النمو الاقتصادي العالمي تحت الضغط: كيف تعيد التوترات التجارية والاختلافات الإقليمية تشكيل الاقتصاد الدولي

النمو الاقتصادي العالمي تحت الضغط: كيف تعيد التوترات التجارية والاختلافات الإقليمية تشكيل الاقتصاد الدولي


الباحثة شذا خليل*

على الرغم من تصاعد التوترات الجيوسياسية وارتفاع الحواجز التجارية وعدم اليقين المستمر في الأسواق المالية، يظهر الاقتصاد العالمي قدرة أعلى من المتوقع على الصمود. حيث يُتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي حوالي 3.1 بالمئة في عام 2025 لينخفض قليلاً إلى 2.9 بالمئة في عام 2026. ويعود جزء كبير من هذا الاستقرار إلى زيادة الاستثمارات في التقنيات الجديدة، خاصة الذكاء الاصطناعي، الذي ساعد على تعويض التباطؤ في إنفاق المستهلكين وتشديد السياسات الاقتصادية.

في الولايات المتحدة، لا يزال الزخم الاقتصادي مستقراً إلى حد ما، على الرغم من أن الرسوم الجمركية الجديدة والقيود على التجارة الدولية بدأت تقلل من القوة الشرائية وترفع أسعار السلع. وقد ساهم الاستثمار في البرمجيات والبحث والتطوير والتقنيات الرقمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في تعزيز ثقة الشركات. كما ساعد ارتفاع أسعار الأسهم في الحفاظ على مستويات إنفاق الأسر. ومع ذلك، فإن انخفاض معدلات الهجرة أدى إلى تباطؤ نمو الوظائف، ويتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى ارتفاع بسيط في معدلات التضخم حتى عام 2026. ومن المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بشكل تدريجي، بينما يعمل مجلس الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة للحفاظ على استقرار سوق العمل.

على المستوى العالمي، تختلف مؤشرات الأداء الاقتصادي بشكل واضح بين المناطق. ففي منطقة اليورو، لا يزال النمو متفاوتاً. حيث تحافظ دول جنوب أوروبا على أداء قوي بفضل السياحة والاستثمارات العامة، بينما تواجه دول شمال أوروبا تباطؤاً نتيجة ضعف قطاع الصناعة والصادرات. وفي اليابان، من المتوقع أن تعطي الحوافز المالية الجديدة دفعة مؤقتة للنمو، ولكن من المحتمل أن يتراجع هذا التأثير مع ارتفاع الأسعار. أما في المملكة المتحدة، فلا يزال النمو ضعيفاً بسبب انخفاض الإنتاجية وتأثير قوة العملة المحلية على الصادرات.

أما الاقتصادات الناشئة الكبرى، فتتصدرها الهند باعتبارها الأسرع نمواً. حيث يدعم ارتفاع الاستثمارات المحلية والإنفاق الاستهلاكي نموها الاقتصادي. بينما تواجه الصين وضعاً أكثر حساسية. فالصادرات مستقرة، لكن الأزمة المستمرة في قطاع العقارات تضعف ثقة المستهلك وتقلل الطلب المحلي. وفي البرازيل، أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى إبطاء النشاط الاقتصادي. أما روسيا، فلا يزال اقتصادها مقيداً بالعقوبات المالية وانخفاض أسعار النفط، مما يحد من قدرتها على تعزيز الإنتاج والتجارة.

لماذا يتوقع تباطؤ النمو في عام 2026؟

يُعزى التباطؤ المتوقع في 2026 إلى زيادة تأثير الحواجز التجارية، وتشديد السياسات المالية العالمية، وعدم اليقين حول مدى سرعة تحول الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي إلى مكاسب إنتاجية ملموسة. وإذا تراجعت ثقة الشركات أو لم تتحقق فوائد الذكاء الاصطناعي بالسرعة المتوقعة، فقد تظهر الآثار السلبية للرسوم الجمركية وتباطؤ الطلب العالمي بشكل أوضح. مما يشير إلى أن متانة الاقتصاد الحالية حقيقية لكنها هشة.

ختاما يمر الاقتصاد العالمي بمرحلة تجمع بين الفرص والمخاطر. فالابتكار التكنولوجي يوفر مصادر جديدة للنمو، لكن التوترات التجارية وضغوط التضخم والتحديات الهيكلية في بعض المناطق لا تزال تؤثر على المشهد الاقتصادي. وسيعتمد تحقيق نمو مستدام على قدرة الدول على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، ودعم الاستثمار في الابتكار، ومعالجة التحديات الأساسية مثل نقص العمالة وعدم المساواة وتجزؤ سلاسل الإمداد العالمية.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية