تحولات عام 2025 وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي

تحولات عام 2025 وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي

الباحثة شذا خليل*
شهد عام 2025 واحدة من أهم اللحظات التحويلية في التاريخ السياسي والاقتصادي الحديث، حيث مثّل بداية تفكك النظام العالمي الليبرالي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. فقد اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة من القرارات الجريئة التي طالت بنية التجارة الدولية، ومكانة المؤسسات العالمية، والتحالفات الأمنية، ودور الولايات المتحدة القيادي. أدت هذه التحولات إلى خلق حالة من الاضطراب وعدم اليقين، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل في الاقتصاد العالمي بأكمله، مما جعل هذا العام نقطة فاصلة في مسار العلاقات الدولية وتوازنات القوة.

كان لنهج ترامب القائم على الحمائية الاقتصادية وفرض الرسوم الجمركية تأثير مباشر في التجارة العالمية. فقد تزعزعت الثقة في منظمة التجارة العالمية، وبدأت سلاسل الإمداد في التفكك، وارتفعت تكاليف الإنتاج بصورة واسعة، الأمر الذي أدى إلى موجات تضخم في الأسواق العالمية. كما دفعت هذه السياسات الشركات متعددة الجنسيات إلى إعادة النظر في مواقع مصانعها ونقل أجزاء من إنتاجها إلى دول مثل الهند وفيتنام، لتقليل الاعتماد على الصين والولايات المتحدة. وفي المقابل، حاول الاتحاد الأوروبي والصين تعزيز استقلالهما الاقتصادي من خلال رفع الإنتاج المحلي، وزيادة الإنفاق الدفاعي، والاستعداد لعالم أقل استقراراً وتعاوناً.

لم تقتصر آثار هذه التحولات على التجارة فحسب، بل امتدت إلى الأسواق المالية التي شهدت موجات متتالية من التقلبات نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة، وتراجع أسواق الأسهم، وتوجه المستثمرين نحو الأصول الآمنة مثل الذهب والسندات الحكومية. وقد زادت هذه التطورات من الضغط على الاقتصادات النامية التي تعتمد على القروض والمساعدات الدولية. وفي الوقت نفسه، أدى تحويل التحالفات الأمنية إلى علاقات قائمة على الدفع مقابل الحماية إلى زيادة التوترات العالمية، واندلاع سباق تسلح جديد، وتعزيز نفوذ قوى مثل الصين وروسيا في مناطق نفوذ تقليدية للولايات المتحدة.

أما على الصعيد العلمي والتكنولوجي، فقد أثرت هذه التغيرات في مكانة الولايات المتحدة كقوة بحثية رائدة. فقد تعرضت الجامعات لضغوط سياسية ومالية، وتراجع تمويل الأبحاث، وقلت الهجرة الأكاديمية، مما أدى إلى انتقال عدد من الباحثين والعلماء إلى دول تتمتع بقدر أكبر من الاستقرار، مثل كندا ودول الاتحاد الأوروبي. هذا التحول أضعف قدرة الولايات المتحدة على قيادة الابتكار العالمي، في الوقت الذي كانت فيه قوى أخرى تسعى لملء هذا الفراغ.

في ضوء هذه التطورات، أصبح الاقتصاد العالمي بعد عام 2025 أكثر تجزئة وتعقيداً. وتراجع دور المؤسسات الدولية، وازدادت الحروب التجارية، وارتفعت المخاطر الجيوسياسية، مما أدى إلى تباطؤ النمو العالمي بشكل واضح. لقد دخل العالم مرحلة جديدة من التعددية القطبية، حيث لم تعد الولايات المتحدة اللاعب الوحيد القادر على توجيه مسار الاقتصاد الدولي، بل أصبحت جزءاً من مشهد عالمي أكثر تشابكاً وصراعاً.

الخلاصة : تشير تحولات عام 2025 إلى أن العالم يقف أمام مفترق طرق، فإما التكيف مع نظام عالمي جديد يقوم على التنافس الاقتصادي والقطبية المتعددة، أو مواجهة مرحلة أكثر عمقاً من الاضطرابات والصراعات التي قد تمتد لسنوات. إن هذه المرحلة تشكل اختباراً لقدرة الدول والمؤسسات العالمية على إعادة صياغة قواعد التعاون الاقتصادي، واستعادة الاستقرار في نظام يعاد تشكيله من جذوره.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية