المناورات البحرية : من القطيعة الدبلوماسية إلى التعاون التركي المصري

المناورات البحرية : من القطيعة الدبلوماسية إلى التعاون التركي المصري

معمر فيصل خولي 

بعد قطيعة دبلوماسية استمرت أكثر من عقد من الزمن بين تركيا ومصر بسبب رفض أنقرة الاعتراف بالواقع السياسي الجديد والمتمثل أنذاك بالإطاحة بحكم ” الإخوان المسلمين” في الثالث من تموز/ يوليو عام 2013م، وأخذت هذه القطيعة أبعادًا عسكرية كادت أن تصل إلى مواجهة عسكرية بين الدولتين في ليبيا ، واقتصادية على خلفية ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، حيث دعمت مصر التكتل اليوناني القبرصي في مواجهة الاتفاق البحري التركي الليبي” في مناطق الولاية الوطنية الليبية” الذي تم إبرامه في 2019م.

ولأن العلاقات الدولية لا تسير على خط مستقيم، ولأن لغة المصالح بين الدول التي قد تكون مدفوعة بعدة اعتبارات اقتصادية وأمنية وعسكرية، هي الأساس في تقييم العلاقات بين الدول .

عادت العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وأنقرة إلى سابق عهدها. وها هي اليوم مصر وتركيا ومن خلال وزارة الدفاع في البلدين أجرتا في 22 وحتى 26 أيلول/ سبتمبر الحالي مناورات بحرية في البحر المتوسط تحت مسمى ” بحر الصداقة”، بهدف تطوير  العلاقات الثنائية ولا سيما في المجال العسكري. وذلك لأول مرة منذ مناورات عام 2009م والتي استمرت حتى عام 2013م.

في تطور يعكس تحولًا مهمًا في سياق العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا، خصوصا في بيئة شرق البحر المتوسط التي شكلت منذ ما اصطلح عليه اعلاميُا بالربيع العربي. مرورًا بأحداث السابع من أكنوبر عام 2023م وحتى يومنا هذا، شهدت مجالًا للتنافس وصراعا وتقاطعت للمصالح والمواقف. ومع هذا التطور اللافت، وبحسب التقارير الصحفية، شاركت تركيا بفرقاطتي “تي جي غي الريس عروج” و”تي جي غي غيديز” والزورقين الهجوميين “تي جي غي إيمبات” و”تي جي غي بورا”، إضافة إلى الغواصة “تي جي غي غور” وطائرتين من طراز “إف-16″.

أما مصر فشاركت بقطع بحرية بارزة أهمها الفرقاطتان “تحيا مصر” و”فؤاد ذكري” اللتان سترسوان في قاعدة أكساز التركية على ساحل المتوسط.

هذه المناورات من حيث توقيتها جاءت بعد عدة أحداث إقليمية وقعت في شهر أيلول/ سبتمبر الحالي، ولعل من أبرزها افتتاح أثيوبيا سد النهضة بشكل رسمي، والعدوان الإسرائيلي على قطر، واتفاقية الدفاع المشترك بين المملكة العربية السعودية وباكستان. وليس بالضرورة أن تكون المناورات البحرية جاءت كرد فعل على الحدثين الأول والثاني وإنما هذه المناورات ربما يكون مُعد لها سلفًا بين الدولتين وجاءت في هذا التوقيت الصعب الذي يمر به الشرق الأوسط وخاصة بعد العدوان الإسرائيلي على قطر.

لكنها مما لاشك فيه تحمل رسائل إقليمية ستقرأ بشكل عميق في عدة عواصم إقليمية ومنها تل أبيب ونيقوسيا وأثينا. هذه المناورات جاءت لتؤكد على النضج الذي تسير به العلاقات التركية المصرية بعد سنوات من القطيعة التي أثرت بشكل سلبي في العلاقات الثنائية بينهما، وانعكست أيضا على التفاعلات الإقليمية في الشرق الأوسط. لأن تركيا ومصر ليستا من الدول الهامشية في الشرق الأوسط وإنما من الدول المحورية فيه فالأولى تمثل جناحه الشمالي والثانية تمثل جناحه الجنوبي، ناهيك عن إرث تاريخي وثقافي ولغوي يمتد إلى قرون بين الدولتين يحفزهما للمُضي قُدمًا في علاقاتهما الثنائية.

فبعد سنوات من القطيعة ومع هذه المناورات البحرية، أدركت كلتا الدولتين بأن ليس بوسع أي منهما تجاهل مكانة الأخرى في بيئة الشرق الأوسط، وأن التجاهل لا يخدم مصالحهما، كما تدركان أن منطق التعاون الإقليمي بينهما في تلك البيئة المهمة في الجماعة الدولية، يقتضي على الدولتين الاعتماد على الأساليب الدبلوماسية في حل القضايا الخلافية، هذا الإدراك العميق والخلاق لكليهما لا ينعكس فقط بشكل إيجابي على دولتيهما وإنما أيضَا على الشرق الأوسط كافة.

وحدة الدراسات التركية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة