بعد عقود من المواجهات المسلحة بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، ألقى الأخير سلاحه، وها ما تنشده تركيا من قسد، ليس في إلقاء سلاحها فقط وإنما في ادماجه في وزارات النظام السياسي الجديد في الدولة السورية في مرحلة ما بعد بشار الأسد. وهذا ما تم الاتفاق عليه بين الحكومة السورية وقيادة ” قسد” في آذار / مارس من العام الحالي، وعلى أن يتم الادماج قبل نهاية العام الحالي.
وفي ها السياق حذّر الريس التركي رجب طيب أردوغان “قسد” من الانزلاق في مسارات خاطئة، داعياً إياها إلى دعم وحدة سوريا وسلامة أراضيها، معتبراً أن “من يتجه نحو أنقرة ودمشق سيربح، ومن يبحث عن أوصياء آخرين سيخسر”.
وأكد الرئيس التركي مواصلة اتصالات بلاده الشاملة مع سوريا على جميع المستويات والمجالات، مشدداً على أن بلاده عازمة على تعزيز التنسيق والتعاون الوثيق من أجل الحفاظ على مكاسب سوريا والمنطقة. وقال: “ليس هناك أي حديث عن ترك الرئيس السوري السيد أحمد الشرع ورفاقه وحدهم”.
ومن جانبه قال وزير الدفاع التركي يشار غولر إن” بلاده لن تسمح لأي من التنظيمات الإرهابية، حسب وصفه، بالعمل في أراضي دول الجوار تحت أسماء مختلفة، مشيرا على وجه الخصوص إلى حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تتألف أساسا من وحدات حماية الشعب الكردية”.
وشدد غولر على “ضرورة وقف حزب العمال الكردستاني وجميع التنظيمات التابعة له أنشطتهم في إطار الدعوة التي وجهها مؤسس الحزب السجين عبد الله أوجلان لحل كياناته”. وقال “على جميع أذرع التنظيم التي تعمل تحت تسميات مختلفة وفي مناطق جغرافية مختلفة، وخاصة في سوريا، أن تسلم أسلحتها فورا ودون قيد أو شرط”. وأضاف “أود أن أذكركم مرة أخرى بأننا لن نسمح لأي تنظيم إرهابي، وخاصة حزب العمال الكردستاني/الوحدات الكردية/ قسد، بأن يتجذر في المنطقة أو أن ينشط تحت أسماء مختلفة”.
تكاد تكون القضية الكوردية من القضايا النادرة التي تحظى باجماع كافة القوى السياسية في تركيا، فهي تعد من قضايا القلق الاجتماعي التي رافقت انشاء الدولة التركية المعاصرة، فبعد إلقاء حزب العمال الكوردستاني السلاح، ترغب تركيا في حل موضوع قوات سوريا الديمقراطية” قسد” عبر الاجرءات السلمية ولا ترغب في اللجوء إلى القوة العسكرية من أجل ذلك، فتركيا تريد اغتنام العوامل السياسية المواتية لذلك ومنها التغيير السياسي في سوريا واستعادة الزخم الايجابي في العلاقات التركية الأمريكية، والانفتاح السوري على روسيا، وذلك عبر زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو، والاتفاق على بعض القضايا في العلافات الثنائية. كلها هذه العوامل السياسية تدفع باتجاه حل قضية قسد بالوسائل السلمية.
وهنا لابد من الإشارة لا أحد ينكر الدور الذي لعبته قوات قسد في التصدي لنظام بشار الاسد ومواجهة ارهاب داعش، لكن الآن هل سوريا في مرحلة جديدة وان اندماج قسد في مؤسسات النظام السياسي في سوريا يخدم مصلحة جميع السوريين ويغلق باب أمام اي صراعات مستقبلية
ومما لاشك فيه بأن هذا الحل لا يخدم إسرائيل وإيران، فهاتين الدولتين لا ترغبان باستقرار سوريا وترغب ايضا باستنزاف تركيا عبر قسد، والأخيرة مدركة لذلك تمامًا، فتركيا ستقف ضد مخططات اسرائيل في سوريا -التي ترغب في تقسيم سوريا على أساس عرقي وطائفي- فهي مع إيران مع سوريا غير مستقر سياسيا منهار اقتصاديًا، عكس الرؤية التركية لسوريا، فهي مع سوريا مستقرة وسوريا موحدة لأن هذا الاستقرار يخدم مصالح الدولة السورية والدولة التركية، فاندماج قسد في مؤسسات النظام السياسي سوريا، هذا يعني أن تركيا في طريقها لحل القضية الكوردية على المستوى الإقليمي.
خلاصة القول إن سقوط بشار الأسد بالنسبة إلى تركيا لا يقل أهمية عن سقوط الاتحاد السوفييتي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فسقوط الأسد مثّل فرصة استراتيجية للدولة التركية لمعالجة أم القضايا في السياسة التركية وهي القضية الكوردية. فهل تسير رياح السياسة الإقليمية بما تشتهيه السفينة التركية؟
