والأجهزة. زيادة التكاليف تؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه المنتجات في الأسواق المحلية، ما يرفع تكلفة الإنتاج ويزيد من التضخم.

  2. ضعف تنافسية الصادرات العربية:
    الحمائية التجارية التي تفرضها الدول الكبرى قد تعني أن صادرات الدول العربية تواجه عقبات أو تعريفات في الأسواق العالمية، خصوصًا إذا كانت هذه الدول تعتمد على الأسواق الأمريكية أو الأوروبية. هذا يقلل من قدرة الدول العربية على التصدير ويؤثر على إيرادات العملة الصعبة.

  3. إعادة توجيه سلاسل التوريد العالمية:
    مع تغيّر سياسات التجارة العالمية، تبدأ الشركات في إعادة النظر في طرقها لسلاسل التوريد. هنا يمكن للدول العربية أن تستفيد من هذه الفرصة بجذب استثمارات أجنبية مباشرة، خاصة إذا وفرت بيئة استثمارية جيدة وبنى تحتية متطورة. هذا يعني تحويل بعض عمليات التصنيع أو التوزيع إلى الدول العربية، ما يساعد في خلق فرص عمل وزيادة النمو الاقتصادي.

  4. تحسين الشراكات التجارية مع آسيا وأفريقيا:
    مع توترات التجارة بين الولايات المتحدة ودول أخرى، قد تبحث الدول العربية عن شراكات جديدة مع دول في آسيا وأفريقيا. هذه الشراكات يمكن أن تساعد في فتح أسواق جديدة للمنتجات العربية وتقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية، ما يعزز التنوع الاقتصادي.

  5. التحديات الداخلية:
    لكن لتحقيق هذه الفرص، تواجه الدول العربية تحديات مثل تحسين السياسات الاقتصادية، تطوير البنية التحتية، تحديث القوانين، وزيادة المهارات البشرية. بدون معالجة هذه القضايا، قد تبقى فرص الاستفادة محدودة.

التوصيات الاقتصادية
ضرورة تعزيز التنويع الاقتصادي في الدول العربية للحد من الاعتماد على الواردات والأسواق التقليدية.

تحسين البيئة الاستثمارية لجذب الشركات التي تبحث عن بدائل لمواقع الإنتاج المتأثرة بالتعريفات.

تطوير سياسات تجارية إقليمية لتعزيز التعاون الاقتصادي وتقليل المخاطر الناجمة عن النزاعات التجارية العالمية.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية