اياد العناز
انطلقت مسيرة تنفيذ الإجراءات وإعادة العقوبات الاقتصادية الدولية على إيران صباح يوم الأحد 28 آيلول 2025 بعد قرار مجلس الأمن الدولي بعدم الاستجابة لما قدمته ( الصين وروسيا) من طلب لتمديد فترة عدم تنفيذ العقوبات مدة ستة أشهر وإعطاء دور للحوار السياسي والجهد الدبلوماسي للتوصل لاتفاق مشترك بين دول الترويكا الأوروبية وإيران، بعد انقضاء مهلة الثلاثين يومًا التي سبقت إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة بموجب سياسة ( قبضة الزناد) والتي نص عليها القرار الأممي 2231 الذي أقر بعد اتفاقية العمل الشاملة المشتركة في تموز 2015.
القرار الاخير يضع ايران ضمن دائرة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتم التعامل به عند تهديد السلم والأمن الدوليين وحسب ما جاء به القرار 1737 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2006، والذي تقر فيه الفقرة السادسة منه على استخدام التدابير العسكرية في حالة استمرار التهديد الذي قد توقعه الدولة التي يشملها القرار الأممي، وهذا ما ستكون عليه الإجراءات والوسائل الضاغطة على إيران إذا لم تلتزم بما اتفق عليه من إجراءات أخيرة في مجلس الأمن بضرورة الالتزام بجميع بنود اتفاقية العمل المشتركة.
رفضت إيران الشروط الاملاءات الأوربية التي تم مناقشتها في نهاية شهر آب 2025، والتي تمحورت حول قبولها بإعادة الحوار المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بممارسة أعمالها على الأراضي الإيرانية وزيارة جميع المواقع والمنشآت النووية مع الاخبار الميداني عن مكان 400 كغم من اليورانيوم المخصب، وجاء الرفض الإيراني بعد عدة اجتماعات وما طرحته الإدارة الأميركية من ضرورة الانتهاء من تحجيم البرنامج النووي الإيراني إلى مناقشة برنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والدور السياسي الإقليمي الإيراني والدعم الذي يُقدم للمليشيات والفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني والتي تعمل في ( العراق واليمن ولبنان)، مما شكل حالة من الضغط السياسي الإسراع بتفعيل ( آلية الزناد)، بعد الرفض الإيراني للخوض في أي حوار حول الصواريخ الاستراتيجية والسياسية الخارجية لإيران.
سيتم بموجب تفعيل العقوبات حظر بيع أو نقل الأسلحة التقليدية إلى إيران ومنع الواردات والصادرات أو نقل المكونات أو التكنولوجيا المرتبطة بالبرامج النووية والباليستية وتجميد أصول كيانات وأفراد مرتبطين بهذه البرامج في الخارج ومنع الأشخاص المشاركين في النشاطات النووية المحظورة من السفر إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مع تقييد الوصول إلى المنشآت المصرفية والمالية التي قد تدعم هذه البرامج، وتعد شركات الشحن من بين الأعمال التجارية التي ستتأثر إلى حد كبير.
قامت القيادة الإيرانية بعدة إجراءات سياسية وعسكرية وأمنية بعد صدور القرار الأممي،تمثلت باستدعاء سفرائها في ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) لمناقشة ما ستؤول إليه نتائج تمديد العقوبات وطبيعة استمرار العلاقة مع هذه الدول واحتمالية إيقاف التعاملات التجارية والاستثمارات المالية معها، والقيام بعرض عسكري كبير للأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية وأنواع الطائرات المسيرة ضمن ( اسبوع الدفاع المقدس)، مع الاعلان الرئاسي من قبل مسعود بزشكيان بعدم الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.
أن إيران تدرك ان كل يوم يمضي وبدون أي فعالية سياسية وحوار دبلوماسي فإن الاحتمال العسكري يكون حاضرًا في الميدان، وأن بقاء وميض الفعل الدبلوماسي الذي تحدث عنه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مؤتمره الصحفي الذي عقده في أروقة منظمة الأمم المتحدة، سيبقى قائمًا لأنه المفتاح الرئيسي الوحيد الذي سيجنب إيران من كارثة اقتصادية كبيرة وعمل عسكري واسع يستهدف جميع المرافق والاماكن والمنشآت النووية والعسكرية والأمنية ومنصات الدفاع الجوي وإطلاق الصواريخ ومخازن الاعتدة والأسلحة المتطورة والبنية التحتية الاقتصادية والعلمية.
ورغم التأييد السياسي الذي ابدته ( روسيا والصين) في مجلس الأمن الدولي إلا أنهما لا يمكن لهما أن يساهما في أي مواجهة عسكرية ضد إيران ومن الممكن أن يتقيد دورهما بتقديم دعم معنوي ومساندة سياسية، وهو الحال الذي شاهدناه أثناء الضربات الجوية الإسرائيلية التي بدأت فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025 وما تلاها من مشاركة أمريكية في ضرب المنشآت النووية في ( نطنز وفوردو وأصفهان).
وتدرك جميع دول العالم أن القرارات الأخيرة ضد إيران ملزمة للجميع وواجبة التنفيذ والتطبيق، وأي خروج عنها أو استخدام وسائل للالتفاف عليها فإنها تعرضها لعقوبات قانونية دولية، وهذا يشمل الحليفين الرئيسين ( روسيا والصين) رغم عدم موافقتهما على العقوبات واعتبارها إجراءات غير قانونية، وهذا ما سيؤثر على الصين التي تستورد النفط الإيراني بكميات واسعة، وكيفية التعامل معه وما هو البديل عنه؟
أن الولايات المتحدة الأمريكية في ضغطها السياسي على دول الترويكا الأوروبية والاتحاد الأوربي بخصوص علاقتها مع إيران وتفعيل إعادة العقوبات الاقتصادية بحقها، تعلم أنهم بحاجة إليها في دعمها لملف الحرب الروسية الأوكرانية، كما أن الأوربيين يرون فيها فرصة ذهبية لإعادة اعتبارهم وفرض ارادتهم تجاه إيران بسبب تعاونها العسكري مع روسيا عبر تزويدها بأنواع الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة التي اثبت فعاليتها في ميدان القتال مع أوكرانيا،وهو الأمر الذي أدى إلى رفض العرض الإيراني الذي قدمه عباس عراقجي وزير الخارجية الإيراني قبل ساعات من صدور القرار الأممي، بقيام إيران بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20٪ وعودة المفتشين مزاولة اعمالهم، ولكن وقف التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل اتفاق القاهرة ورفض تقليل مخزون اليورانيوم المخصب، اصاب الأوربيين مع الضغط السياسي الأمريكي بحالة من الاحباط والمفاجأة السياسية في عدم امتثال إيران لكل ما طرحته دول الترويكا، مما زاد من قناعاتهم بضرورة تفعيل إعادة العقوبات وتنفيذ آلية قبضة الزناد.
وكان لتقرير وتقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية دورًا حاسمًا في مناقشات مجلس الأمن الذي أقر تفعيل العقوبات على إيران، باشارته (إلى أن إيران كانت تمتلك قبل الهجمات الإسرائيلية والأميركية ما يكفي من المواد النووية المخصبة بنسبة 60٪ لتصنيع أسلحة نووية إذا ما تم تخصيبها بدرجة نقاء تصل إلى 90٪).
ما الذي من الممكن أن يحدث أو تقوم به القيادة الإيرانية تجاه القرار الأممي؟ هناك عدة احتمالات منها استئناف فاعلية النشاطات النووية عبر تخصيب اليورانيوم بنسب أعلى وزيادة المخزون منه مع التقييد بسياسة ( الغموض النووي) في التعامل مع 400 كغم من اليورانيوم المخصب الذي تبحث عنه الولايات المتحدة الأمريكية وتوسيع الأنشطة في موقع نطنز الجنوبي، الأمر الذي سيؤدي إلى تصعيد حالة المواجهة المحتملة مع واشنطن وتل أبيب وإكمال الصفحة العسكرية الثانية التي ابتدأت في حزيران 2025.
فاعلية القرار ستجعل إيران تحت ضغط اقتصادي واسع وعقوبات كبيرة مما يزيد من حجم معاناتها وازماتها الاقتصادية والاجتماعية، في وقت يبحث النظام الإيراني عن عملية إعادة ترتيب بيته السياسي وهيكلية تنظيمه العسكري والأمني، مع تصاعد في حدة المواقف الشعبية التي بدأت تشعر بحتمية الضائقة المعيشية وسوء الأحوال الخدمية وزيادة نسبة التضخم الاقتصادي وانخفاض العملة المحلية التي تؤثر جميعها على مسار واستمرار الحياة التي يكابدها المجتمع الإيراني.
إيران ستبقى ملتزمة بمحاولاتها الدبلوماسية وحواراتها السياسية لابعاد خطر الهجوم العسكري عليها أو السعي لتخفيف العقوبات في إجراء سياسي يضمن لها حماية نظامها السياسي وبقائه واستمرار تأثيرها الإقليمي والدولي، وهي السياسة التي سيلتزم بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، رغم تصاعد حدة التصريحات الصحفية واللقاءات الاعلامية التي يتناقلها المسؤولين في وزارة الدفاع الإيرانية والقيادات العسكرية في فيلق القدس والحرس الثوري.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
