الاتجاهات الميدانية لبقاء القيادة الإيرانية

الاتجاهات الميدانية لبقاء القيادة الإيرانية

اياد العناز

تتابع القيادة الإيرانية المواقف الدولية والإقليمية وطبيعة التعامل معها بعد إقرار العقوبات الاقتصادية التي أقرها مجلس الأمن الدولي بعد التقرير الكامل الذي قدمته دول الترويكا الأوروبية ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بعدم التزام إيران بما أقره الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني احتوته اتفاقية العمل الشاملة المشتركة في تموز 2015، وبدأت تتأخذ عديد من الإجراءات التي تساهم في تعزيز مواجهتها لنتائج العقوبات وأثرها على مستقبل النظام السياسي الإيراني ومدى فعالياتها على الجبهة الداخلية بتعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطنون الإيرانيون.
بدأت تحركاتها الدولية بالإعلان عن تفعيل الشراكة الاستراتيجية مع روسيا والتي تم التوقيع عليها في 17 كانون الثاني 2025 من قبل الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس مسعود بزشكيان، ثم التحرك الإقليمي عبر الزيارات الميدانية التي قام بها أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني ( على لاريجاني) للعراق ولبنان، ولقاءاته المتعددة مع العديد من القيادات السياسية والأمنية في البلدين، والغاية الأساسية والهدف الرئيسي من زيارة العاصمة ( بغداد) هي لإعادة ترتيب التموضع الجيوستراتيجي في جوارها للعراق لاهميته في العقيدة الأمنية والسياسية كونه يعتبر مرتكزًا رئيسيًّا للمشروع والتمدد الإيراني الإقليمي وخندقًا منيعًا في رؤيتها للأمن القومي الإيراني، كما أنها محاولة إيرانية لمواجهة مأزق استراتيجي يهدد وجودها ومصالحها في الإقليم، فالعراق يمثل ورقة سياسية مهمة في معادلة النفوذ الإقليمي، وأي محاولة لمواجهة قادمة مع إيران من قبل إسرائيل والولايات المتحدة يعني انعدام تأثيرها ووجودها كقوة إقليمية.
تنظر القيادة الإيرانية للاوضاع السياسية في لبنان على أنها تشكل حالة ميدانية تدعم عملية بقاء تأثيرها على دعم وإسناد حزب الله اللبناني بعد الانكسار الذي لحق به جراء الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت قياداته السياسية والعسكرية والأمنية والبنية التحتية للمراكز والهيئات الاقتصادية الداعمة لعمله الميداني، وترى أن النقاشات والحوارات التي تدار في المؤسسات الرسمية اللبنانية حول حصر السلاح بيد الدولة ما يُهدد الوجود العسكري لحزب الله، وجاءت العديد من التصريحات الإيرانية التي أطلقتها قيادات عسكرية وأمنية انتقدت فيها قرار الحكومة اللبنانية بتجريد حزب الله من سلاحه، وأهمها ما قاله المرشد الأعلى علي خامنئي في الذكرى السنوية لمقتل حسن نصرالله بقوله ( أن المجرمين الصهاينة عليهم أن يعلموا أنهم صغار جدًا ولا يستطيعون أن يلحقوا ضررا كبيرا بالبناء القوي لحزب الله في لبنان).
تعتمد السياسية الاستراتيجية الإيرانية في رسم ملامح قوتها وتأثيراتها بعد الأحداث التي رافقت سقوط نظام بشار الأسد وهروبه لروسيا وخسارة العمق الاستراتيجي في تواجدها بالميدان السوري الذي كانت تنظر إليه وتعتبره المربع الذهبي الذي يحيط بمشروعها الإقليمي وامتداداته حيث مواقع واماكن حزب الله في الجنوب اللبناني، وعلى امتداد وجودها ونفوذها عبر وكلائها وحلفائها من الفصائل المسلحة وبعضًا من الأحزاب الحليفة لها في العملية السياسية في العراق، ولطالما اعتبرت أن العراق بالنسبة لها بوابة اقتصادية حيوية في ظل العقوبات الدولية التي قيدت حركة التجارة الإيرانية وابعدتها عن الأسواق العالمية، فاتسعت حركة النشاط الاقتصادي مع العراق وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 18 مليار دولار، فالعراق يعتبر سوقًا ضخمًا للمنتجات الإيرانية بكل أنواعها ومنفذًا بحريًا مهمًا لعمليات التصدير والاستيراد، وشريانًا حيويًا لتسويق النفط والغاز، ما يجعله رئة اقتصادية لا غنى عنها لإيران، تُساعدها على التنفس في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة عليها.
ولبنان لا يقل أهمية عن العراق في الرؤية الاستراتيجية الإيرانية، فهو ملاذ إقليمي مهم للتطلعات والأهداف الإيرانية في المنطقة وجسرًا حيويًا واطلالة مهمة على سواحل البحر الأبيض المتوسط، تحاول القيادة الإيرانية التمسك به لتحقيق التوازنات السياسية وحماية وجودها وادامة مصالحها في حالة أي متغيرات سياسية وأحداث ميدانية تشهدها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وحالة استباقية إيرانية لإعادة ضبط توازن القوى قبل أن تفرض التحولات الإقليمية الراهنة واقعًا ميدانيًا قد لا يكون في صالح بقاء واستمرار النظام السياسي الإيراني.
وقد تسعى القيادة الإيرانية إلى اعتماد سياسة المخاطرة وتحمل النتائج اللاحقة في الاحتفاظ بطاقتها النووية وخيارتها في إدامة وتوسيع نشاطاتها ضمن برنامجها النووي بمسارات سرية بعيدة عن حركة وفعالية مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واعتبار السلاح النووي خيار إيران الاخير في أي مواجهة قادمة مع إسرائيل وأمريكا،
وإما على الساحة الداخلية فإن السياسة التي سيتم العمل بها من قبل المؤسسات الإيرانية وأجهزتها الأمنية والاستخبارية هي تضيق الخناق والحركة على أي توجهات ونشاطات شعبية وتظاهرات جماهيرية واحتجاجات ميدانية تضعف النظام وتفقده شرعيته السياسية في البقاء والاستمرار، مع تعزيز العمل الإستخباري في رصد أي تحركات تعيد العملية العسكرية الإسرائيلية داخل العمق الإيراني.
تعول إيران في مواجهة التهديدات الخارجية على علاقاتها المستمرة وتطويرها مع دول مجلس التعاون الخليجي العربي وخاصة المملكة العربية السعودية والسعي لإثبات حسن نواياها وتمتين حالة الثقة السياسية مع زعماء هذه الدول عبر مواصلة العمل المشترك وعلى كافة الأصعدة، مع معرفة التوجه الحقيقي الذي تسعى إليه دول الخليج العربي في مواصلة عمليات التقدم والازدهار وتحويل مناطقهم إلى تكتلات اقتصادية فاعلة ومراكز عالمية لأنشطة علمية وتقنية في مجالات التكنلوجيا والاتصالات والتجارة، والحفاظ على القدرات الاقتصادية والاستثمارات المالية وتجاوز أي خلافات قد تؤدي إلى نزاعات عسكرية وصراعات ميدانية.
ستبقى السياسة الإيرانية ضمن وثوابتها الأساسية في التمسك بمشروعها النووي بتخصيب اليورانيوم ودعم حلفائها وأدواتها من الفصائل والمليشيات المسلحة والالتزام بالمبادئ المحددة في أيديولوجيتها السياسية والعسكرية، في محاولة منها لإثبات وجودها في أي حل سياسي وحوار دبلوماسي قد يحصل مع الدول الأوربية أو عبر وسطاء لإعادة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية للوصول إلى هدفها وغايتها برفع العقوبات الاقتصادية بما يسمح لها بالاستفادة من الطاقات الكامنة في قطاع النفط وعلاقتها مع الشركات العالمية في مجال الطاقة العالمية وتحسين إدارة المنشآت النفطية بإعادة إيران لإنتاج 5 مليون برميل من النفط يوميًا وتأهيل قطاع الغاز ليكون أكثر فعالية في تحسين الموارد المالية وتحقيق العوائد والفوائد الاقتصادية في مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيراني، بعد أن فرضت العقوبات مسارًا صعبًا لم تستطع فيه طهران من تجاوز عملية تصدير النفط لأكثر من 1،7 مليون برميل يوميًا.
وإيران لديها القدرة والامكانية للعودة لسوق الطاقة العالمي، إذا ما تمت الموافقة على رفع العقوبات عبر القبول بالشروط الغربية والعودة للمفاوضات مع الإدارة الأميركية، فالغاز الطبيعي الإيراني يتوفر في حقول عديدة وبكميات تجارية ومنها حقل غاز مشترك بين قطر وإيران، هو حقل بارس الجنوبي (South Pars)، ويعد هذا الحقل البحري أكبر حقل غازي في العالم، تقدر كمية الغاز في الحقل بـ1800 تريليون قدم مكعب وفقا لبيانات منظمة الطاقة الدولية (IEA).
تتابع إسرائيل التطورات الميدانية الخاصة بالأوضاع السياسية الإيرانية وترى أن أي اتفاق لا ينص على منع تخصيب اليورانيوم سيكون مجرد عامل مساعد لإيران لإعادة بناء قدراتها النووية بامتلاكها المعرفة العلمية، وأي عملية إيقاف للعقوبات يعني حصول طهران على عوائد مالية كبيرة يسهل لها إعادة ترتيب أوضاعها الاقتصادية والعسكرية وتمويل الفصائل المسلحة الداعمة والحليفة لها.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة